نظرة على الصحف التي تنشر في الأحواز

(4)

عادل العابر - الأحواز

[email protected]

صدر العدد الثاني من صحيفة صوت الشعب في 23 أيلول عام 2000 وكان قرّاءها ينتظرون صدورها على أحر من الجمر، ثم جاء عددها الثالث والرابع واستمرت تنشر كل شهر، وأمسى لها صيت في المجتمع الأحوازي.

وكتب فيها مرتزقة من النظام الإيراني كمحمد صادق الحسيني وعباس على الحزباوي وأمثالهم كثيرون.

ولكنّ معظم المشاركات كانت من أبناء الأحواز الذين اعتبرهم البعض أنهم كتبوا مضامين عن الإحتلال الفارسي والكفاح ضده غلفوها بغلاف الثقافة وإطار الدستور الإيراني.

وهناك من ذهب بعيداً ورأي أنّ ما نشر في صوت الشعب، له حصة الأسد في إشعال نيران ثورة 15 نيسان 2005 المجيدة!

ولاشكّ أنّ هذا الرأي مبالغ فيه، وأنّ العوامل التي فجّرت الثورة عديدة أهمّها النضال المستمر ضد الإحتلال منذ عام 1925 وحتى ساعة الثورة.

كانت الصحيفة تعكس المحروميّة والإعتداءات التي يمارسها النظام ضد الأحوازيين ... وتندّدها:

جاء في العدد الثاني ما يلي:

تشير الإحصائيات الموجودة في منظمة البرمجة والميزانيّة أنّ أكثر من خمسين بالمائة من أبناء المحافظة (ويقصد الأحواز) في أعمار ما بين 25 و 29 سنة يعانون من البطالة، في الوقت الذي تقدّم المحافظة ثلاثة مليارات دولار كإيرادات نفطية و416 مليار ريال كضرائب للخزانة الحكومية سنويّاًً.

وجاء الخبر التالي في العدد الثالث:

مئات الناس هدمت بيوتهم وواجهوا التشريد والوهن والإحتقار في منطقة سبيدار.

وسبيدار حي يقنط فيه عرب أحوازيون.

وهذا الخبر يشبه الأخبار التي نسمعها من التلفزة حول الجرّافات الإسرائيليّة التي تهدم بيوت الفلسطينيين.

وفي العدد السادس:

خالد الحرداني و حميد رضا الإبراهيمي من الأهواز يخطفان طائرة إيرانية مسيرها الأهواز ــ بندر عباس،

ثم وبعد فشل العمليّة تعلن الصحيفة عن جلسة محاكمتهما الثامنة.

وفي العدد الثامن:

يشكو أهل القصبة التي تقع على ضفاف شط العرب ويسكنها ثمانون ألف نسمة، عدم وجود مستشفيات ومنتزهات وتبليط للشوارع.

وجاء في العدد السابع:

قتل جندي إيراني شاباً أحوازياً إسمه صباح العبادي يسكن في قرية تقع على ضفاف شط العرب.

وأيضاً في العدد السابع:

دائرة النشر والصحافة الإيرانيّة تعترض على إسم صحيفة صوت الشعب كونه عربي.

ثم دخلت زاوية (ألو ... صوت الشعب)، وكان يتصل الأحوازيون هاتفياً يشكون معاناتهم الإقتصادية والإجتماعية ويقرؤون أشعارهم فتنشرها الصحيفة.

قدم الكاتب هادي باليل الشبري في أعداد مختلفة من صوت الشعب، تأريخاً أدبياً لدولة المشعشعيين في القرن التاسع عشر والتي كانت تحكم في الحويزة وهي محافظة من محافظات الأحواز.

وقدم تأريخاً حول الدورق وشعراءه أيضاً.

ولهادي باليل الشبري مؤلفات عديدة أذكر منها: الياقوت الأزرق في أعلام الحويزة والدورق ــ كلمة وجيزة في تأريخ الحويزة ــ جولة خاطفة في الدورق السالفة.

ثم دخلت القصة القصيرة للكبار والأطفال في مضامين الصحيفة وبرزت أسماء للشباب لولا الصحيفة لما عرفهم المجتمع الأحوازي ولما عرف أن هناك طاقات هائلة في شعبه.

أعلنت الصحيفة في عددها الثالث عن صحف طلابيّة عربيّة تنشر في الجامعات أسمتها (صحفاً باعثة الأمل) وعناوينها:

أقلام الطلبة نشرت في جامعة شمران في الأهواز.

المناهل في جامعة عبّادان.

الآفاق في جامعة طهران.

الفتى في جامعة إصفهان.

وقد نشر هذه الصحف الطلاب الأحوازيون الذين يدرسون في الجامعات المذكورة أعلاه.

وليعلم القارئ العربي أنّ معدّ صحيفة أقلام الطلبة هو شاب أحوازي إسمه محمد حسن فلاحية وقد سجنه النظام الإيراني في طهران بعد إنتفاضة 15 نيسان وما زال مسجوناً.

وجه مثقفوا الأحواز رسالة للرئيس محمد خاتمي طالبوا فيها إجراء المادة 15 من الدستور الإيراني التي تنص على حق القوميّات في تدريس لغتهم في المدارس وقد طبعت صوت الشعب هذا الخبر في عددها السابع ونشرت أسماء الموقعين.

كتبت فاطمة التميمي مقالات وأشعار فصيحة عديدة دافعت من خلالها عن المرأة الأحوازيّة وعن حقوقها الإجتماعيّة.

طبعت الصحيفة مقالات من كتاب عرب من بينهم غسان بن جدو مدير شبكة الجزيرة في طهران والدكتور عزمي بشارة ( خطر الأسرلة الثقافية على عرب فلسطين) وإدوارد سعيد.

تضامن الشعب الأحوازي مع الفلسطينيين وقد نشرت صحيفة صوت الشعب هذا التضامن في كثير من أعدادها

وكتب الكتاب مقالات والشعراء قصائد شعبيّة وفصحى أذكر منها أبياتاً لقصيدة للشاعر جبار الطائي:

أهل  الحجارة  شدّوا الحُزم في ثقة        ففي الطموح ينير الدرب والسبل

من نال جرحاً أو استشهد بساحتكم        له  الكرامة   في   عقباه   والنبل

وهناك قصيدة أخرى للشاعر جبارالطائي حول مشروع قصب السكر الإستيطاني في الأحواز لم استطع أن أغض النظر عن بعض أبياتها، والتي نشرتها صوت الشعب في عددها العاشر:

قد صادوا الأرض بالمشروع للقصب
فاستملكوا الزرع والبستان عن iiجنف
لم  يرعوا الحق في مشروع iiسكرهم
أهـل الأراضـي والزرّاع ليس iiلهم
فـالأرض قد أخذت والدار قد iiخليت
فـأصـبـح الناس لا مأوى تلوذ iiبه
الله  يـعـلـم أنّ الأرض iiأرضـهم
تـوارثوا  الأرض من أجداد iiسالفهم
الزرع في الأرض كان العرب iiدأبهم
فـأبـعدوا العرب عن أرض iiمقدسة
فـأصـبـح  الـيوم معدوم لهم iiأثر
أيـن  الـعـدالة والإسلام عن iiزمر
والـمـجـريات  من الأحداث iiنائية
مـاذا جـناه شباب العرب من iiجُرُم
سـيـاسـة  الحقد والتمييز كان iiلها
فـأطلقوا  الحقد في الأفيون iiوالكحل
لـيـس الـسكوت بمحمود iiلمجحفة
يـا رب رحماك أنّ الخطب حلّ iiبنا

















وأخـلف العدل حكم الحقد iiوالغضب
وما  توانوا بغصب الأرض iiوالترب
وقـد تمادوا لسحق العدل في iiالطلب
فـي الأمـر بدّ سوى التسليم iiللنهب
من  ساكنيها وما في البيت من iiشذب
غير  العراء وصفر الأيدي من نشب
لـكـنها  صودرت بالقسر iiوالرهب
وعـمـروهـا  ببذل المال iiوالتعب
ومـا  لـديـهـم سواها شرّ iiمنقلب
كـانـت  تمدهمُ في الأكل iiوالشرب
واستوطنوا غيرهم يا أعجب iiالعجب
سلوا  السيوف على الإسلام iiوالعرب
عـن الـعـدالة والإسلام في iiعطب
حـتـى  يعودوا بلا شغل ولا iiإرب
فـي الإشـتغال شديد الميل iiوالنكب
بـين  الشباب لرمي الناس iiبالشجب
تـجـري  علينا بلا داع وفي iiذرب
ومـا سـواك لـما نرجوا iiبمحتسب

ومشروع قصب السكر كما أشرت من قبل، مشروع إستيطاني فارسي، أجبر النظام الفارسي العرب الأحوازيين أن يخرجوا من أراضيهم كي يزرعها قصب سكر! والحقيقة أنّ المشروع ليس إقتصادياً بل سياسي يريد أن يجلب الفرس إلى الأحواز و يطرد الأحوازيين من وطنهم إلى ديارالفرس.

وقد ندّدت صحيفة صوت الشعب هذا المشروع في أكثر من عدد.

كتب السيد على العدناني عن تاريخ المحمرة في العدد التاسع قال في نهاية مقاله التاريخي:

وفي سنة 1314 (الفارسية) أبدل إسم المحمرة بخورمشهر وقد بلغت خورمشهر أوج عمرانها قبل وقوع الحرب العراقيّة الإيرانيّة حيث أصبحت كبرى موانئ إيران ومن أهم موانئ الشرق الأوسط حتى وقعت الحرب العراقيّة الإيرانيّة، فدمرت من جراءها تدميراً كاملاً وشاملاً. وبعد إنتهاء الحرب في 8-8-1988 ميلادي أخذت المدينة تلملم جراحها وتضمدها، وحتى كتابة هذه السطور لم تستطع العودة إلى مكانتها السابقة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيد في عنايته ولطفه كي تستعيد المدينة ماضيها التليد.

وكان يجدر بالسيد على العدناني أن يبيّن الأسباب التي منعت مدينة المحمرة (وليست خورمشهر) أن تعود إلى مكانتها السابقة. ودون أيّ شكّ أنه الحقد الفارسي ضدّ هذه المدينة العربيّة وأبناءها الساميين.

وقدم عمران العبادي تأريخاً للقصبة التي تقع على ضفاف شط العرب وذكر علماءها، ومن بينهم الشيخ عبدالحميد الدوسري وهو من علماء السنّة.

وليعلم القارئ أن الشيخ الجليل قد سجن بعد ثورة 15 نيسان وما زال مسجوناً.

وكتب الدكتور عباس الطائي دروساً في الشعر وأشرف على زاوية الشعر التي تنشر في الصحيفة.

والدكتور عباس شاعر مقتدر من أبناء الأحواز.

وكتب موسى سيادت عن تأريخ الأحواز.

ولموسى مؤلفات عديدة عن التأريخ نشرت باللغة الفارسيّة.

وجاء في العدد الثاني عشر مقال قومي حول رحيل جمال عبدالناصر وقد نشرت الصحيفة صورتين من الرئيس الراحل جمال، جاء في المقال:

إنها دعوة للقادة والزعماء العرب جميعاً أن يتذكروا جمال عبدالناصر في ذكراه بأفعاله ومواقفه وحكمته ونضاله، وكلنا أمل أن يكونوا على قدرا لمسؤولية القوميّة وبإمكانهم أن يعيدوا أمجاد العرب ولو بعد حين.

وأكتفي في ختام هذه الحلقة بذكر رؤوس أهم المواضيع التي نشرتها الصحيفة:

ــ إنتقاد لإذاعة وتلفزيون الأهواز الذي يدوره عراقيون ويتكلمون بلغة الشوارع. ومدة بث التلفزيون لا تتجاوز الساعة.

ــ التنديد بهدم قصر الشيخ خزعل في الحميديّة.

ــ التنديد بفيلم سينمائي إيراني يهزأ من العرب عنوانه (عروس آتش) أي عروس النار لمخرجه خسرو سيناي، كما أن يوسف عزيزي بني طرف دعى المخرج سيناي للمناظرة حول الفيلم لكنّ المخرج لم يلبّ الدعوة.

ــ الإصلاحيون تنازلوا عن شعاراتهم وقالوا أنّ مطالبات القوميّات ستهدد أمن النظام!

ــ قال خاتمي عند لقاءه بالإيرانيين في خارج البلاد: أننا قبلنا الإسلام ولكننا لم نقبل أن نصبح عرباً!

ولما رجع إلى إيران وقال له البعض أنك أهنت العرب الأحوازيين قال: أنا بيّنت واقعة تأريخيّة.

إنّ صحيفة صوت الشعب أصبحت حلقة وصل بين شباب الأحواز وقوّت الأواصر بينهم فصاروا يتبادلون فيها المقالات والأشعار وتعارفوا على بعضهم البعض.

كما أنها نمّت روح النقد عند الشعراء الشباب، فأصبحوا يتقبلون الأخطاء في الوزن والأخطاء اللغويّة والبلاغيّة.

واعتبر الصحيفة كثيرون بأنها تشبه النهضة الثقافيّة.

ففي حين كان الشباب يتحسّرون على كتاب عربي ولم يجدوه، صدرت صحيفة عربيّة كتبت معاناتهم ونشرت حرمانهم وطبعت أشعارهم، فمن البديهي أن يعتبروها نهضة في الثقافة.

وكي أقرب المعاناة الثقافيّة والحرمان من الكتب العربيّة في الأحواز، سأذكر موقفاً لمحاولة طريفة قمت بها عندما كنت مراهقاً لا أبلغ الرابعة عشرة من عمري وهي:

كنّا نحاول أن نكتب باللغة العربيّة فيما بيننا منذ الإبتدائية، وكنّا نعلم أنّ في كتابتنا أخطاء كثيرة، ولم نحصل على كتاب عربي كي نقرأه ونتعلم صياغة الجمل، وقد بحثنا المكتبات أجمعها ولكننا لم نعثر على كتاب!

فصممت أن أستعين بالدول العربيّة! ومن بساطتي كتبت رسالة شرحت فيها معاناتنا الثقافيّة! وطلبت من الدول العربيّة أن ترسل لنا كتباً قصصيّة وتأريخيّة ودينيّة! ثم حذرتهم إن لم ترسلوا لنا الكتب التي ذكرتها فسوف نضيع بين الفرس! ولا شكّ أنّ هذا الأمر لا يرضيكم! ثم وبعد ما أكملت الرسالة ووضعتها في ظرف، رحت أفكر في الدولة العربيّة التي سأرسل الرسالة إليها! وبعد تفكير طويل إخترت مصر وكتبت العنوان: (حكومة مصر) فحسب!!

وقلت مقتنعاً: إن وصلت الرسالة إلى مصر سوف يقرأها عربي من هناك ويرسل لنا الكتب التي طلبناها!!!

ولم أنس سعر الطابع الذي كلفني كثيراً لأنّ الرسالة ستبعث إلى الخارج.

ولم أستلم أيّة كتب مهما انتظرت طبعاً.

شعب عاش في هكذا ظروف، ألم يعتبر صحيفة صوت الشعب حتى لو نشرت بلغة عربيّة وفارسيّة، نهضة في الثقافة؟!

وأخيراً ــ وبقت حلقة من النظرة إلى صوت الشعب ــ أنّ هذه الصحيفة الشهريّة قوّت أقلام الشباب الذين لم يمارسوا الكتابة العربيّة في المدارس والجامعات الفارسيّة، فأمسوا يكتبون النصوص والشعر ويعرضونها على أساتذة اللغة العربيّة لتنقيحها من الأخطاء النحويّة والصرفيّة والبلاغيّة، ثم اشتركوا في صفوف تدريس اللغة العربيّة ــ وأنّ هذه الصفوف كانت تنعقد جلساتها في بيوت المثقفين القوميين ــ وهناك الكثير من أخذ الدروس الخصوصيّة على يد أساتذة الجامعات كي يتعلم لغة كان من المفروض أن تعلمه إيّاها المدارس والجامعات الحكوميّة مجّاناً.

ومن بين هؤلاء الذين أخذوا دروساً خصوصيّة، السجين المناضل محسن الحاج سالم الباوي بعد أن تخرج من هندسة الكمبيوتر، بيد أنّ النظام الفارسي لم يسمح له أن يكمل دراسته في النحو، فسجنه وإخوته الأربعة وابن عمه! ثم شنق أحد إخوته ليصبح شهيداً ينير طريق المناضلين الذين سيجاهدون حتى تحرير الأحواز.