هذا هو العراق الجديد!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
كما قيل شر البلية ما يضحك. ربما الفلم الذي بثته قناة آفاق لصاحبها نوري المالكي جاء ليؤكد ـ لمن ما زال الشك ينتابه ـ بأن الحكومة الحالية هي فعلا حكومة آل البيت رغم فسادها وعفونتها. يظهر في الفلم الذي تناقلته المواقع الألكترونية وزير التعليم العالي والعالم النووي حسين الشهرستاني يقرأ المقتل الحسيني، وعلى الحانه الشجية يقوم منتخب آل البيت الحكومي برئاسة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي ورموز حزبه المشبوه بمراسيم اللطم على الحسين الذي ألحقوا به كل خطايا البشرية كأنه لم يكفيهم موته مظلوما.
كالعادة دافع أتباع آل البيت عن هذه الممارسة غير الإسلامية، والتي تدخل في مجال البدع دفاعا مستميتا لأسباب طائفية فقط. ولأنهم لا يمتلكون الحجة الدينية على صحتها، لذا إستعانوا بالحجة الديمقراطية، واقحموا الحالة في خانة حرية المعتقد حتف أنفها! الحقيقة ان الإنسان العادي حر في تصرفه وممارسة الشعائر التي يؤمن بها طالما هي لا تتعارض مع القانون، وليس فيها مضرة ولو قليلة لبقية شرائح المجتمع، الوطن ليس حكرا على فئة محددة، ليس للوقف الشيعي أو الوقف السني، الوطن لكل العراقيين وبكل أطيافهم. كل إنسان حر في معتقده، وهذه الحرية أقرتها شريعة السماء قبل أن تقرها شريعة الأرض. فقد جاء في سورة الكهف/29 ((قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)).وفي سورة يونس/99 (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)). وفي سورة البقرة/256(( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)). وفي سورة النمل/81 (( وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)). هذا هو موقف الدين من بقية الأديان، ناهيك مع معتنقي الدين الواحد، وهو نص واضح وصريح يلجم أي قول معارض.
بغض النظر عن مدى صحة هذه الممارسات، ولكن ممارستها من قبل مسؤول يتبوأ منصبا كبيرا في الدولة كنائب رئيس جمهورية أو وزير، يحتاج إلى وقفة بل إلى وقفات طويلة وتفكير عميق. المسؤول الحقيقي لا يعتبر المنصب تشريف بل هو تكليف، وكم من عديمي الشرف تبوأوا مناصبا عليا سيما في العراق الجديد. المسؤول الحقيقي هو المثل الأعلى الذي يُقتدى به جميع المواطنون وليس فئة واحدة من دينه أومذهبه أو قوميته او عشيرته.
إذا كان منصبه كوزير خاص لطائفته لا غيرها فليفعل ما يشاء! ولكن عندما يكون نائبا لرئيس جمهورية العراق أو وزيرا، فهذا يعني إنه يمثل كل العراقيين وليس شريحة واحدة منه، وهذا ما أقسم عليه عند تبوأ مركزه الوظيفي. ويكون بموقفه الطائفي المنحرف، قد حنث باليمين الدستوري الذي أقسم به أمام البرلمان على أن يخدم الوطن والشعب العراقي كله. فهو مسؤول أمام الله أولا، وأمام شعبه ثانيا.
وإذا كان المسؤول من هواة اللطم والتطبير، ولا يقدر أن يكبح جماح شهوته العقائدية حبا أو مرضا أو تزلفا، فلا بأس عليه، جسده وهو حر فيما يفعل به! يعذبه، يرفق به، يبيعه، هذا شأنه! ولكن على أقل تقدير بعيدا عن أعين الرقباء. أما أن يعلن موقفه على شاشات التلفاز لأغراض إعلامية بخسة فالمسألة تدخل في مجال التجارة وليس المحبة. ولا يخفي على احد أن الحسين أمسى علامة تجارية رابحة في سوق الدجل والرياء.
بلا شك إن نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي ذو صبغة طائفية حادة، وله تأريخ حافل بالمواقف الطائفية البغيضة التي أدت إلى ضياع الوطن وثرواته وأرواح مئات الألوف. وآخر تصريح له في مدينة كربلاء قال فيه "ان الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد فهم موجودون الان والحسين مازال يستهدف من هؤلاء الطغاة، وانصار يزيد وانصار الحسين وعلى طول الخط يصطدمون حاليا في مواجهة شرسة عنيدة وهذا يعطي رؤية بأن الجريمة التي ارتكبت بحق الحسين لم تنته وانما لازالت فصولها هي التي نعيشها اليوم من قبل الارهابيين والطائفيين والحاقدين على الاسلام وعلى أهل البيت". إبليس هو إبليس إينما كان وحل! وفي الوقت الذي يدعي إلتزامه بنهج الحسين يجعلنا هذا أمام إحتمالين أحدهما أمر من الآخر، أما إن نهج الحسين كان مبنيا على الفساد، وسار المالكي وجوقه على أثره بإمانة. أو إن منهج الحسين مبنيا على الصلاح، لكن حكومة المالكي وخلفه إنحرفوا عن طريقه وإرتصفوا مع أعدائه، وهذا يعني إنهم لا يحق له أن يمثلونه. ورحم الله إمرءا قدم لنا إحتمالا آخرا.
لسنا بصدد مناقشة مدى صحة اللطم والتطبير وغيرها من الأمور السادية التي تجري في عاشوراء، لأن الحجج على بطلانها موجودة في أحاديث الأئمة أنفسهم، في حال عدم إعتراف البعض بالقرآن والسنة النبوية الشريفة. ولا أحد يجهل إن هذه المراسم دخيلة على الإسلام وكلنا يعرف مصدرها ومتى جاءت ومن أتى بها ولماذا؟ رغم مخالفتها للقرآن والسنة النبوية.
ولكن نسأل سؤالا منطقيا:
طالما ان اللطامين هم من أتباع الولي الفقية في إيران، وكلهم إصرار على المسير وفق نهجه المقزز، ولا يحيدوا عنه قيد أنملة. حسنا! لماذا لم نشاهد في دولتهم الأم إيران، ممارسة أحمدي نجاد وروحاني وجنتي وجهنمي والسيستاني وغيرهم من الآيات شعائر اللطم في عاشوراء شأنهم شأن بقية العباد؟
إن كانت هذه المراسم صحيحة ولا تخالف الشرع فإن إمتناعهم عنهم يحرمهم من الأجر العظيم ويجعلوهم في موقف الريب عند الأتباع! عليهم ممارستها إحتراما لمن يقتدي بهم ويقلدهم.
وأن كانت هذه المراسم خاطئة وتتعارض مع الدين، فلماذا المسير وراء الخطأ؟ ومن الذي يتحمل ذنب إنحراف الجهلة والسذج لها؟
الأمر الذي يثير الأسف أن يكون قاريء المأتم الحسيني عالما نوويا ووزيرا لأكبر صرح علمي في العراق، إنه وزير التعليم العالي وتحت أمرته الآلاف من الدرجات العلمية العالية، فهل يليق به هذا الوضع الذي لا يفرقه عن باسم الكربلائي وبقية القراء ممن بعضهم لا يحسن القراءة والكتابة؟
لا نقول أين العلم من ذلك، ولكن نقول أين الحياء؟ صدق فولتير بقوله" من أصعب الأشياء ان تحرر السذج من الأغلال التي يبجلونها".
أي دولة هذه التي يقرأ فيها وزير التعليم العالي المأتم الحسيني، ونائب رئيس الجمهورية يلطم على إيقاعه!
هل هذه الديمقراطية التي وصلها العراق؟
في برنامج تلفزيزني أمريكي نقل مقدم البرنامج لقطات من اللطم والتطبير والضرب بالزناجير في العراق الجديد! وقال متهكما هذا هو هدف العراقيين من تحرير بلادهم، اللطم وليس الديمقراطية والحرية. وقد صح رأيه رغم أن بلاده هي المسؤولة عن عودة ودعم هذه المظاهر الشاذة، وهي التي نصبت هؤلاء الشراذم زعماءا على العراق.
كان مشايخ العراق، يقولون: عجائب بغداد ثلاث: إشارات الشبلى، ونُكت المرتعش، وحكايات جعفر الخلدى، ونضيف لهم العجيبة الرابعة، ألاعيب المالكي.