لماذا يرفض الإسرائيليون الاعتذار
خميس التوبي
كان لافتاً الفعل ورد الفعل من قبل وزيري خارجية تركيا والكيان الإسرائيلي أحمد داوود أوغلو المطالب باعتذار إسرائيلي عن جريمة العدوان على أسطول الحرية، وأفيجدور ليبرمان الرافض لتقديم الاعتذار، معتبراً أن أنقرة تتذرع بالكيان المحتل لتبرير ما وصفها بـ"تغيرات داخلية" في تركيا.
في الحقيقة بالنسبة إلى حجم الجريمة وطريقة تنفيذها المؤكدة على أن النية مبيتة عن سبق إصرار وترصد من أجل إحداث مجزرة بحق أولئك المتضامنين المدنيين على متن سفينة مرمرة، فإن الاعتذار وحده لا يكفي، وهو أقل شيء تطالب به تركيا لاسترداد حقوق أولئك الضحايا الأتراك الذين ذهبوا ضحية الإرهاب الإسرائيلي في المياه الدولية، وهو أيضاً أقل شيء لتهدئة الخواطر ومشاعر الغضب التي تتملك الشعب التركي الذي يطالب بمحاكمة عادلة للمجرمين الإسرائيليين حتى لا تذهب دماء إخوانهم سدى.
لكن الكيان الإسرائيلي لديه خيار آخر مغاير تماماً للمطلب الرسمي التركي وهو الرفض المطلق لتقديم أي اعتذار، ساعياً في ذلك إلى تحقيق عدة أمور من بينها:
أولاً: إن الاعتذار في حد ذاته يعني هزيمة دبلوماسية وسياسية تقودها تركيا ومن خلفها الدول العربية المطالبة بمحاكمة الجناة الإسرائيليين ورفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل، وأن الانتصار التركي سوف يعزز مكانة تركيا في المنطقة ويدفع الدول العربية إلى الالتفاف بشكل أكبر حول تركيا، ما قد يؤدي إلى تشكيل تحالف عربي - تركي مستقبلاً، خصوصاً أن الكيان الإسرائيلي يدرك تماماً أن وجود قوة إقليمية يلتف حولها العرب سيقوي موقفهم وسيوحدهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فهو لم يصدق نفسه أنه إلى الآن نجح في جعل العرب أشتاتاً ونجح في إبعادهم عن إيران القوة الإقليمية الأخرى وتخريب العلاقة بينهما.
صحيح أن تركيا تربطها بالكيان الإسرائيلي اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية، وتسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، لكن عندما تجد أنقرة البدائل التي تغنيها عن مواصلة أحلامها فإن كل ذلك قابل للتغيير.
ثانياً: إن مجرد الاعتذار يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الكيان الإسرائيلي قد اعترف ضمناً بأنه مجرم، وأنه قد خرق القانون الدولي بارتكابه الجريمة في المياه الدولية، وبالتالي فإن ذلك يناقض ما ساقه من ترهات وأكاذيب وتلفيقات لتبرير الجريمة، ما يجعل موقفه أكثر حرجاً أمام الرأي العام العالمي.
ثالثاً: الاعتذار فيه تسويغ لقدوم سفن أخرى لكسر الحصار الظالم عن قطاع غزة، وفيه إضعاف لموقف الكيان الإسرائيلي من ضرورة بقاء الحصار، فهو يرى في الحصار خطّاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ولذلك فالإسرائيليون قبلوا على مضض دخول بعض السلع غير الأساسية في إطار ما يعرف بـ"تخفيف" الحصار في محاولة منهم لامتصاص موجة الغضب وحدة المطالب برفع الحصار عن غزة، أي بمعنى آخر هو علاج موضعي ووقتي لا أكثر، سرعان ما يعود الوضع إلى سابق عهده من حصار ظالم ومرهق بمجرد أن تعود مياه العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى مجاريها.
وثمة حديث عن أن "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" تستعد لتسيير "أسطول الحرية 2" وأنه يتم تجهيزه للتوجه إلى غزة حاملاً مساعدات إنسانية، وأنه يشهد إقبالاً كبيراً ويضم 7 سفن أوروبية مع احتمال مشاركة نحو 9 آلاف شخص، وأكدت الحملة أن الأسطول سيحمل "مفاجآت" للجانب الإسرائيلي.
رابعاً: عدم الاعتذار فضلاً عن عدم قبول الإسرائيليين بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة العدوان على أسطول الحرية؛ أي تجريد الأتراك من أي حق، إنما يريد منه الكيان الإسرائيلي هز ثقة الشارع التركي في حكومته التي يقودها حزب العدالة والتنمية، يترافق ذلك مع ضربات يقودها حزب العمال الكردستاني المتمرد، وهو ما يؤكد الشكوك أن هذا الحزب المتمرد يتلقى الدعم من الكيان الإسرائيلي وأن التغلغل الصهيوني في شمال العراق وحتى الحدود الإيرانية - التركية هو موجود بالفعل، حيث من الملاحظ أنه بمجرد أن تحمى نبرة المواجهة بين تركيا والكيان الإسرائيلي يتم الإعلان عن هجوم للمتمردين الأكراد على موقع عسكري تركي أو مدني وسقوط عدد من الجنود والمدنيين بين قتيل وجريح، فعلى سبيل المثال تزامن الاعتداء على أسطول الحرية مع اعتداء كردي على موقع للجيش التركي راح ضحيته ستة جنود أتراك، وإثر التهديد التركي بقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي تم الإعلان (الليلة قبل الماضية) عن مقتل ثلاثة جنود في مواجهات بين الجيش التركي ومتمردين أكراد جنوب شرق تركيا. بمعنى آخر أن الإسرائيليين ومن ورائهم الأميركيون يرون في الدعم الخفي لحزب العمال ومكافحته في العلن ضالتهم لإبقاء تركيا تحت العباءة الإسرائيلية - الأميركية.
صحيفة الوطن العمانية