الإبادة .. والمقاومة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يصرّ اليهود النازيون الغزاة في فلسطين المحتلة على إبادة الشعب الفلسطيني الأسير ، تحت سمع العالم وبصره ، وإذا قلنا العالم ، فهو العالم الصليبي الاستعماري الهمجي الذي يملك القوة الساحقة والأخلاق المنحطة والخداع الرخيص . لذا فإنه لن يستجيب لنداء الضمير الإنساني ، ولا القانون الدولي ، ولا الأخلاق التي تواضع عليها البشر .

ومنذ جرت الانتخابات التشريعية في الضفة والقطاع ، تحت سلطة الحكم الذاتي المحدود ؛ وفازت فيها بالأغلبية حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) التي تؤمن بالإسلام عقيدة وتشريعاً ، وتصوراً وسلوكاً ، فإن العالم الاستعماري الصليبي الهمجي ، يرفض ذلك علناً ، ويتآمر على " حماس " و الشعب الفلسطيني كله ، بالمال والسلاح وبعض الفلسطينيين الذين فقدوا الضمير ، وبعض العرب الذين تواطأوا لمصالح خاصة ، وقد بدأ فرض الحصار الشامل على قطاع غزة ، وتجويع الشعب الفلسطيني فيها ، لدرجة دفعت مئات الألوف إلى العبور نحو مصر بحثاً عن الطعام والدواء والوقود والاحتياجات اليومية .. ومع ما قد يحدث في مثل هذه الحالات من بعض التجاوزات ، فقد سنّ بعض المسئولين ، ومعهم بعض كتاب لاظوغلي واليسار المتأمرك ، أسنانهم لكسر " رجل " الفلسطينيين ، وردعهم ، وتهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ، دون أن يضعوا نظاماً دائماً يحقق مقولة رئيس الدولة : إنه لن يسمح بتجويع الشعب الفلسطيني . وكأن كلام الرئيس في واد ، وسلوك الموظفين المسئولين وكتاب لا ظوغلي في وادٍ آخر ! ولا أدرى ما الذي يمنع من فتح المعبر الحدودي في رفح لإدخال المواد التموينية والمعونات وتحريك العالقين على الجانبين ، ووضع خطة دائمة للمرور من القطاع وإليه ، ليقضى الفلسطينيون والمصريون مصالحهم بالعمل أو التجارة أو العلاج أو غير ذلك .

من المنطقي ، بعد أن أغلقت السلطة في رام الله ، والغزاة اليهود ، والأطراف الأجنبية ، معابر القطاع التي كانوا يديرونها ، وأحكمت الحصار على الشعب البائس ألا يعودوا إليه، وألا يتحكموا فيه من جديد ، وأن تكون المعابر مسئولية كاملة بين مصر وأهل القطاع ، سواء كانوا من حماس أو الجهاد أو بقية المنظمات معاً ، فقد أثبت السلوك الانتهازي الرخيص للعدو النازي اليهودي ، أنه بلا خلق ولا ضمير ولا قانون ، وأن الذي يعنيه هو تأمين احتلاله لفلسطين دون أن يدفع ثمن هذا الاحتلال ، أو يتحملّ مسئولياته ..

إن حماس  تمثل إرادة 75 % من الشعب الفلسطيني على الأقل ، كما أوضحت نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006م وليس من مصلحة مصر والعرب ، معاداة حماس ، مجاراة لإرادة العدوّ النازي اليهودي ، أو العدوّ الصليبي الأمريكي الهمجي ، فهذا العدو وذاك ، لا يريدان بمصر أو العرب أي خير ، وهما من أشد أعداء الدين والعرب والمسلمين ، ومن أخبث اللصوص الذين يسرقون التاريخ والجغرافيا والكرامة الوطنية والعزة القومية .

ومن المعيب ، أن تسلّط الحكومة المصرية نفراً من كتابها " لشيطنة " حماس ، وتصويرها في أحط الصور الوطنية والإنسانية . فحماس أولاً وآخراً – ومعها بقية أبناء فلسطين – جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية ، وهم حراس ما تبقى من الأرض والمقدسات ، وهم الذين يُضحون بأرواحهم وأموالهم في سبيل الوطن السليب ، وكان يمكنهم أن يكونوا في وضع مريح ، لو سلموا للعدوّ بما يريد ، وفرطوا في حق فلسطين والعرب والمسلمين .. فمن يفرط – كما يعلم كتاب السلطة – يتحول إلى مليونير  ، ويملك الفنادق والمشروعات التجارية والترفيهية ، ويدخن السيجار الكوبي الفاخر ( وثمنه معروف !) ، ويرتدى أفخر الثياب وأغلى الأحذية التي يصل بعضها في ثمنه إلى أكثر من عشرين ألف يورو للحذاء الواحد .. ولكن قادة حماس يعيشون على الكفاف ، كما يعلم أعداؤهم قبل أصدقائهم ، وإن كان معهم مال أنفقوه على السلاح والجهاد .. ويخطئ من يظن أن الغزاة النازيين اليهود يمكن أن يسلموا بقيام دولة فلسطينية أو إعادة فلسطيني واحد ، أو إخلاء مستوطنة أو إزاحة حاجز ، إلا تحت القوة ، لأنهم ببساطة لا يؤمنون إلا بالقوة .. ولا شيء غير القوة

ومن المخجل أن يأتي غلام من كتاب لاظوغلي ليصف حماس بالانحراف وأنها تضر بالمصلحة المصرية والفلسطينية ، وتخدم المصالح الصهيونية الصليبية ، وتمنع التقدم في رفع كل صور المعاناة عن الشعب الفلسطيني نفسه ، وأنها قسّمت الوطن المحتل بقوة مليشياتها المسلحة (!) وتقويض ركائز السلطة ودعائمها ، ودخولها محاور إقليمية وتحالفات تخدم مصالح ذهبية .. إلى غير ذلك من أوصاف رخيصة لا تمثل الحقيقة بقدر ما تنطبق على الذين خانوا القضية ، ويتقابلون مع العدوّ بالأحضان والقبلات ، ويستمرون في مفاوضات عبثية ، بينما قوات القتلة النازيين اليهود تسحق أهل الضفة ، وتقصف أهل القطاع .. من أجل أن يسلّموا سلاحهم ، وينتظروا بعدئذ الترحيل أو التهجير ( الترانسفير )!

إن الذين قسّموا الوطن المحتل أو ما بقى ، هم الذين خانوا أقرب رؤسائهم وقادتهم ، وقد نشرت الأهرام الحكومية في أول إبريل 2008م نقلاً عن موقع ( فلسطين الآن ) الإليكتروني نقلاً عن وثائق وصفها بأنها رسمية وسرية للغاية أن جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة كان يقوم بالتجسس على الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل استيلاء حركة حماس على السلطة في القطاع شهر يونيو الماضي . وأضاف الموقع أن الجهاز كان يقوم بعمليات تنصت من خلال زرع أجهزة إليكترونية صغيرة في أماكن دقيقة يستخدمها الرئيس الفلسطيني في مكاتبه وغرفه الخاصة ، وأشار الموقع الإليكتروني إلى أن عباس نتيجة لذلك خضع لعمليات ابتزاز تتعلق بتعيين قيادات أمنية معينة .

إلى هذا الحدّ وصلت خسّة الخونة الذين استسلموا للغزاة ، وتصوّروا أنه يمكنهم أن يقيموا دولة على أشلاء ممزقة في الضفة والقطاع ( كانتونات ) ، نظير التضحية بالقدس واللاجئين وأشياء أخرى .

إن الواجب يفرض على الأمة الإسلامية كلها مساعدة المجاهدين في فلسطين جميعا ، بما فيهم حماس وعدم تعريضهم للجوع أو الحاجة ، بل ومساعدتهم بالمال والسلاح ، حتى يؤلموا العدوّ الذي يتسلى بقتلهم بالطائرات والدبابات والمدافع ، ويجرف أراضيهم وزراعاتهم ويدمر بيوتهم ومصانعهم ، دون أن يردعه سلاح فعّال ، أو نظام دولي مؤثر ..

المطالبة أن تستسلم " حماس " وغيرها ، دون مقابل اللهم إلا العبودية الدائمة للقتلة النازيين اليهود الغزاة ، هو تفكير أخرق ، لا يضع في حسبانه ذرّة من عقل أو ضمير ، والواجب يفرض مساندة المقاومة الفلسطينية ، وحلّ السلطة التي صنعتها أوسلو ، وتوحيد الفصائل المقاتلة كافة لتواصل جهادها تحت قيادة عسكرية واحدة ، على أن يتولى تسيير أمور الناس من يراه الناس مؤهلاً لذلك من غير رجال المقاومة ، وتقوم الدولة العربية الأم بالتفاوض مع القتلة على أساس قرارات الأمم المتحدة التي لا لبس فيها ولا غموض .. ويوم يسلم العدوّ بالحقوق الفلسطينية ، يمكن أن يعمّ السلام ..