مسألة وقت
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
رن جرس الهاتف، ثم جائني صوتها قائلا بصوت "تسويقي" واضح :
مساء الخير يا افندم ... إحنا شركة (كذا) للفلاتر الأمريكية، نقدم لك أجود فلتر في السوق، القلب أمريكي مائة في المائة، مع ضمان مدى الحياة، مع خدمة صيانة مجانية كل ثلاثة شهور لمدة عامين.
أجبتها : شكرا جزيلا يا عزيزتي ... فأنا لست محتاجا لهذا الفلتر، فأنا عندي فلتر للأمانة ... وفلتر للصدق ... وفلتر للحق ... لذلك سأقول لك بمنتهى البساطة أنا عندي فلتر في البيت !
ضحكت البائعة ثم قالت : هي أيام سودة ... ربنا يعديها على خير !
فقلت لها قبل أن تغلق : والله العظيم ... وحياة البهوات اللي سمعينا دلوقتي الثورة مستمرة ... والتغيير قادم ... ومن لا يرى ذلك فهو أعمى البصر والبصيرة.
مساء الخير عزيزي القارئ ...!
هل شاهدت الناس تسخر من إله العجوة الذي شبهوه بآيزنهاور في الشوارع والمواصلات؟
في الجمعة الماضية ... وبعد أن أجبروا الخطباء على التحذير من نزول الشوارع، وصوروا هذا النزول كفرا صراحا، عاش أحد خطباء الجمعة في الدور، وأطال الخطبة، فقام له أحد المصلين قائلا : "يا أخي قرفتنا ... اختصر ... الله لا يخليك ولا ياخدك !!!"
فأجابه الخطيب بسلطته الربانية : "لقد لغوت يا رجل" !
فقام له مصل آخر : "والله ما لغى إلا بسبب اللغو الذي صدعتنا به طوال الخطبة ... مالنا احنا ومال التعليمات اللي جايه لك؟ اختصر عايزين نروح"
يبدو أن الخطيب اقتنع، واختصر الخطبة، وبعد الخطبة سمع من الناس ما لا يرضيه.
رئيس الأمر الواقع يصرح باستعداده لحفظ أمن الدولة الفلسطينية التي تتمنى إسرائيل إقامتها (تحت ظلال أحذية جنودها) منذ عشرات السنين.
مصر العظيمة ستصبح شرطي القمع بالنيابة عن إسرائيل (على آخر الزمن !).
سارت المسيرة المعارضة للانقلاب في الشارع، ثم داهمتها الشرطة، وبين المعتقلين شاب صغير في التاسعة عشرة من عمره، يحمل موبايلا جديدا في علبته، ومعه الفاتورة التي تثبت أنه اشتراه اليوم، وقال لمن أمسكوا به أنا لست ضمن المسيرة، لقد نزلت من بيتي لأشتري هذا الموبايل.
بعد ذلك حبس على ذمة قضية ما لمدة خمسة عشر يوما.
حين جاء أبوه وأمه أقسما لوكيل النيابة بأغلظ الأيمان (يا باشا ... إحنا بتوع التفويض !!!)، ولكن لا فائدة.
بعد أن حبس الشاب ... شاهد الجميع الأبوين وهما يقسمان أغلظ الأيمان .. بأنهما سيكونان على رأس المسيرات من الجمعة القادمة.
الظالم عدو نفسه، والحمد لله الذي لم يخلق مستبدا ذكيا.
شكرا لمكتب تنسيق الكليات !
(ملحوظة : لا تسلني عن مصير الموبايل الجديد!)
قدرة النظام الحالي على التواصل مع الشباب – في رأيي – تحت الصفر !
هناك شباب في السجن كانت مهمتهم أن ييسروا للانقلاب الوصول للشباب، ولكنهم رفضوا.
كان هناك مشروع "مفوضية الشباب"، وجوه ثورية، يغدق عليها العطاء، يتم تلميعهم في إعلام العسكر، لكي يجذبوا شباب الثورة، لكي يجذبوا شباب مصر، ولكنهم كانوا رجالا، ورفضوا أن يقوموا بهذه المهمة القذرة.
(الله يمسيك بالخير يا احمد يا ماهر... لو أنك وافقت على القيام بهذا الدور لما كنت في السجن اليوم!!!)
الصمود البطولي للمتظاهرين في الشوارع أفسد سياسة الأمر الواقع، وخرب الطبخة المسمومة التي يطبخها ساسة الإمبريالية، وستكون النهاية انتصارا يأتي بالتدريج للمظلومين.
لو أن هناك رجلا يستطيع أن يصل لرئيس الأمر الواقع، هذا الذي يأخذ البلد إلى تحالفات اقتصادية وعسكرية دولية لا يعلم أحد ما وراءها، لو أن أحد يستطيع أن يصل إليه وسط هذه الإجراءات الأمنية التي لم يحظ بها أي مخلوق وصل للسلطة في هذا البلد منذ آلاف السنين، لقال له بحق : "أنت مؤقت ... عابر ... قدم ما شئت من التنازلات من أجل هذا العرش ... ستظل مؤقتا ... عابرا ... ورحيلك مسألة وقت" !!!
ملحوظة أخيرة : هذه المرحلة التي نمر بها لا تلزم مصر بأي اتفاقيات من أي نوع، ولن يعترف الشعب المصري بأي قيود اقتصادية، أو بترسيم حدود، أو بتنازلات من أي نوع في أي ملف.
وعلى جميع الدول التي رتبت أمورها على أساس استمرار هذا النظام أن تشرب من البحر !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...