فتوى الكلاّب .. والدولة الدينية

فتوى الكلاّب .. والدولة الدينية ؟!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يكذب بعض اليسار المتأمرك كما يتنفس ، ويُدلّس كما يأكل ويشرب ، ويُغالط كما ينام ويصحو ، ولا يجد في ذلك غضاضة أو أمراً خارقاً للعادة ، فضلاً عن الصدق والأخلاق والسمعة الطيبة .

لقد اختلق بعضهم كذبة حقيرة ، وصدقها ، ثم تلقفها الرفاق المعادون لأنفسهم والإسلام والعروبة وفلسطين ، وعلى إيقاع " فقه الاصطياد " صنعوا جنازة كبرى شبعوا فيها لطماً للخدود وشقاً للجيوب على " المصريين " الذين سيقتلهم الشعب الفلسطيني الجائع البائس بناء على فتوى شيخ فلسيطنى يُدعى " الكلّاب " أفتى – كما تقول الكذّبة – بقتل الجنود المصريين إذا اعترضوا سبيل الشعب الفلسطيني وهو يخترق الحدود الفلسطينية بحثاً عن الطعام والدواء والوقود ، بعد أن حاصرته برّاً وبحراً وجوّاً دولة الغزو النازي اليهودي والدول المحيطة والمجتمع الصليبي الاستعماري الدولي !

ومع أن الشيخ " الكلاّب " أذاع ونشر وخطب ، وقال : إن هذه الفتوى لم تصدر عنه ، وإنه لم يخطب بالمسجد الذي ذكر في القصة المختلفة منذ فترة طويلة ، وأنه لا يقرّ ولا يُفتى بالقتل ، وأنه يُحب مصر وشعبها ويعدّها الأم الكبرى للعرب والمسلمين ، إلا إن ذلك لم يشفع له لدى اليسار المتأمرك وأشباهه ممن ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقاً مأجورة فى نظام بوليسي فاشي فاشل ، يُحاول أن يُغطى على إخفاقاته ومشكلاته باصطناع معارك وهمية ، مع الطرف الأضعف ضمن الأطراف المجاورة ، وهو الطرف الفلسطيني (!) حيث أصرّت هذه الأبواق على موقفها في الكذب والتدليس والمغالطة ، والتأكيد على القصة المختلقة والزعم بصدقها ، والانطلاق من ذلك إلى مهاجمة منظمة المقاومة الإسلامية " حماس " ، وتصويرها بأنها معادية لشعبها وسبب مصائبه كلها ، وهى المانع الأساسي في الوصول إلى السلام مع القتلة اليهود وإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة أو المستحيلة . ولم يكتف هؤلاء بذلك ، بل وضعوا المسألة في إطار آخر هو الحديث عما يُسمى " الدولة الدينية " ، ومهاجمة الجماعات الإسلامية التي تسعى من وجهة نظرهم إلى إقامة دولة دينية باسم الله وتغتال باسم الله ، ويضربون على ذلك مثلاً بمصرع الرئيس السادات – رحمه الله – حيث اعتمدت الجماعات القاتلة (!) على فتوى تبيح دمه ، ولم يشر أولئك المدلّسون إلى طبيعة الظرف الذي جرى فيه الاغتيال وطبيعة المناخ المحرّض على العنف ، حيث كانت صفوة مصر في السجون والمعتقلات ، وتجاوز الجلادون كل الخطوط المحظورة ، إلى الشحن الهيستيرى ضد المعارضين ، مع التعذيب داخل البوابات السوداء والتشهير في الإعلام والصحافة ، واستغلال الأعداء لهذا المناخ في الإطاحة برأس الدولة لبث الفوضى وتخريب البلاد ونشر لغة الدم والعنف ..

الأبواق المأجورة تركز على الفتوى الدينية والدولة الدينية في اغتيال السادات ، وكأن الجناة الذين تحرّكهم الثارات والدوافع المختلفة ، يحتاجون إلى فتوى تجيز أو تبيح القتل .. وهل كان السادات نفسه ، وحسن توفيق ثم عبدا لناصر يحتاجون إلى فتاوى لاغتيال أمين عثمان ومحاولة اغتيال النحاس ؟

إن الموضوعية والإنصاف والعدل أبعد ما تكون عن أقلام أهل الهوى من اليسار المتأمرك وأشباهه ، لأن هدفهم الأساسي هو هجاء الإسلام ، وخدمة النظام البوليسي الفاشي الفاشل ( ماذا نسمى نظاماً يفشل في توفير الخبز لشعبه مع أن لديه أرضاً شاسعة ونهراً لا مثيل له في العالم ؟ ) والتغطية على المظالم التي يقع تحتها الشعب المصري البائس بسبب توحش الطبقة الحاكمة التي تملك السلطة والثروة ، وتفعل ما تشاء دون أن يردعها قانون ( فهي التي تصنع القانون ) ، أو تزجرها قوة شعبية ( فالشعب فقد تأثيره على السلطة بحكم عقود طويلة من القهر والقمع ! ) .

أليست عجيبة من العجائب أن يكون الرئيس الأمريكي الأسبق " جيمي كارتر " أكثر إنصافا لحماس والشعب الفلسطيني من اليسار المتأمرك وأشباهه في بلادنا ؟

لقد تحدث " كارتر " في مؤتمره الصحفي الذي عقده في القدس المحتلة صباح 21/4/2008م عن حماس وعن الفلسطينيين بإنسانية تزري بما تقوله أبواقنا المأجورة ، وبتخرصاتها الكاذبة عن شعبنا الفلسطيني ، مع انه – أي كارتر – لم يخافت بميله وهواه إلى جانب القتلة الغزاة اليهود في فلسطين .

لقد وصف " كارتر " الحصار اليهودي لغزة بأنه جريمة إنسانية ، وجلس إلى قادة حماس في رام الله ودمشق والقاهرة ، ولم يخجل من التحدث إليهم كما يخجل بعض المسئولين العرب ، وتقل إلى العالم أن الأطراف جميعاً لا تثق في رغبة اليهود في السلام أو إن اليهود لا يريدون السلام .

بيد أن الأبواق المأجورة في بلادنا ، تطلب من حماس والشعب الفلسطيني ، أن يستسلم للغزاة القتلة ويُسلّم بكل مطالبهم العدوانية ، ويلقى سلاحه ، ويركع تحت أقدام العدوّ كي يضمن مجرد الحصول على الطعام والدواء والوقود ! وإلا فإن الشعب الفلسطيني عميل لإيران ويسعى لإقامة إمارة إسلامية طالبانية في غزة ، ويأتمر بأوامر " الإخوان المسلمين " الظلاميين في مصر !

مشكلة هذه الأبواق المأجورة أنها لا تعبّر عن فكر أصيل بقدر ما تنطق باسم الحكومة ، لذا فهي لا تعيرا اهتماما يذكر لما يحدث للشعب الفلسطيني .. إنها لا تلوم الغزاة القتلة على " الهولوكوست " المستمر الذي يصنعونه في غزة بقتل المدنيين ، وهدم بيوتهم وقصفهم بالطائرات والدبّابات والمدفعية ، فضلاً عن الحصار الوحشي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ .

إن التطبيع المجاني الذي يقوم به بعض العرب مع الكيان الصهيوني الغاصب ، لم يلفت نظر اليسار المتأمرك وأشباهه مع أنه مكسب كبير هللت له الصحف اليهودية في فلسطين المحتلة التي أشادت بلقاء الإرهابية النازية " تسيبي ليفنى " مع قادة قطر ، والمصالحة مع قناة " الجزيرة " القطرية ، ومقابلة وزير خارجية عُمان ، وآخرين لم يُعلن عنهم ..

تقول " ها آرتس " في مقال افتتاحي  17/4/2008م : " زيارة ليفنى إلى قطر ولقاءاتها مع زعماء دول الخليج لم تكن الحدث الأول من نوعه ، ولكنه الآن فتح جسراً أوسع وأكثر علانية لهذه الدول .. دون استجداء يهودي !! " وتؤكد الصحيفة أن ما يُسمّى السلام مع دول الخليج سيكون حارّاً  !

لماذا لم تتكلم الأبواق المأجورة في بلادنا عن هذه الهدية المجانية في الوقت الذي يسيل فيه الدم الفلسطيني غزيراً ، وصوت الجوع الفلسطيني يصرخ في الأرجاء كافة ؟

إنني لا آمل في اليسار المتأمرك وأشباهه ، فهم يتحركون مع الريح أو البوصلة التي توجهها السلطة البوليسية الفاشية ، ولكنهم ثابتون على مبدأ واحد فقط ، وهو العداء الرخيص للإسلام واللعب بالورقة الطائفية ، ظنّاً منهم أن ذلك سيتيح لهم قيادة الفكر الوطني والقومي لتحقيق غاياتهم الأنانية الرخيصة .

أما فضيلة الشيخ الكلاّب ، فقد كان ضحية للأبواق المأجورة التي تلمع حذاء الدولة البوليسية الراهنة ، وتهاجم الدولة الدينية المزعومة؟