قلاع الشمال بيد الثوار، ماذا بعد
م. عبد الله زيزان
مفصل جديد للثورة في الشمال السوري
لم يكن يوم الاثنين الخامس عشر من كانون الأول الجاري يوماً عادياً على ثوار سورية عموماً وثوار إدلب خصوصاً، فانهيار قوات الأسد في أكبر معسكرين في الشمال السوري، ليس حدثاً عادياً، بل هو مفصل مهم من مفاصل الثورة في الجبهة الشمالية لسورية، وسيكون له تداعياته العسكرية والنفسية المريرة على ميليشيات النظام والمرتزقة من حزب الله وغيرهم ممن يشاركون بصورة مباشرة في القتال في البلاد...
وادي الضيف ومعسكر الحامدية تلك العقدة العسكرية التي انهكت الثوار واستنزفت خيرة الشباب من الجيش الحر، يستحق تحريره الفرح والسرور، في غمار المآسي والطعنات التي تلقاها الشعب السوري في الآونة الأخيرة ممن يدعون صداقته قبل أولئك المجاهرين بعداوته وقتله وتشريده، فكان تحرير ما يسميه النظام بقلاع الشمال، خبراً يشفي صدور مئات العوائل التي استشهد وجرح أبناؤها بسببه على مدى شهور طويلة...
ظروف نشأة المعسكرين
يعد وادي الضيف واحداً من أكبر المعسكرات في الشمال السوري، وهو الأضخم في الريف الجنوبي لمدينة إدلب، رغم أنه كان قبل الثورة ثكنة عسكرية صغيرة تحمي مستودعات للوقود الاستراتيجي حيث يخزن داخله كميات كبيرة من الوقود تزيد عن خمسة ملايين ليتر.
وفي تموز من عام 2011 بعيد انطلاق الثورة السورية أرسل النظام قواته لإدلب لقمع الثوار، فوصلت كتائب وألوية من فرق ( 17 مشاة – 11 دبابات – 14 قوات خاصة ) للمعسكر بالإضافة لبعض السرايا الأمنية، ولحقتها فيما بعد عناصر الميليشيات الإيرانية واللبنانية، حيث أقاموا الحواجز على الأوتوستراد الدولي (حلب – دمشق)، وداخل المدن والبلدات المحيطة وأهمها معرة النعمان, لكن بعد تحرير المعرة أواخر عام 2012 انسحبت تلك الحواجز إلى المعسكر، لتشكل عقدة عسكرية للثوار امتدت لشهور استشهد خلالها ما يزيد عن 400 مقاتل بالإضافة لأكثر من 1500 جريح على أقل تقدير، بعضهم إصاباته مستديمة.
الأهمية العسكرية للمعسكرين
يتمتع معسكر "وادي الضيف" بالإضافة إلى الحامدية أهمية استراتيجية خاصة في الشمال السوري عموماً وفي محافظة إدلب خصوصاً، فهما يربطان شرق سوريا بغربها ومناطقها الشمالية بالجنوبية، وهي طريق عبور لإمدادات ميليشيات الأسد من جهة الساحل نحو الشرق..
حيث يقع معسكر وادي الضيف في الجهة الشرقية من معرة النعمان على مساحات واسعة من الأراضي، إذ يمتد من قرية الزعلانة في الشمال الشرقي للمعرة وحتى حدود قرية صهيان في الجنوب بالقرب من مدينة خان شيخون، وعلى بعد 500 متر فقط من الطريق الدولي أوتوستراد حلب - دمشق.
لذلك فإن سقوط المعسكرين سيصعب على قوات النظام استعادة معرة النعمان والتقدم نحو الشمال السوري من وسط البلاد وتحديدا حماة، كما أن خسارة المعسكرين سيسهل للثوار التقدم نحو مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة النظام غرباً، وحتى حماة جنوباً.
قيمة الجندي عند النظام
في كل مرة يهزم فيها النظام تزداد الروايات التي تتحدث عن استحقاره لجنوده، وعدم اكتراثه لمصيرهم، وسقوط المعسكرين الأخيرين لم يشذّا عن تلك القاعدة، فقد أكّد المرصد السوري أنّ "طائرة مروحية هبطت بعد منتصف ليل الأحد الاثنين في منطقة معسكر الحامدية ونقلت عدداً من الضباط والقادة خارج المعسكر"، تاركين وراءهم الجنود ليلقوا حتفهم، في أبشع صور الاستهتار بقيمة الإنسان حتى لو كان مؤيداً بل ومدافعاً بروحه عن النظام...
فإذا كان هذا حال المؤيد للنظام والمقاتل فداءً لقائده الأسد، فلا غرابة من استهداف النظام للمدنيين من أطفال ونساء وعجائز في طول البلاد وعرضها، ولا غرابة حين استخدم الأسلحة المحرمة دولياً مستهدفاً المدنيين دون العسكريين، وسط صمت غربي مقيت...
ماذا بعد؟
حاول الثوار تحرير معسكري وادي الضيف والحامدية في خمس معارك سابقة لم تفلح في إنهاء النظام من تلك المناطق، ورغم أنهم تمكنوا من إضعاف المعسكرين وإنهاكه وتقطيع أوصاله إلا أنّ معنويات الجيش الحر تأثرت بصورة أو بأخرى، حيث شكل المعسكران كابوساً أوقف تمدد الثوار في المناطق الشمالية وأصبحا نقطة استنزاف مؤلمة لهم، ليأتي تحريره نهاية فصل موجع من فصول الثورة في تلك المنطقة...
ورغم محاولة الإعلام بصورة عامة حصر هذا الإنجاز بجبهة النصرة وحدها، إلا أنّ الواقع يشير إلى أنّ لبقية فصائل الجيش الحر الدور الأبرز في تلك المعركة وعلى رأسهم الجبهة الإسلامية ممثلة بحركة أحرار الشام، ما يجعل التركيز الإعلامي على جبهة النصرة يُنظر إليه نظرة شك وريبة، خاصة أنّ الغرب يحاول حصر القضية السورية في طرفين فقط، هما النظام و"تنظيم البغدادي"، وحيث أن الغرب يضع جبهة النصرة على نفس الكفة مع "تنظيم البغدادي" فإن تجيير الانتصار لجهة واحدة لا يخدم الثورة بحال، بل يخدم الادعاءات الغربية بتمدد التطرف في أوساط الثوار والمناطق المحررة...
وبغض النظر عن الطريقة التي يتعاطى بها الإعلام مع الأحداث على الأرض، فإنّ على الثوار الآن عدم التوقف عند هذا الإنجاز، والتقدم نحو مناطق النظام الأخرى بعيداً عن مهاترات الإعلام، وبعيداً عن محاولات النظام التلاعب بمعنويات الثوار من خلال شعاراته وأكاذيبه، فقد تحرر المعسكران قبل قدوم الصيف ليصبح ما تغنى به جنود النظام في مهب الريح، فقد قالوا يوماً: (راح الشتي وإجا صيف، حارق دمهم وادي الضيف)...