حركتي حماس وفتح في ميزان المرحلة
– بقراءة هادئة –
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
[email protected]
اللهم أصلح بينهم وألف بين قلوبهم واجمعهم على الخير
ليس
من المعيب أن يغير المرء من أفكاره إذا كان التغيير مبنيا على رؤية فكرية شمولية ،
مثبتة بالأدلة والوقائع والأرقام ، وإلا رفضته المرحلة وعوامل التغيير ؛ لأن الحمار
وحده هو الذي لا يغير أفكاره .
أصبح واضحا للجميع ، أن القطبين المركزيين في الساحة الفلسطينية وهما حركتي فتح
وحماس ، لا يمكن لأحدهما أن يلغي الآخر بأي شكل من الأشكال ، وانه من الضروري بفعل
ضغط المرحلة أن يتنازل كل طرف عن مواقفه التي يتشبث بها ، وتمنعه من التوافق مع
الطرف الآخر ، فحركة فتح لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تفرد حركة حماس في
ساحة قطاع غزة ، كذلك الأمر نفسه لحركة حماس التي لن تقبل بتفرد فتح على ساحة الضفة
الغربية ، كما أنه من الصعب تمرير أي اتفاق بدون حركة حماس، ولا يمكن لفتح أن تلعب
بمفرها في الساحة الفلسطينية .
وحركتي فتح وحماس باتت كل منها ترزح تحت عبء المرحلة التي تُعتبر أقوى من حجمها
وقدراتها وإمكانياتها ، فحماس عاجزة عن القيام باستحقاقات ومتطلبات المرحلة ، كما
عجزت عن تنفيذ برامج الإصلاح والتغيير التي طالما نادت بها ، فهي في حقيقة الأمر
تفتقر إلى الخبرة والتجربة التي ملكتها فتح ، كما أنها تتعرض إلى حصار خانق نتج عنه
نقص حاد في كل شيء تقريبا ، جعل المواطن الفلسطيني يعيش مزيدا من الضغط والتوتر
والإرهاق الذي لا مثيل له من قبل ، بطالة وغلاء أسعار، وإغلاق مؤسسات ومصانع ، وخوف
وحرمان ، وقصف وتدمير، وأفق مظلم مسدود ......الخ .
حركة حماس بفكرها العقدي ، لا يسمح لها بأن تعيش على الهامش ، حتى لو سقط عشرات
الألوف من الشعب الفلسطيني ، ولا يسمح لها بترك حركة فتح تتفرد بالملعب الفلسطيني
حتى لو كلف ذلك اجتياحا إسرائيليا للقطاع بأكمله أو ضرب بنيتها التحتية ، كما لا
يمكنها أن تلعب وحيدة وبمعزل عن فتح على ساحات العمل الفلسطيني ، ولا يمكن لحركة
حماس من الناحية النظرية والعملية أن تلغي شرعية السلطة ولا اتفاقياتها ، فالطرفان
يعيشان عبء المرحلة وثقلها جنبا إلى جنب شاءوا أم أبوا .
حماس وفتح أمر واقع ، ورقم صعب ،وكل منهما له جذوره المتأصلة وتاريخه النضالي ،
والشعب الفلسطيني أصبح أكثر حساسية لكل حدث أو خطأ يرتكبه أي طرف منهما ، خاصة بعد
انزلاق الطرفين على ساحتي القطاع والضفة الغربية من مربع إلى مربع أخطر من سابقه ،
وتحولت العلاقة بين التنظيمين الكبيرين من علاقة الإخاء إلى علاقة الخصام ومن ثم
إلى علاقة العداء مع الأسف الشديد ، وصارت مظاهر التباين بينهما كبيرة واضحة
المعالم على كل الأصعدة سواء كانت البنية التنظيمية أو الرؤية السياسية أو الأداء
الميداني ، وكل منهما يشكل التحدي الرئيس والأخطر للآخر .
كل
تلك الأمور مجتمعة ، وأمور أخرى كثيرة ، دفعت الطرفين إلى الطلاق البائن بينونة
صغرى ، وأن عودة اللحمة والوفاق بينهما ربما يكون صعبا في الفترة الحالية ، لأن
الأمور تزداد تعقيدا وتشابكا وخطورة بينهما كل يوم ، من خلال ما نلمسه من أداء كلا
التنظيمين على ساحة عزة والضفة الغربية ، ولكننا لن نيأس مطلقا من أن يأتي يوم
التقارب بين الفريقين في الحد الأدنى على الأقل .
المرحلة على الطرفين مؤلمة بلا شك ، والطرفان عاجزان كما يبدو عن الحراك الذي يفضي
إلى التفاهم بينهما ، فالطرفان وقعا في الشرك الذي تم إعداده لهما بدقة ، وإسرائيل
تسعى جاهدة مع حليفتها التاريخية أمريكا لتكريس الأمر الواقع ، وتوسيع الهوة بين
قطبي الساحة الفلسطينية بهدف استمرار حالة التشرذم والانقسام ليظل الشعب الفلسطيني
عاجزا عن اتخاذ قراره ، وليحلو لإسرائيل أن تقول للعالم : إن الشعب الفلسطيني لا
يملك القيادة وأنه عاجز عنها .
وتحت سطوة المرحلة لا بد لقطبي العمل الفلسطيني أن يتفقا وإلا ألقت الرياح بسفنهما
على رمال الشواطئ النائية ، إن لم يتداركا الأمر ، ومن خلال القراءة الصحيحة ، من
الصعب المراهنة على هبة شعبية لصالح أي طرف ، هنا في غزة أو هناك في الضفة ، ومن
الصعب أيضا تطبيق أي سيناريو دموي آخر مهما كان شكله .
ومن
الخطأ الاستمرار على عزف مقولة أن المشروعين السياسيين المتناقضين لكلا التنظيمين
لا يمكن أن يلتقيا ، وأن طبيعة الصدام بينهما حتمية لا بد منها ؛ لأننا بذلك لا
يمكننا أن نحرر وطنا ولا مواطنا ، ولا نبني دولة ولا دويلة ولا حتى إبريقا من
الفخار.
تغليب المصلحة الوطنية العليا لشعبنا ، تكمن في التنازل والذي لا بد منه لكلا
الطرفين ، بهدف تحقيق الوفاق الوطني ، و من ثم السلم المجتمعي .
إنني أدعو إلى توقف الأقلام والتصريحات التي توسع هوة الخلاف والشقاق بين الطرفين ،
كما أدعو الطرفين إلى تدارك الأمر قبل فوات الأوان، متمنيا أن تكون هذه الدعوة ليست
صرخة في واد صحراء قاحلة ، فمن يطفئ نارنا إن لم نطفئها بأيدينا ، ومن يُقلع شوكنا
إن لم نقلعه بأظافرنا ؟.
اللهم أصلح بينهم وألّف بين قلوبهم واجمعهم على الخير.