الدكتورة الداعشية والدفع نحو التطرف
الدكتورة الداعشية والدفع نحو التطرف
بشار عمر الجوباسي ـ سوري
لا يتوجب عليك أن تملك عقليةً كتلك التي عند ماركس فيبر مثلاً
أو رؤية كالتي كانت لابن خلدون لتحلّل ظاهرة ما في مجتمعك يكفي فقط أن تعيشها، و
على هذا فإنّ أسباب إنضمام الدكتورة إيمان البغا لداعش و التي أثارت الكثير من
الجدل ليست حالة فردية و إنّما تعكس حالة عامة و لا أبالغ أبداً حين أقول عامة
تراود أغلب مواطني الدول العربية دون أن تكون بعيدة عن المثقفين أو ذوي الشهادات
العالية، و خاصة في تلك الدول التي تعيش حروباً مصطنعه و لا يزال مُؤجّجوها غير
راغبين بإنهائها؛ و لكن ربما ليس للحدّ الذي يدفعهم إلى الإنضمام لداعش ولكل فرد
سبيله للهرب من واقعه المأساوي؛ فمنهم من ينضم إلى فصائل مقاتله أخرى غير داعش كل
حسب بلده و آخرون لا يفعلون شيئاً سوى الإنخراط في التديّن أكثر و أكثر في حين جحد
البعض بالدين، و رغم عدم تمكّن غالبيتهم منها يبقى حلم الهجرة القاسم المشترك بينهم
جميعاً فعند تجاوز الأزمات طاقة التحمّل البشرية ينضب الإحساس بالمواطنه و الإنتماء
إلى الوطن و الذي قد يعني البقاء فيه إنتظار الموت كما في كثير من مناطقسورية مثلاً،
و لكن ما الذي يجعل أستاذة جامعية تتمتع بمكانة إجتماعية مرموقة و تعيش حياة
الرفاهية قد لا تبلغها أحلام الكثيرين لتترك كل ذلك و تزجّ بنفسها في صفوف تنظيم
يوصف بالإرهابي و تقاتله كل دول العالم و يحكم على كل أفراده بالموت؟ و لا يتوقف
الأمر عند هذا الحدّ بل يتعداه لأبعاد أكثر فتلك السيدة كانت تدرّس أصول الفقه
لطلابها في الجامعة و لا بدّ أنّه لم يكن ليغيب عنها تجاوزات داعش و الكثير من
حقائقها المخفية وراء أستار اسمها اللامع و محاربتها لنظامين سحقوا السنة فيسوريا و العراق،
فما الذي دفعها إلى إصدار فتوى لنفسها تصدقها هي أولاً رغم علمها الواسع و تبايع
البغدادي؛ و أي منطق يختبئ وراء قرارها ذاك؟ إنّ اليأس المزمن إضافة إلى الشعور
الدائم بالإنخداع من قبل دول العالم و أنظمة المنطقه و عدم المبالاة بتدمير شعوبنا
و بلداننا و التآمر على ذلك إضافة إلى غياب أبسط أسباب الحياة لا بل قد تكون حتى
حياة الفرد نفسه مهددة بأي لحظة وغياهب السجون التي تنتظر كل من يصدح برأيه و توقع
مستقبل أكثر سوداوية من الواقع الحالي؛ هذا المزيج من الأحاسيس تشترك فيها مع جميع
شعوب المنطقه و ربما حتى أكثر الدول الإسلامية هو السبب وراء قرارها ذاك.
منذ ظهور مصطلح الإرهاب عقب الثورة الفرنسية كان يستغلّ لسحق الخصوم و لا تزال
الأنظمة الدكتاتورية تتّبع نفس النهج و تعلّق على شماعة الإرهاب كل ممارساتها
الإرهابية أصلاً ضدّ شعوبها، و هذا ما ينسحب أيضاً على الدول الغربية و أمريكا التي
راحت تتذرع به و تحتل الدول و تدمرها و تحوّلها إلى دول فاشلة يعجّ فيها الفساد و
يتقاسمها أمراء الحرب تاركين سكانها دون أدنى أسباب الحياة رغم ثروات بلادهم
الهائلة.
يقول الباحثون من الأسباب التي تجعل شخصاً ما إرهابياً هو عدم قدرة هذا الشخص على
إحداث تغيير بطرق سلمية كالإحتجاج و الإعتراض و المطالبة وهذا ما يعني اليأس و إذا
أضيفت إليه الرغبة بالإنتقام نكون أمام أول الخطى نحو هاوية التطرف؛ فماذا يُنتظر
من شخص هدم بيته و قتل عدد من أفراد أسرته و إغتصبت أخته، و أولئك القادمون من
الدول الغربية و الذين كانوا يعيشون حياة الرفاهية فيها، ما الذي دفعهم إلى تركها و
الإنضمام إلى داعش؟ ألم يكن وراء ذلك ما يشاهدونه و يسمعون عنه من فظائع ترتكب في
سوريا و العراق أو غيرها من الدول يسحق فيها المسلمون تحت أنظار العالم دون أدنى
إكتراث من قادته، و الذين لا يفعلون إلا ما يزيد الطين بلّة فهم لا يحاربون الإرهاب
بل تقتضي كل عملية ينفّذونها ضدّه إلى تفريخ المزيد من الإرهابيين في كل مكان
يتدخلون فيه؛ فقبل إحتلال العراق لم يكن فيه وجود لتنظيم القاعدة و
كذلك كان الأمر في سوريا حيث ظهرت داعش بعد عامين على إنطلاق ثورتها؛ الإرهاب مثل
المرض الفيروسي لا ينفع معه العلاج و لكن يكفي لإتقاء شره جرعة تلقيح لمرة واحدة في
العمر؛ و على هذا فمحاربة الإرهاب تكون بتحصين المجتمعات من الدوافع و الأسباب التي
تدفع إليه و التي لا تفرّق عادة بين متعلّم و أمّي فالقهر و اليأس يعميان الأبصار.
و لكن هل كانت مثل هذه المسألة لتخفى على الولايات المتحدة و حلفائها؟ الجواب
البديهي لا فإذن هم يقصدون الحفاظ على عدوّهم الكرتوني بل يريدون أنّ يسبقهم إلى كل
مكان تقتضي مصالحهم التدخل و التواجد فيه ، و بكل وضوح نرى على كامل خريطة العالم
أنّ بوصلة تحرّك الراغبين بالإنضمام إلى داعش أو القاعدة بيد الغرب فيسمح
لهم بالدخول إلى سوريا و العراق و لا يسمح لهم بالدخول إلىفلسطين أو
إفريقية الوسطى أو ميانمار أو غيرها لتبقى الدول التي يُسمح بإشعال الحروب فيها بيد
أمريكا؛ فالقضية أكبر من الرغبة في القتال هناك مسائل التسليح و التمويل و ألف قصة
أخرى فمن أين لداعش بكل تلك الأسلحة و الذخيرة التي لا تنضب؟ في وقت تتعرض فيه
للقصف اليومي من قوات التحالف الدولي و هي لا تزال تتقدّم.