عبد الحليم قنديل ... حالة متعدية

د.محمد جمال حشمت

[email protected]

لاشك في أن أول من رفع سقف النقد لمؤسسة الرئاسة كان الدكتور عبد الحليم قنديل في العربي الناصري في الوقت الذي مازال فيه البعض يخشى من ذكر اسمها حتى الآن ! وهو في ذلك سابق لأقرانه الذين تحسبوا الخطى عند الحديث عن الرئيس مبارك بصفته موظفا عاما لدى الشعب المصري أو هكذا يجب أن يكون !

وقد وصلت قناعة عبد الحليم قنديل بهذا المعنى مبكرا فتعدى المناخ العام للصحافة وقدرة الصحفيين على الوصول لهذا القدر من الجراءة في تناول شئون الرئاسة  ! ولعلى أذكر هنا قول أحد كبار رجالات الحرس القديم لنا في مجلس الشعب (سابقا) في أول الفصل التشريعي الثامن 2000م الذي شرفت فيه بنيابة الشعب المصري العظيم - وكان ناصحا أمينا - " أبعدوا عن الرئيس وقولوا اللي انتو عايزينه في اللي تحتية !!!" تلك سياسة الحفاظ على الرمز والجدار الذي يستترون تحته مصدرا لنفوذهم وسلطانهم ويبدوا أنني شخصيا لم أعمل بالنصيحة بل في أوائل الجلسات العامة عاتبت الحكومة على تسترها بالرئيس في كل تقاريرها بناءا على خطة الرئيس وتعليمات الرئيس وتوجهات الرئيس مما يجعل مراقبتنا للحكومة في صدام مع شخصه الذي حذرونا من قبل من التعرض له !!! وهنا قام الأستاذ كمال الشاذلي – شفاه الله- حامى حمى النظام وقتها مبررا ذلك بأن الرئيس هو المسئول التنفيذي المباشر عن السلطة التنفيذية ! أقول ذلك لأصف إحقاقا للحق أن قنديل كان أول من نقد بصوت عال مؤسسة الرئاسة العائلية !!  ولعل من ثمار هذا النهج الذي انتشر بعد ذلك ما جعلني أوضح دور مؤسسة الرئاسة فيما حدث من تزوير فاضح في انتخابات دائرة دمنهور وزاوية غزال تحت إشراف قاضى اسمه أحمد عبد الستار نصار وكيف تلقى مكالمة غيرت النتيجة من فشل ذريع فاضح لموظف قديم في مؤسسة الرئاسة إلى نجاح ومن أول مرة بفضل الضغط الرئاسي على القاضي نصار !  وشهدت بذلك في محكمة النقض وكتبتها في مقالة صحفية نشرت في الدستور! وبعد أن ورطته ولوثته أنقذته بالتعيين في الشورى استكمالا لمقعد خلى بوفاة صاحبه  فقبله سريعا كما قبل المقعد الملوث بالتزوير بل وتخلى عنه في ثواني بالاستقالة من مجلس الشعب بعد أن مهد لنفسه في الانتخابات القادمة بقوله لطلاب الأزهر أن التزوير ضرورة وطنية !! وهى أيضا ظاهرة (المثقف المزور البليد) أظن أنها تحتاج مفكرين لتحليلها في مقابل ظاهرة قنديل ( المثقف المتطور العنيد) !  وفى حفل توقيع كتابيه "نهاية إسرائيل" و" الرئيس البديل" في نقابة الصحفيين الخميس الأول من يوليو 2010 لم تتح الفرصة لضيوف الحفل وهم رموز المجتمع المصري في السياسة والثقافة والأدب والصحافة أن يقدموا ما عندهم ليس مدحا في شخص عبد الحليم قنديل بل تحليلا لظاهرة قنديل وقفزه فوق الحواجز وتعديه للخطوط الحمراء وقدرته على سك مصطلحات فريدة اعتبره خلالها رئيسا لمصلحة سك التعبيرات التي تثير استغرابنا وشغفنا عند سماعها لأول مرة !

نحن في زمن تضاءلت فيه مساحة الحريات في مصر إلى حد أصبحت كما يرددها كثير من الشباب الآن عندما يسأل عن مساحة الحرية في مصر فيقال له – بكل الصدق- هي حاصل ضرب عرض قفا المواطن في طول كف المخبر !!!!! لذا فحرية الكلمة التي ينتزعها أي كاتب حر هي مكسب وحافز لاستمرار المقاومة ضد الفساد والاستبداد وحصد نجاحات مهما كان حجمها  !

وأذكر هنا أنني كنت قد اقترحت في أحد جلسات ائتلاف من أجل التغيير في مقر حزب الكرامة منذ شهور فكرة حكومة الظل لمتابعة أعمال الحكومة وتقييمها وفضح الفساد فيها بشكل أكثر تخصصية تتكون من مجموع قوى المعارضة الشريفة في مصر وهو ما أراه متوافقا مع فكرة الدكتور قنديل والتي تتزامن عنده لعمل برلمان موازى يرشح رئيس بديل نخوض به انتخابات موازية وبغض النظر عن الأفكار المطروحة وهى على كل حال تحليق يجب أن تستفيد منه حركة المعارضة المصرية على مختلف أطيافها ! لكن يبدو أن الاختلاف الناشئ والمستمر بين صفوف المعارضة تجعل تنفيذ بل مناقشة مثل هذه التحليقات أمرا صعبا ! إن زيادة نبرة الشك وارتفاع وتيرة التخوين في الصف الواحد كفيلة بتمزيقه وبعثرة جهوده فما بالكم بصفوف مازالت تسعى للتقارب والائتلاف !!

يقول الأستاذ البنا رحمه الله : " الناس بجهلهم في أكواخ من الجهالة، فلا تهدموا عليهم أكواخهم قبل أن تبنوا لهم قصورا من المعرفة ، فيهدموا أكواخهم ويأتون إلى قصوركم "   إذن تلك مهمة العلماء والمثقفين البناء لا الهدم ، الترغيب لا الترهيب ، العطاء  لا الأنانية  ، دوام الثقة لا التخوين الدائم !

تحية للصديق الدكتور عبد الحليم قنديل وشكرا لدعوته الكريمة ودعاء من القلب أن يمنحنا القدرة على البناء والعطاء وترغيب الأمة وتحفيزها على البذل والتضحية حتى يمن الله علينا بالحرية بأيدينا لا بأيدي غيرنا.