سورية : أدوار.. ودوائر
عبدالله القحطاني
·
أدوار سورية الحديثة ، في المنطقة والعالم ، منذ الاستقلال ، حتّى اليوم ، معروفة لأبناء سورية ، وأبناء الأمّة العربية كلها !·
أدوار سورية الحديثة ، خاضعة لدوائر معيّنة ، تدور فيها ، وتنطلق منها .. هي دوائر السياسات التي تحكمها وتوجّهها ، وفقاً لطبيعة الحكم في كل مرحلة !(1) دوائر السياسة السورية ، في العهود الديموقراطية ، تختلف ، نوعياً ، عن دائرة السياسة الاستبدادية ، الأسدية الفاسدة الحالية !
(2) في العهود الديموقراطية المتقطّعة ، في الأربعينات ، بعد الاستقلال ، والخمسينات ، وبداية الستّينات .. كانت الدوائر السياسية دوائر وطنية ، يصنعها أبناء الوطن جميعاً، عبر انتخاب ممثّليهم ، الحرّ النزيه ، إلى الهيئات التشريعية ، التي تنبثق عنها الهيئات التنفيذية ! فالسلطات من الشعب وللشعب ، ينتخبها الشعب ، ويحاسبها الشعب ، ويعزلها الشعب ! لذا ، لم يكن حاكم يجرؤ على بيع شبر واحد ، من أرض البلاد ، كما بيع الجولان ! ولم يكن حاكم ، يجرؤ على نهب قرش واحد ، من أموال البلاد ، كما ينهب آل أسد وأقرباؤهم ، اليوم ، ثروات البلاد ! ولم يكن حاكم يجرؤ على اعتقال مواطن ، دون أمر قضائي ، كما يفعل آل أسد ، اليوم ، بشعب سورية ، زرافات ووحداناً ! وكانت سورية حرماً آمناً ، لايجرؤ مغامر من قادة العسكر، في الدولة الصهيونية ، على اقتحام حدودها ؛ إذ كانت فصيلة واحدة ، من المشاة السوريين ، أو فصيلة من الدبابات السورية .. تصدّ أيّ هجوم من قوات العدوّ ، ببسالة نادرة ، واستعداد عظيم ، للتضحية بالدم ، صوناً لحرمة الوطن وترابه ! أمّا اليوم ، وقد حكم سورية آل أسد ، فالجولان الذي باعه الأسد الأب ، وجعل الجيش السوري مخفر حراسة له ، بالنيابة عن الجيش الصهيوني ، طوال عهده ، حتى مات.. هذا الجولان ، يحرسه للصهاينة ، اليوم ، الجيش السوري ، في عهد الأسد الابن! والطيران الصهيوني ، الذي كان يتهيّب العبور فوق الحدود السورية ، خوفاً من نسور الجوّ السوريين الأماجد .. صار يتنزّه ، متى شاء ، فوق أيّة بقعة ، من الأرض السورية ، بما في ذلك القصر الجمهوري ، الذي ينام فيه الأسد المغوار الممانع ، ابن الأسد المغوار المتصدّي !
أدوار سورية ، بل دورها الوطني المتعدّد الوجوه ، كان ينطلق من هذه الدائرة الوطنية .. يدور فيها ، وينضبط بضوابطها !
(3) فما دور سورية الحالي ، في العهد الأسدي الميمون !؟
ـ إنه دور أسدي استبدادي بحت ، تسلّطي فاسد مجرم ، خائن على كل صعيد ، وبسائر أنواع الخيانات ، التي عرفتها قواميس السياسة والاجتماع ، ابتداء من بيع إقليم كامل من أرض الوطن ، للعدو .. إلى سرقة ثروات البلاد ، إلى تدمير شخصية المواطن في وطنه ، بالإرهاب المزمن ، والإفساد الخلقي المتعمّد .. إلى إباحة البلاد لقوّة استعمارية فارسية جديدة ، تحالف معها آل أسد ، مذهبياً وسياسياً وعسكرياً ، لتحميهم من السقوط .. إلى التطاول على كرامات الحكّام العرب ، وتهديدهم ..!
ـ حين يخرج وزير خارجية أسدي ، أو وزير إعلام ، أو بوق آخر، من أبواق النظام الأسدي .. ليتحدّث عن دور سورية الإقليمي.. فيستعرض دورها في المنطقة، عبر تاريخها الحديث ، ليوظّف هذا الدور لحساب آل أسد ، إنّما يضع نفسه ، قبل أن يضع نظام أسد ، في دائرة الامتهان والسخرية ، من قِبل السامعين أو المشاهدين ، الذين يسمعون كلامه ، ويشاهدونه على شاشات التلفزة ، وهو يتبجّح ، و يتباهى ، بدور سورية في المنطقة .. سورية الحقيقية ، الوطن والشعب ، والتاريخ والسيادة ، والعزة والكرامة !
فهل يشعر هذا الوزير بالخجل ، حين (يجيّر) تاريخ سورية الحديث ، ودورها العزيز المشرّف ، لحساب سادته الأقزام ، من آل أسد !؟
وإذا كان الوزير (السياسي!) لايشعر بالخجل ، من هذا التزييف المخجل .. فهل يشعر بالخجل ، الإعلامي ، أو المثقّف الأكاديمي !؟ وهل يشعر بالخجل ، النائب المحسوب على الإسلام والفكر الإسلامي !؟ وإذا كان هؤلاء ، جميعاً ، لايشعرون بالخجل ، لأن من يخدم آل أسد ، وهو يعرفهم معرفة يقينية ، ويعرف مَن هم ، وما هم ، ومن أين خرجوا .. لا يـُتوقع منه الخجل ! فما شأن مَن وضِع في منصب الإفتاء العامّ ، وهو يعلم أنه غير مؤهّل ـ علماً ولا ديناً ولا خلقاً ـ لأن يفتي في أهون المسائل .. ومع ذلك ، يفرض على الحكّام العرب ، فتاوى مبتكرة طريفة .. فيجعل حضورهم مؤتمر القمّة ، في دمشق ، فرضَ عين ، مَن تركه فهو آثم .. أفليست مطالبة هذا ، بالخجل ، تكليفاً له بما لا يطيق !
ويبقى السؤال المطروح ، على شعب سورية ، وعلى قواه الحيّة أولاً .. وعلى قادة الأمّة العربية ، الذين سيجتمعون في سورية ، قريباً ، والذين يهمّهم أمر سورية ، ودورها في المنطقة .. يبقى السؤال المطروح ، هو :
من يعيد إلى سورية دورها الحقيقي ، ويعيدها إلى دورها الحقيقي .. لا في المنطقة وحدها ، بل في العالم كله .. ومتى !؟