عفوا سماحة المفتي... والبابا
عفوا سماحة المفتي... والبابا
م. محمد حسن فقيه
من الغريب والمستهجن أن يغرد فرد خارج السرب وينتقد رياح التغييربنسائمها اللطيفة التي هبت علينا محملة بعبق الحرية وشذى الكرامة ، وينتقد نهضة الجماهير ضد الظلم والفساد ، ويبقى متمسكا برموز القهر والاستبداد ، وينتقد الشعوب البائسة إذا هبت لتطالب بحقها من العيش الكريم ، وتسعد بنعمة الحرية ، حرية الكلمة والتعبير وممارسة شعائر الدين ، بعد انطلاقة الجماهير في عالمنا العربي والإسلامي منذرة بسحق الاستبداد وطرد الطواغيت الذين جثموا على صدور شعوبنا المقهورة عشرات السنين .
ولكن أن يطل علينا ممن نصب مفتيا أو أنبا أو أبا روحيا ، ويتكلم باسم الدين ، فيجعل من مطالب الشعوب بالحرية والعيش الكريم مؤامرة خارجية وتفتيتا للأمة والجماهير ، فهذا أمر جلل وطامة كبرى ، لما فيها من قلب الحقائق ، من أناس ينتظر منهم أن ينحازوا إلى الجماهير ، ويكونوا عونا لشعوبهم على الطغاة والمستبدين ، فإذا بهم ينصبون من أنفسهم محامي دفاع وشهداء زورعن الظلم والمستبدين الطغاة .
هل المطلوب أن تبقى هذه الشعوب قطيعا يمارس عليها المستبدون سلطانهم في القهر والإذلال ، وتبقى بائسة جائعة يسرقون قوت يومها ويحولون عشرات المليارات إلى حساباتهم الخاصة في البنوك الأجنبية ، ولا تجود نفوسهم على شعوبهم بالملاليم ويحرمونهم من ضروريات الحياة ، ويتآمرون على شعوبهم مع الأعداء الذين يحتلون الأرض ، أو ممن يستنزف خيراتها ويمارس عليها سياسة الوصاية سياسية كانت أو اقتصادية ، ثم يكمل هؤلاء المستبدون مأساة الشعوب بتكميم أفواههم ودوس كرامتهم بحذاء ثقيل مستورد من الخارج ؟ !
يا رموزالنظام وأزلام الحكام من المفتين والآباء الروحيين : هل تدعون هذه الجماهيرالبائسة المقهورة للرضوخ أمام القهر والظلم ، وتطالبونها أن تتمسك بالذل وتتحلى بالخنوع أمام سياسة الظلم والاسيبداد ؟ !
هل تدافعون عن هؤلاء المستبدين المتآمرين على مقدرات شعوبهم وسارقي خيراتها ، وتدعون الجماهير أن لا تخرج على أمرهم ... وتتعامل معهم كأئمة ولاة أمر لهم حق السمع والطاعة ؟ !
إذا وصلنا إلى هذه المرحلة فإن الحقائق قد قلبت ، والموازين قد طارت في الهواء ، والأمانة قد ضيعت .... وفقدت .... واختفت ! .
لست أدري هل يعيش أمثال هؤلاء الناس في عالمنا المعاصر، ويقرؤون الأخبار ويشاهدون الفضائيات ويسمعون التصريحات والتحلبلات ، ويتابعون الشبكة العنكبوتية ، قبل أن يدلوا بفتاويهم في هذه الأمور الجسام ، أم أن أوقاتهم الثمينة لا تسمح لهم بذلك فتأتيهم جاهزة كالوجبات السريعة ، فيفتون في أهم قضابا الأمة ومصيرها بناء على معلومات لم يتحققوا من صحتها ، مستندين على صدقها وأمانتها ..... ومسلمين بنزاهة من قدمها لهم ! .
أيها العلماء والمفتون والقادة ، إن المأمول بكم أن تقودوا المسيرة ، وتكونوا مشاعل نور وهداية أمام الجموع ضد الظلمة وأعوانهم .... وإلا فأنتم أعوان الظلمة ، بل أنتم حراب الظلمة وسيوفها ، لا ... بل أنتم بنادقها ودباباتها التي تسحق بهم الجماهير ، إن لم تكونوا أنتم الظلمة أنفسهم .
أيها العلماء : إن لم تستطيعوا أن تكونوا محضر خيروتأمروا بالمعروف ، فلا تكونوا محضر سوء فتنهون عن المعروف وتأمرون بالمنكر .
إن مطالب الشعوب والجماهير المقهورة لا يمكن أن تؤدي إلى تفتيت الوطن كما تدعون وكما صوروا لكم أولياء أموركم ، والجماهير لا يمكن أن تتآمر على نفسها أو مقدرات أوطانها مع الأجنبي الذي له مطامع في بلادنا ، لأنها تطالب بالحرية والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم وحق المواطنة وحقوق الانسان .....بعد أن سلبهم الحاكم المستبد جميع هذه الحقوق وغيرها .
إنما يتآمر على مقدرات الأمة ويبيعها بعرض زهيد في سوق النخاسة ، ذلك الحاكم المستبد وما التف حوله من بطانة غاشمة ، حتى يبقى متسنما ذلك الكرسي متشبثا به كإله يعبده ، ولو كان ذلك فوق جماجم الشعوب والجماهير المقهورة ومايدور حوله من طغمة انتهازية منتفعة ، حتى تنتفخ جيوبها وترفل في النعيم وتعيش في القصور ، وغيرها من المواطنين يبحثون في حاويات القمامة ويعيشون بين المقابر وداخل العشش وعلب الزنك والصفيح .
إن الحاكم المستبد هو الذي يرهن مقدرات بلاده لأجل أن يعتلي سدة الحكم ويورثها من بعده لأولاده وأحفاده ، ولو كمم أفواه الناس وخنق الحرية وعاش الناس تحت خط الفقر وهو يتربع فوق برجه العاجي لا يرى ذلك ولا يسمع به ، فالبطانة تتولى قلب الحقائق وإيصال الصورة مقلوبة ، ولو سمع بحقائق الأمور صدفة من هنا أو هناك فإنه يتجاهل سماعه ويصم أذنيه ويغلق عينيه ، وقد يدعي الطاغية أنه قد فهم شعبه في نهاية المطاف ، عندما يحس بالخطر الحقيقي يحيط به ، ولم تعد تنفعه بطانته الفاسدة أو سيده الأجنبي الذي نصبه ، ولكن بعد فوات الأوان .
إن الحاكم المستبد الذي يفتت الوطن ، هوالذي يمزق الشعب ويمتهن كرامته ويدفنه حيا بين الأنقاض ، ويتآمر مع الأجنبي ضد وطنه وأمته ومصالح الشعب والجماهير، ويبيعها بثمن بخس مقابل تثبيت كرسيه أو عرشه وتوريثه من بعده لأولاده وأحفاده ، ويغضوا البصر عن سرقاته وفساده إضافة إلى ظلمه واستبداده .
فرويدكم ... رويدكم ... أيها المفتون والأنبا والعلماء الروحيون ، لا تنزلقوا في خطابات وفتاوي وتصريحات أمليت عليكم لتدمروا بها أبناءكم .
أيها العلماء والمفتون إن لم تكونوا قدوة للإصلاح فلا تكونوا دعاة لترسيخ الظلم والاستبداد .
إن لم تستطيعوا أن تكونوا صرخة حق في وجه الطغاة ، فلا تكونوا نوح بوم ونعيق غراب .
إن لم ترقى أنفسكم لتكونوا علماء عاملين ، فلا تهبطوا بها إلى درك علماء السلاطين .
أيها المفتون والباباوات لا تمزقوا شعوبكم باسم خدمة الولاة والسلاطين المستبدين .
إذا لم تستطيعوا الانحياز الكامل إلى المواطنين ، فلا تكونوا أبواقا للسلاطين وأعوانا للشياطين .
رحم الله امرأ قال خيرا فغنم ، أو سكت فسلم .
أرجوكم لا تذبحونا باسم الدين .... سواء كان ذلك الذبح : ذبح على الطريقة الاسلامية ، أوذبح على الطريقة المسيحية .
إن لم تكونوا محضر خير فلا تكونوا محضر سوء
أن لم تكونوا علماء عاملين فلا تكونوا علماء سلاطين