المصالحة الفلسطينية والضغوط الخارجية

د. ياسر سعد

[email protected]

ما إن تم التوقيع على إعلان صنعاء, حتى سارع مكتب الرئيس محمود عباس إصدار بيان جاء فيه "إذ تعبر القيادة الفلسطينية عن تقديرها لهذه الجهود فإنها تعلن أن استئناف الحوار في المستقبل يجب أن يتم لتنفيذ المبادرة اليمنية بجميع بنودها وليس للتعامل مع تلك المبادرة كإطار للحوار لان ذلك لن يؤدي إلى نتيجة... بنود المبادرة اليمنية واضحة ونحن نريدها للتنفيذ وليس للتحاور."

ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي قال بعد يوم من إعلان صنعاء انه لا يعتقد أن الرئيس الفلسطيني سيوافق على المصالحة مع حماس ما لم تتنازل الحركة عن السيطرة على قطاع غزة. وقال تشيني "النتيجة التي توصلت إليها من خلال الحديث مع القيادة الفلسطينية هي أنها وضعت شروطا مسبقة لابد من تنفيذها قبل أن توافق على المصالحة بما في ذلك إلغاء كامل لسيطرة حماس على غزة."

وكالة رويترز نقلت عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله انه من غير المرجح أن يصلح عباس العلاقات مع حماس ما دام زعيم فتح يعتقد أن السلام مع إسرائيل يمثل خيارا مطروحا. وقال المسؤول الإسرائيلي عاموس جلعاد "هذه الاتصالات لن تسفر عن أي نتيجة", من جهتها، أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى  أن مسئولين آخرين حذّروا من أن المفاوضات مع إسرائيل التي استؤنفت في نوفمبر الماضي برعاية الولايات المتحدة، ستجمد على الفور إن اتفقت حماس وفتح على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.

مسارعة الرئاسة الفلسطينية لإصدار بيان يلغي من الناحية العملية إعلان صنعاء وينسفها من جذورها, وتباري المسؤولون الفلسطينيون للتهوين من شأن ما تم التوصل إليه جاء كما يبدو نتيجة ضغوط أمريكية-إسرائيلية لا تستطيع السلطة الفلسطينية مقاومتها, وقد وضعت كل أوراقها وآمالها في خيار السلام الإستراتيجي, كما تسميه, والذي لن يكون له وجود حال تلاقيها مع حكومة غزة وتوحيد الصف الفلسطيني. ليست هذه المرة الأولى والتي ترفض سلطة رام الله أية وساطة أو رعاية للقاء يجمع الشتات الفلسطيني وينهي حالة التمزق المؤسفة والتي تزيد معاناة الشعب الفلسطيني, وتحقق للاحتلال مكاسب سياسية وعسكرية بدفعها وتحريضها على تأجيج الصراع الداخلي الفلسطيني. بعد شهور من انابوليس ومع ازدياد الهجمة الاستيطانية في الأراضي المحتلة والجرائم الإسرائيلية في غزة والتأييد والدعم الأمريكي لها, يبدو أن الاعتماد على خيار سلام ترعاه أمريكا على حساب وحدة فلسطينية خيارا خاسرا وقاتلا.

ديك تشيني بعد لقاءه ابومازن قال أن السلام يتطلب تنازلات مؤلمة وأن صواريخ المقاومة قد تقضي على آمال الفلسطينيين المشروعة في دولة فلسطينية. فما هي التنازلات المؤلمة التي ينبغي على الشعب الفلسطيني والذي يرزح تحت احتلال غاشم أن يقدمها للمحتل الإسرائيلي؟  وما هي  طبيعة تلك الدولة الفلسطينية والتي ستقضي على الآمال فيها صواريخ لمقاومين ترد على عدوان الاحتلال وجرائمه؟ إنها دولة موهومة غير قابلة للحياة ومن الممكن بسهولة لأي تحديات أو سوء فهم مع جارتها القوية والمتسلطة أن تمسحها عن خريطة الوجود.