إما سلطة فلسطينية أو لا..!!
إما سلطة فلسطينية أو لا..!!
عرفات الحاج
تعالت في الفترة الأخيرة بعض الأصوات والنداءات من بعض الشخصيات الوطنية الفلسطينية و أصحاب الرأي، تدعو لحل السلطة كمدخل أساسي للخلاص من الأزمة الفلسطينية الحالية، وعودة الكل الفلسطيني لخندق المواجهة مع الاحتلال كمشروع تحرر وطني، مستندين في دعواتهم هذه لمبررات تحمل الكثير من المنطق، سواء لجهة طبيعة الدور اللاوطني الذي تلعبه السلطة منذ نشأتها وخصوصا في المجال الأمني، أو من حيث الاشتراطات التي ارتبطت بوجودها وأخطرها الاعتراف "بإسرائيل" والاشتراطات الأمنية وانعدام أي صلاحيات سيادية لهذه السلطة.
وهذه النداءات لم تكن وليدة اللحظة، فقد شهدت الساحة الفلسطينية والعربية أيضا تنازعا بين خيار التسوية مع "إسرائيل" والتعايش معها، وخيار آخر ينادي بمواصلة الصراع ضدها، وقد اتضحت معالم الاختلاف بين المنهجين بعد توقيع اتفاقية أوسلو وبدأ السلطة لممارسة مهامها، فبين من يرغب بمقاومة المحتل وبين من هو ملزم بتفاهمات أمنية تلزمه بقمع هذه المقاومة كشرط أساسي لاستمرار وجوده كفريق ومشروع سياسي مؤيد للتسوية وكسلطة على الأرض، ومع اتضاح إخفاق عملية التسوية في تحقيق مكتسبات فعلية للفلسطينيين و اندلاع انتفاضة الأقصى كان كل يوم يسجل رصيد سلبي للفريق السياسي الذي يحمل مشروع التسوية كمشروع سياسي له، واتضح أكثر الدور الذي يفترض بالسلطة أن تلعبه كوكيل امن للاحتلال، الأمر الذي عزز موقف المعارضين لوجودها وأصوات المطالبين بحلها.
ولكن الخلل في طبيعة هذه النداءات هو أنها تتعاطى مع السلطة كجسم مصاب بالخلل بذاته متجاهلة موطن الخلل الحقيقي ألا وهو النهج السياسي الذي أنتج هذه السلطة وراكم أخطاءها وتنازل عن الكثير من مكتسبات هذا الشعب، فالمشكلة ليست اتفاقية أوسلو فحسب بل تمسك فريق فلسطيني بخيار المفاوضات وعملية التسوية كخيار سياسي وحيد، والانحياز الدائم لإرضاء " الشريك الإسرائيلي" وراعي عملية التسوية الأمريكي وشركائه، بهدف الحفاظ على استمرارية وجود هذه السلطة، والحفاظ على وجوده، ودوما كانت الاستجابة لهذه الاشتراطات الخارجية على حساب المصلحة الوطنية وعلى حساب علاقة هذه السلطة وهذا الفريق السياسي بالجمهور الفلسطيني
الكارثي أيضا في هذا الوضع ان هذا الفريق لم يعد يرى أي أفق لاستمراره سياسيا إلا بمواصلة تعاونه الكامل مع الرؤى والرغبات الأمريكية، وفقد تماما أي فرصة لإبصار إمكانية المراهنة على الذات الفلسطينية.
فهذا الشعب مثله مثل كل شعوب الأرض يمتلك الكثير من مقومات الصمود وأدوات النضال للانعتاق من الاحتلال وكسر المشروع الصهيوني الذي أثبتت كل التجارب مدى هشاشته، فالمقاومة المسلحة بنظر هذا الفريق إما إرهاب حينا أو غير مجدية حينا، والمقاومة الشعبية والجماهيرية للاحتلال هي سلوك غير محبذ هدر الوقت فيه، والثبات والممانعة السياسية هي تعنت ورفض للوضع القائم من وجهة نظرهم، ومواجهة الحصار لا تكون إلا بالتنازلات السياسية، ومواجهة الاستيطان لا تتم إلا بالتوسل لراعي السلام الأمريكي أو حكومة الاحتلال، ورفع الحواجز لا سبيل له إلا الصفقات الأمنية.
والمخرج من هذه الأزمة لا يكون بمؤتمر صحفي يعلن فيه حل السلطة أو بقرار رئاسي تغلق بموجبه الوزارات أبوابها ويسرح الموظفين من عملهم، ولكن بمغادرة نهج أوسلو وثقافة أوسلو وعقلية أوسلو، والتمسك بالثوابت الفلسطينية واستخدام أدوات النضال المختلفة للحفاظ على هذه الثوابت.
حل " أزمة السلطة " يكون بإخراجها من دور الوكيل الأمني للاحتلال ووضعها مثل غيرها من الأدوات في خدمة الإنسان الفلسطيني والأجندة الفلسطينية، حتى لو لم يرضى هذا الدور الولايات المتحدة أو غيرها وأدى لانهيار السلطة، فإما ان تكون "وطنية" أو فلتذهب، فالمواطن الفلسطيني والمشروع التحرري الفلسطيني ليس بحاجة لسلطة تحمل الأجندة الأمريكية وتلبي الاحتياجات الصهيونية في الوقت الذي تلبس فيه قناعا وقفازا فلسطينيين.