قمة الأزمات وأزمة القمة

د. ياسر سعد

[email protected]

فيما تتوجه الأنظار للعاصمة السورية لمتابعة واحدة من أكثر مؤتمرات القمم العربية إثارة للجدل والتي شهدت أيضا تمثيلا غير مسبوق من جهة تدنيه, يخشى أن يكون في انعقاد المؤتمر والملابسات المحيطة به, تعميق للخلافات العربية-العربية والانتقال بها إلى القطيعة وتعزيز المحاور السياسية في العالم العربي والتي لن يجني ذلك العالم من خلافاتها إلا مزيدا من التراجع والانكفاء والرضا بأن تكون ساحاته ميدان صراع للآخرين, ومقدراته أهداف تنافسية لهم.

لعل أحداث محرقة غزة والتي جاءت بعد زيارة بوش للمنطقة والاحتفاء الكبير به أحرجت العديد من  الدول العربية والتي لزمت الصمت في تلك الأيام الدامية مما أضطرها لقبول دعوة دمشق على مضض عكسه التمثيل المتدني في المؤتمر. التمهيد لتأجيل المؤتمر كان ضروريا برأي دول عربية محورية رأت في الموقف السوري من أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان والتناغم بين طهران ودمشق في كثير من الملفات مسائل تجعل من عقد المؤتمر في دمشق أمرا غير ملائم. من هنا جاء قرار مجلس الوزراء اللبناني بعدم حضور القمة العربية ليتناغم مع تلك المواقف وخصوصا أن حجة لبنان تعد معقولة إذ ليس في البلد رئيسا ليمثله في القمة.

الموقف اللبناني يعيد للأذهان المقاطعة السورية لمؤتمر القمة في بغداد في مايو 1990 بعد توترات وتجاذبات حادة في العلاقات العربية سبقت مرحلة احتلال الكويت ودخول العالم العربي مرحلة صعبة من الحروب والخلافات والدمار واستنزاف المقدرات والإمكانات. من شبه المؤكد أن يلتزم السوريون جانب الصمت تجاه التمثيل المتدني لدول عربية محورية, ولمقاطعة لبنان لإعمال قمة دمشق في محاولة لإبعاد أي تأثيرات سلبية على القمة والتي قد تنقلب من انجاز للسياسة السورية مفترض إلى عبء كبير عليها. النظام السوري سيلجأ على الأرجح إلى توجيه رسائل محرجة وإن كانت غير مباشرة للدول التي عبرت عن سخطها على السياسات السورية من خلال توجيه انتقادات حادة للإدارة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة والحديث الإنشائي الخطابي عن ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية واتخاذ خطوات عملية لرفع الحصار عن غزة.

المواقف والتصريحات والتلميحات التي سبقت القمة بأسابيع وترافقت مع التحضيرات الجارية لعقدها, تعكس واقعا عربيا مؤسفا عنوانه الخلافات الحادة والمحاور المتباعدة. الدول العربية والتي تنجح اجتماعاتها الأمنية ومواقفها من تنظيم البث الفضائي بإجماع عجيب –مع التحفظ القطري- تتباعد مواقفها وبشكل حاد من قضايا مصيرية تتوقف عليها مصائر الملايين من المواطنين العرب في المنطقة حربا وسلما. ولعل المتابع للأوضاع العربية يلاحظ مدى التدهور والتراجع الكبيرين في النظام العربي الرسمي, فبعد أن كان المواطن العربي يتابع القمم ليرى إن كانت قراراتها ستطبق أو لا وكان التندر يدور على مواقف الشجب والتنديد, انتقل الاهتمام لمسألة هل ستعقد القمة أم لن تنعقد, وهل ستكون قادرة على التنديد بالجرائم الصهيونية أم لا؟

الأوضاع العربية لن تتحسن ولن تكون قابلة للتطور ما لم تشهد الدول العربية حريات سياسية واحتراما لحقوق الإنسان والتي تتوافق مواقف الكثير من الدول العربية منهما رغم التباعد الكبير في مواقفها من غيرهما, الشارع العربي إذا سمح لصوته أن يرتفع فسيكون له مواقف تختلف عن مواقف الفرقاء وإن تناقضت والتي تكون غالبا صدى لمواقف عواصم عالمية وإقليمية أصبحت تتحكم بالقرارات العربية وعن بعد. النظام العربي الرسمي يشهد حالة احتضار, وأغلب القادة العرب ارتضوا من خلال سياسات داخلية تقوم على الفساد والقمع والتعامل بسياسة القبضة الحديدية مع المواطن والمواقف الحريرية مع الخارج, ارتضوا بأدوار هامشية لا تخرج عن إطار التلقي والإذعان. المقاومة الفلسطينية والعراقية رغم الحصار المفروض عليهما والحملات الشرسة التي تستهدفهما لهما من التأثير إقليميا ودوليا أكثر بكثير من تأثير أنظمة عربية تمتلك جيوشا جرارة وأجهزة إعلامية صاخبة وطوابير من المتملقين والمصفقين, ولكنها تفتقد للإرادة السياسية وللسيادة الحقيقية.