من يشارك المتآمرين على قضية فلسطين
لا يمكن أن يحررها !
د. ماهر الجعبري-الخليل-فلسطين
هكذا كانت حروب الأنظمة العربية فكيف يمكن اليوم أن نثق بهذه الأنظمة وبقممها وبمبادراتها؟ وكيف تكون عواصمها قبلة الحج لقادة النضال ؟
هذا بالنسبة للحروب، أما القرارات الدولية فقد استهلها قرار التقسيم رقم 181 من هيئة الأمم في العام 1947 أي قبيل الاحتلال مباشرة، مما يؤكد أن ما يسمّى المجتمع الدولي كان دائما نحو تشريع الاحتلال لفلسطين حتى قبل أن يبدأ ! فكيف نثق به اليوم ونستصرخه ؟ ثم صدر القرار 242 عام 1967 في صياغة خبيثة جاء فيه الانسحاب من أراض بصيغة النكرة، لتظل حتى اليوم محل تفاوض وتفلّت من يهود ! فكيف يصبح ذلك القرار مرجعية الحلول عند بعض أبناء فلسطين ؟
وتبدأ مسيرة التطبيع مع المحتل رسميا من مصر بعد انتصارها في الحرب التحريكية، فتكافئ الدولة المهزومة اسرائيل بمبادرة سلام تتحول إلى اتفاقية ذل عام 1978 رعاها كارتر، ويتكرر مشهد الرد على هزيمة يهود بالدعوة للسلام من قبل الحكام، كما حصل بالرد على هزيمته في جنوب لبنان بعد حزيران عام 2006 بتفعيل مبادرة السلام العربية.
ولم يتمكن الحكام من اللحاق بمسيرة التطبيع والاعتراف بدولة يهود إلا بعد مرحلة طويلة من ترويض الشعوب. خادعت الأنظمة العربية خلالها شعوبها فترة من الزمن في مرحلة اللاءات الشهيرة بعد مؤتمر الخرطوم عام 1968: لا للاعتراف ... لا للتفاوض ... لا للصلح، إلا أن الأنظمة عادت وكشفت عن حقيقة تآمرها تدريجيا، وبدأ يتغيّر بل ينكشف الخطاب العربي الرسمي من تحرير القديم إلى المطالبة بالانسحاب من الاحتلال الجديد !
كان الحكام قد تخلّوا في قمة الرباط عام 1974 عن واجب تحريك جيوش الامة لتحرير فلسطين، وأعلنوا أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد: فأوصل ذلك إلى حال يتساءل فيها مفتى الأزهر: لماذا لا يرد الفلسطينيون جرافات يهود عن المسجد الأقصى بأجسامهم ؟ وكأن المسجد عقار من عقارات الفلسطينيين. وصفّق المساكين لهذا التخاذل على أنه انتصار للمنظمة وللفلسطينيين ! ونسي المتحدثون وتناسى الإعلام أن الذي يريد التحرير بالعمل المسلح لا يحتاج إلى تفويض، وأن الاعتراف بالتمثيل لا يحتاجه إلا المفاوض ! أما المجاهد فلا يحتاج إلا لسلاحه ! فكان ذلك القرار بداية المشوار لمسيرة التفاوض. ثم كانت قمة فاس في المغرب حيث أقرت فيها مبادرة الملك فهد عام اثنين وثمانين، وأعلن الزعماء تصريحاً لا تلميحاً حق (إسرائيل) بالوجود، فغرس ذلك الإعلان جذور الاعتراف العربي الرسمي. ولا بد هنا أن نلاحظ كيف تكرر مشهد التحول من اللاءات إلى قبول الاحتلال بعد مرحلة من الترويض، في حالة الحكام وفي حالة قادة النضال.
وإذ بهم يستنتجون أن كارتر حمامه ... ونسي الناس سيرة الاسلامبولي الذي قتل حاكم مصر لأنه سار مع كارتر! وبدأت تعلو نبرة الحديث عن بدائل عن مصطلح السلام المرفوض من قبل الأمة تتمثل في التهدئة والهدنة ودولة في حدود عام سبع وستين ! ... هكذا يتكرر مشهد الترويض!
وتسارع عقد المؤتمرات والاتفاقيات بعد هيمنة أمريكا العالمية في حرب الخليج الثانية عام 1990، فرتبّت لمؤتمر مدريد عام 1991 وفرضت مسارات الحل حسب الرؤية الأمريكية (أي حل الدولتين والحل على المسارات الأخرى مع الأنظمة العربية). ودخلت اوروبا على الخط وتمكنت من إبرام اتفاقية أوسلو عام 1993. ثم استعادت أمريكا أوراق اللعبة وعقدت اتفاقية أوسلو الثانية بعد أشهر (في4/5/1994) تلتها مباشرة بلقاء واشنطن (في 25/6/1994) تحت رعاية كلينتون بين الملك حسين ورابين، وتصريح واشنطن بانهاء حالة الحرب رسميا بين الدولتين. وصار عقد الاتفاقيات حديثا إعلاميا عاديا، تسرب حتى لبعض الإسلاميين، حتى وصل الحال بقادة حركة ترفع شعار الإسلام في تركيا أن يكونوا وسطاء لأجل السلام.
ثم صارت الحقائب الوزارية محل إغراء يسيل لها اللعاب ... وبدأ التزاحم على سلطة هزيلة صار الأتباع فيها وقودا للصراع على مكاسب قيادات تتنافس على عدد الوزراء في سلطة كانت مستنكرة قبل مرحلة الترويض، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا في أذهان أهل فلسطين: هل تقزمت القضية لتصبح قضية فصائل وشراكة ومحاصصة ؟ أم أنها لا زالت قضية شعب يرزخ تحت الاحتلال ومسؤولية أمة تمتد من أندونيسا إلى المغرب ؟
أما المخرج والحل الأوحد فهو الجهاد قطعا لطرد الاحتلال كاملا عن كل فلسطين ... نعم بكل وضوح وبشكل قاطع لن تتحرر فلسطين إلا بالجهاد، ولن نحصل من التفاوض مع يهود إلا الذل والهوان، سواء كان التفاوض مباشرا أو عن طريق وسيط، والذي يثق بعهودهم ومواثيقهم يخادع نفسه أو يخدع أتباعه.
وطريق الجهاد لا يمر عبر الانتخابات ولا يحتاج إلى تفويض ... ولا يكون باللجوء إلى أنظمة استسلمت ليهود ... وصارت تعتبر الجهاد إرهابا وتسخّر مخابراتها لحرب الإسلام ومكافحة المجاهدين ضمن الحرب العالمية على الإرهاب.
والجهاد أيضا لا يكون باستنصار أوروبا ولا بصداقة مع أمريكا فكلاهما شر مستطير على الأمة. وهم جميعا أصل الحرب على الإسلام الذي يشرّع الجهاد ... بل هم محل جهاد إخوان لنا في العراق وفي أفغانستان فكيف نثق أو نصادق من يقتلنا ؟
بكل بساطة المخرج هو بإعادة القضية إلى حضن الأمة والعمل مع التيار الذي يغلي فيها لتوحيدها، وهو يكتسح الشارع من أندونيسيا إلى المغرب ... وهو بعودة الروح الجهادية إلى جويش الأمة بعد أن تتحرر من قيود الأنظمة وتنطلق مكبرة إلى فلسطين تحت راية خليفة مجاهد يعقد لواء الحرب لأمير الجهاد فتجتث كيان يهود بلا تفاوض، بل وتكسر شوكة أمها أمريكا وولّادتها أوروبا.