حوار صنعاء ... وفتوح غيت
طارق ياسين
لعل الكثير من الأسئلة تتبادر حتى للشخص العادي حول مغزى الإعلان الإسرائيلي عن اكتشاف الأجهزة الخلوية المهربة في سيارة مستشار عباس، القيادي الفتحاوي: روحي فتوح.
ولا يستبعد الكاتب أن السيد فتوح نفسه قد فوجئ كما لم يفاجأ أحد سواه؛ ذلك أن موضوع التهريب، كما يشيع في الشارع الفلسطيني، ليس سراً؛ حيث يقوم به العديد من الشخصيات المهمة جداً في السلطة ومنذ سنوات، ومن خلال المعابر مع الأردن ومصر ذهاباً وإياباً، ويشمل التهريب كما يشاع، على الذهب والعملات والأجهزة بل وحتى السلاح والمخدرات، وكل ذلك تحت سمع الإسرائيليين وبصرهم؟!
ولذلك فإن من المستبعد الاقتناع بالرواية الإسرائيلية، أن تفتيش السيارة كان بسبب الشك في وجود أسلحة مهربة فيها، علما بأن الصهاينة قد غضوا الطرف، بل وسهلوا الكثير من عمليات تهريب وتسويق السلاح، لأغراض عدة من خلال رجالات السلطة، وأعضاء فتح، ومنتسبي الأجهزة الأمنية، فضلاً عن عملائهم.
ولا نظن أن الحمولة الزائدة أو العدد الكبير للأجهزة هو الذي فضح القصة، لأن الصهاينة يعلمون بكل القصص، ويسهلون مثل هذه المهمات؛ لأنهم معنيون بإغراق رجالات السلطة بالفساد حتى لا يفكروا بغيره، لا بل إن جهات عربية وأجنبية قد قامت، ومنذ زمن طويل، بعمليات إفساد ممنهج لكوادر منظمة التحرير وعلى رأسهم الفتحاويون.
ولسنا نعتقد بأن المقصود هو حرق السيد فتوح، حيث إنه لم يقم بأي عمل شائن من شأنه أن يغضب الصهاينة أو الأمريكان، وليس بينه وبين أحد من المحيطين بالرئيس ، فيما نعلم، أية مشاحنات تجعله موضعا للاستهداف.
والذي لا يستبعده بعض المراقبين هو أن الأمر يتعلق بالحوار الحمساوي الفتحاوي الذي كان يجري في اليمن، ذلك أن الصهاينة كانوا قلقين من إمكانية حصول ضعف في الموقف الفتحاوي، تجاه التفاعل مع المبادرة اليمنية، والمضي قدماً نحو الاتفاق مع حماس، تحت تأثير الضغط اليمني، والشارع الفلسطيني الذي لم تعد تقنعه دعاوى وحجج فريق الرئاسة لرفض الحوار والتوافق مع حماس، ومن هنا فقد جاءت هذه الرسالة الحادة والعنيفة، من الصهاينة إلى الفتحاويين وفريق الرئاسة، أن أي تقارب مع حماس سيكون ثمنه باهظاً وموجعاً، لا بل قاصما قاضياً، ففيه القضاء على المستقبل السياسي، والمنصب وبطاقة V. I. P ، بل وحتى تهديد الحياة، وقد سبق للإسرائيليين أن أطلقوا النار حتى على محمد دحلان عند معبر إيريز، أثناء عودته من اجتماع أمني مع الإسرائيليين، ومثل هذه الرسائل تشكل نهجاً إسرائيلياً مستمراً لضمان الولاء وعدم اللعب بالذيل!!
ولا شك أن اختيار شخصية بوزن روحي فتوح التي تبوأت رئاسة المجلس التشريعي ثم الرئاسة الانتقالية للسلطة، وفيما بعد منصب مستشار الرئيس، تبعث برسالة حاسمة لكل من يهمه الأمر، والكبار على وجه الخصوص، أن اللعب في هذا الميدان محرم إسرائيلياً .
ولعل ما وقع من وفد فتح، أثناء الحوار في اليمن من سعي حثيث للتفلت وإفشال الحوار، وفيما بعد التنصل من الاتفاق بعد توقيعه، وهجوم فريق الرئاسة على عزام الأحمد، لتوقيعه الاتفاق، ما يدل بدون أدنى شك أن فريق الرئاسة والمتنفذين في فتح، قد أصبحوا رهائن السيد الإسرائيلي والعم الأمريكي، واللذين يعلنان جهرة أنه يحظر على الرئيس التوافق مع حماس، وإلا؟! ويبدو أن مسارعة فريق الرئاسة لرفض الاتفاق قبل أن يجف مداده، قد جاءت تأكيداً للضيف ديك تشيني والإسرائيليين أن العهد هو العهد، والقسم هو القسم، وأن أي عهد مع الأشقاء الفلسطينيين والإخوة العرب لا قيمة له، إن لم يوافق عليه الأمريكان والصهاينة. ومن هنا فقد وقعت مداهمات لعدة مؤسسات مقربة من حماس من قبل أجهزة عباس عشية الاتفاق واليوم التالي له، ومعها اعتقالات لثلة من كوادر الحركة وأنصارها .
ولن يغطي على سوأة سلطة عباس - فياض، قيامها بحملة مداهمات لمحلات الأجهزة الخلوية ومصادرة كميات منها بحجة كونها مهربة، ولا الإعلان عن اكتشاف أدوية وأغذية فاسدة مهربة، ولا ادعاء فتوح أن الأجهزة تخص سائقه ولا علاقة له بها، ولا إعفاؤه من منصبه لحين التحقيق معه أيا ما كانت نتائج التحقيق!!.