الرقص في رام الله والقصف في غزة

الرقص في رام الله والقصف في غزة

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

من المفارقات العجيبة في زمننا هذا أن تسمع وترى العجب العجاب ، ترى على شاشات التلفزة أطفالا يذبحون كل يوم في غزة هاشم ، وأبطالا  يغتالون في الضفة  ، ونساء يقتلن ، أو يبكين من قتل من ذويهن ، وتسمع آهات وأنات من بيوت دمرتها طائرات الاحتلال، فلم يبق منها إلا أطلال متناثرة خلفها الثبور والطغيان.

وفي الوقت نفسه تسمع وترى حفلات للرقص والغناء في الوطن نفسه بل عينه على هدير الطائرات وأزير الرصاص وصرخات الثكالى وانين الجياع والمرضى!!.

  ولا شك أننا أبناء الوطن الواحد  واللغة الواحدة لا يسعنا إلا أن نلعن الاحتلال والصهيونية واليهود وكل من كان سببا في هذه المحرقة النازية الجديدة، ولكن العجب العجاب أن ترى جزءا من  أبناء الوطن الواحد لا يكترثون لهذه المذابح والمجازر وكأن الذبح في الهنود الحمر قبل مئات السنين أو في بلاد الواق الواق التي لم نعثر عليها بعد.

ما تناقلته صحيفة الحياة صباح هذا اليوم 28/4/2008 تحت عنوان " انطلاق مهرجان رام الله للرقص المعاصر" لهو العجب العجاب ، فكيف يتسنى لأهلنا في رام الله أن يحيوا ليلتهم مع فرقة " ترفيك دي سايتل " الفرنسية على مسرح وسينما القصبة ضمن فعاليات مهرجان رام الله للرقص المعاصر " في الوقت الذي تدك فيه الطائرات الإسرائيلية ودباباتهم أهلنا في غزة وخان يونس وبيوت حانون ، في الوقت الذي تقوم الجرافات الإسرائيلية بجرف الزيتون  واللوز والسنديان وكل مقومات الحياة الطبيعية !!

هل هذا هو السلام المنشود ؟ هل هذا هو مشروع المواطن الفلسطيني المسالم الذي يقف صفا مع اليهود والأمريكيين والأوروبيين في مواجهة الإرهاب والتطرف ؟!!

إنه الفلسطيني المعدل سياسيا ليكون متوافقا مع تطلعات الوطن القومي اليهودي المنشود!!

 احذروا مخططات اليهود إنه يسعون بالتعاون مع الأمريكان وقوى الشر في العالم إلى اعتبار فلسطين وطننا قوميا لليهود وفي الوقت نفسه يسعون إلى إنشاء نسخة معدلة من العرب والمسلمين تتوافق مع متطلبات الدولة المنشودة، هذا الفلسطيني المعدل هو المقبول من إسرائيل وأعوانها إنه نسخة جديدة من سوبر فلسطيني لا يهمه إلا الأكل والرقص والنوم، ويكره المقاومة والقتال إنه مشروع "الأنعام بل أضل سبيلا"

 أصبح الأمر جد خطير  لا يمكن السكوت عنه ، إنها مؤمرات تعقد هنا وهناك في الفنادق والغرف المغلقة والسفارات من أجل دعم مشروع الإنسان الفلسطيني الجديد !! ، لقد أصبح بعض الناس لايبالون بما يجري حولهم من مآس ومؤامرات ونسوا ما يقوم به الاحتلال  من مجازر ومذابح صباح مساء ضد الشعب الفلسطيني وصاروا يقضون لياليهم بالرقص و الغناء  وفي النهار يتكلمون عن الواقعية  وحلمهم في الدولة الفلسطينية المنشودة الخالية من الإرهاب والتطرف !! .

ومن أجل تمرير مشروعهم يدعون أن برنامج المقاومة يتوافق مع برنامج المتطرفين اليهود وكلا البرنامجين منسجمان !! ونسوا  أن المتطرفين اليهود يتحكمون في السياسة الداخلية والخارجية للدولة العبرية ويفرضون شروطهم وأجنداتهم على أولمرت وغيره  في الوقت الذي يسعى بها المفاوضون الفلسطينيون إلى إجهاض أي مشروع مقاوم أو الاتفاق أو الحوار بحجة التراجع عن الانقلاب!!

 لقد  صرح أحد  كبار المسؤولين الصهاينة عقب تهافت الناس على برنامج" سوبر ستار "  : إن المسلمين ليسوا أعداءنا ، بل عدونا هو تعاليم الإسلام ، فها هم المسلمون يغنون ويرقصون ويدفعون أموالهم من أجل التصويت !!"

  لقد امتدحت وزارة الثقافة اليهودية في الكيان الصهيوني برنامج (سوبر ستار )واعتبرت على لسان وزيرها "جلعاد شالوم" أنه برنامج جيد يحفزنا على إمكانية العيش مع العرب! ونقلت عنه صحيفة (هآرتس) بتاريخ  21/8/2003م- امتداحه بشدة هذا البرنامج الذي اعتبر أنه من النوعية التي تقرِّب بين العرب والصهاينة.

وحفلت الصحف اليهودية الصادرة في نهاية أغسطس /آب/ الماضي بتغطية واسعة لبرنامج )سوبر ستار) في حين كانت الصفحات العلمية لهذه الصحف تتحدث عن التكنولوجيا الصهيونية وبيعها للعرب، والتطور في البرنامج النووي الصهيوني!

أما الصحفي "دايفيد سليفان"، من صحيفة (جيروزالم بوست)، كتب أيضًا بتاريخ 22/8/2003م بعدما لاحظ الضجة التي أحدثها هذا البرنامج في صفوف الشباب العربي يقول: "‏إن الواقع يقول إن العرب أو المسلمين الذين يؤمنون بعقيدة محو إسرائيل من الخريطة أصبحوا قلائل جدًّا, وإن برنامج ) سوبر ستار(  أعطانا الأمل لوجود جيل عربي مسلم متسامح للعيش مع دولة (إسرائيل) اليهودية!!

والتجربة تعاد اليوم في رام الله وربما غدا في الخليل ونابلس وجنين وأريحا إنه مشروع صهيوني بامتياز على عقلاء الأمة في رام الله وغيرها تبصير الشباب إلى هذه المخططات الجهنمية الهادفة إلى محو الهوية الثقافية الفلسطينية المشبعة بالحمية والدين والغيرة وإحلال ثقافة الرقص والخنوع والاستسلام .