رسالة إلى السياسيين العراقيين كافة ...
حسن الزيدي
بالتأكيد تعلمون أن المناصب على اختلاف أنواعها ودرجاتها بدون وجود شعب لا تعني شيئاً، وهذا من المسلمات، فلا رئيس بدون شعب، ولا رئيس وزراء، ولا حتى أمين عام حزب... فكيف بكم إذا أعفاكم الشعب جميعاً من مناصبكم وأعلن أمام العالم استغناءه عن خدماتكم، وأنه يرغب بالعيش من غير حكومة ولا سلطة سياسية؟.
هل تعلمون أنكم بتناحركم المستمر تسيرون بهذا الاتجاه؟. أما آن لهذه الجماهير المناضلة – كما تحبون تسميتها – أن تذوق طعم الاستقرار؟. إلى متى يظل العراقيون ينظرون إلى دول العالم – حتى دول الجوار الفقيرة - أنها عالم آخر؟.
كلكم تتحدثون عن امتلاك العراق مقومات الحضارة والتقدم كافة من (خبرات وتجارب، وموارد مادية، وموارد بشرية، وتأريخ حضاري، وتنوع ثقافي ، وموقع استراتيجي)، فمتى تستثمر هذه المقومات، أم أنها للعرض والتباهي فقط؟.
أسئلة كثيرة فمن الذي سيجيب عنها؟. بالتأكيد ستكون الإجابة إلقاء كل طرف اللوم على الأطراف الأخرى، وهكذا نبقى دائرين في الدوامة ذاتها إلى أن يعلن الشعب ثورته. فعلى السياسيين إذن أن يستبقوا الأحداث ويعلنوا ثورتهم الإصلاحية على أنفسكم.
قد تقولون إن هذا تنظير لا قيود عليه، وأن من يدخل في صلب الممارسة السياسية سيجد الأمور صعبة ومعقدة. نحن نقرّ بذلك بالتأكيد فالفعل غير القول، الا أننا لا نقر بتغلب تلك الصعوبات والتعقيدات عليكم، بل يفترض أن تتغلبوا أنتم على تلك الصعوبات، فإن استسلم السياسيون أمام وضع معقد وسلّموا به فأية سياسية تلك التي يمارسون!.
إن موضوع الاتفاق بين الكتل السياسية جميعها على شكل الحكومة وتقاسم المناصب أمر مطروح من غير جهة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم توفر النوايا الصادقة، فكثير من السياسيين الذين يتحدثون أمام وسائل الإعلام بلسان وطنيٍّ (مبين)، لا يستخدمون هذا اللسان عند جلسوهم مع بقية الفرقاء، بل يخرجون من حقائبهم اللسان الحقيقي الذي يؤذي القلوبَ سماعُه.
لذا يجب أن يتركز الحل في تصفية النوايا، وتحديد الهدف من العملية السياسية (بناء وطن كامل السيادة حر ديمقراطي)، فإن كان هذا هو الهدف فقد حلت المشكلة، إذ لن تشكل المناصب حينها جوهر الأمر، بل غايات توصل إلى الهدف الأسمى، أما إن كانت المناصب أهدافاً بحد ذاتها فلا وربِّك لا تُحلّ المشكلة حتى يحكمون طرفاً دولياً فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أيديهم مقدرة على رفض القرارات الدولية ويسلموا تسليماً. ومن المؤسف في هذا الأمر إن حدث – لا سمحَ الله- أن العملية السياسية تكون قد تراجعت إلى مستويات ضحلة، وتقهقرت السيادة الوطنية لأن في التدخل الدولي تأخيراً لخروج العراق من الوصاية الدولية.
إن الحل الواقعي الأمثل حسب رؤيتي الشخصية هو اتباع تقاليد الألعاب الرياضية في العملية السياسية فيما يخص نتائج الانتخابات، حيث تتمتع الألعاب الرياضية بمعايير واضحة ومحددة، إذ تمنح:
الفائز الأول: الميدالية الذهبية.
الفائز الثاني: الميدالية الفضية.
الفائز الثالث: الميدالية البرونزية.
ولا ننسى أن مبدأ التسقيط الفردي في الرياضة موجود، حيث أن الفائز رقم واحد هو المؤهل إلى النهائيات من كل مجموعة ، وهذا ما كنا نطمح إليه في تبوء الفائز الأول لمقاليد الحكومة، واصطفاف الآخرين في السلطة التشريعية لمراقبة الأداء ومحاسبة المقصرين، وهذا ما يعطي دفعاً للحكومة ، وقوة وتماسكاً، ولا سيما أن اختيار الوزراء قد مر عبر فلترة لا تسمح بمرور القتلة والمفسدين وذوي الولاءات الخارجية. هذه هي الصورة الوردية للديمقراطية، أما أن يدار العمل السياسي من الخارج، وأن يستخدم لاريجاني أو قاسم سليماني الريموت لتحريك عناصر العملية السياسية، فهذا أمر مرفوض وسيعود على البلاد بآلام جديدة بل هو انتحار لجميع القوى السياسية سواء التي ارتضت هذه الارتباط أو التي تقاعست عن النصح والدعم لتعزيز الانفصال عن هذه الولاءات.
وأذكر جميع السياسيين أن الأولمبياد القادمة هي نزال جديد وأن الذين لم يحصلوا على نتائج مرضية لهم فالدورات الانتخابية المتتابعة (كل أربع سنوات) تتيح لهم الوقت للعمل والتميز، وبالنتيجة التقدم في تسلسل الفائزين.