معرض باريس .. وقضية فلسطين

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في منتصف مارس 2008م ، دعت فرنسا الكيان النازي اليهودي ليكون ضيف شرف لمعرض باريس للكتاب ، يحضره رئيس الكيان الدموي شيمون بيريز ، سفاح قانا ومعه قرابة أربعين من كتّاب العدوّ في فلسطين المحتلة .. وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات اليهودية تدك البيوت والمساجد والورش والأسواق في غزة ، وتقتل العشرات وتصيب المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين بعامة ، كانت فرنسا ، تحتفي بالقتلة النازيين اليهود الغزاة ، وتقيم لهم عرساً على أشلاء أبنائنا في فلسطين المحتلة ، وتطلب من أتباعها في بلادنا العربية التعيسة أن يحضروا العرس ويباركوه ويستمتعوا برؤية القتلة يبتسمون ابتسامة الظافر المنتصر ..

بالطبع قام نفر من قادة النقابات المهنية في مصر والعالم العربي بإصدار بيان أو احتجاج يُعبّر عن الغضب تجاه اختيار الكيان الصهيوني العدواني ضيف شرف لمعرض باريس للكتاب في مناسبة مرور ستين عاماً على قيام هذا الكيان بالقهر والظلم والعدوان والمذابح وتهجير الشعب الفلسطيني ، ورفض الالتزام بالقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، وممارساته الإجرامية حتى لحظة انعقاد المعرض بقتل المدنيين الفلسطينيين واعتقال الألوف ، وفرض حصار بشع على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية . وكان موقعو البيان ينتظرون ممن يحملون اسم فرنسا رافعة لواء الحرية والعدل وحقوق الإنسان ، أن يكونوا أكثر موضوعية وعدلا وصلابة في حماية هذه المبادئ .. وقد رأى الموقعون أن هذه الخطوة غير المسبوقة سيكون لها تأثير سلبي على العلاقات الثقافية والسياسية والإنسانية بين فرنسا والعالم العربي .

وإذا كان هذا البيان الشعبي قد أرضى مشاعر الشعوب العربية بوصفه تعبيراً عن الحد الأدنى في الموقف العربي ، فإن بعض اليساريين المتفرنسين أو المتأمركين العرب ، لم يعجبهم هذا الموقف وأدانوه ، لأنهم رأوا أن المقاطعة لا تفيد ، وأن الواجب يحتم المواجهة وشرح وجهة النظر العربية !

ولا ريب أن هؤلاء القوم يرتبطون بروابط منفعة ومصلحة لا تخفى على أحد ، مع باريس ، ولذا يُدافعون عن فرنسا باستماتة كي لا ينقطع المدد الذي يغذيهم بالرحلات والدعوات وترجمة أعمالهم الرديئة المعادية للإسلام والعروبة إلى الفرنسية .

وهؤلاء يتناسون أن فرنسا ، من أهم دول الغرب الصليبي الاستعماري الهمجي التي أسهمت في إقامة الكيان الصهيوني الغاصب ، بالفكرة ، والدعم العملي ، فقد كان السفاح الفرنسي نابليون الذي أذل المصريين وقتلهم وسرقهم واستباح مقدساتهم وربط خيوله في الأزهر الشريف ، أول من اقترح إقامة هذا الكيان لتتخلص أوروبا من عنصر مزعج يكرهه الأوروبيون ، وكانت فرنسا في عهد " ديجول " الذي يعدّه البعض صديقاً للعرب ، أكبر من دعم الكيان بالسلاح ، وخاصة طيران الميراج الذي حسم معركة يونيو 1967م في ساعة ونصف الساعة لصالح العدو الصهيوني ، وكانت فرنسا هي التي أقامت مفاعل " ديمونة " لينتج اليهود الغزاة حتى اليوم أكثر من مائتي قنبلة نووية لردع العرب عن تخليص مقدساتهم وتحرير أراضيهم المغتصبة .. وفرنسا هي الدولة والشعب الذي أظهر شماتة غير مسبوقة وفرحاً لم يسبق له مثيل ، حين انتصر اليهود الغزاة في عام 1967م ووصلت دباباتهم إلى شاطئ قناة السويس الشرقي ، على النحو الذي يرويه " عبد الرحمن بدوى " في مذكراته ، وقد عايش الفجور الفرنسي الصليبي المتوحش ، على أكثر من مستوى آنئذ بحكم عمله هناك ، ودعك مما يقال عن حظر فرنسا لتصدير السلاح إلى هذا الكيان العدواني ، فقد حقق أهدافه وانتصر وأذل مصر والعرب جميعا بالسلاح الفرنسي ، وانفتحت لديه نافذة أخري أكبر وأوسع وأفضل لاستيراد السلاح بأحدث أنواعه وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.

ومن العجيب أن هؤلاء المتيمين بعرض وجهة النظر العربية ، وعدم مقاطعة معرض باريس ، يعلمون جيداً أن فرنسا الصليبية الاستعمارية ، التي كانت نقطة انطلاق الحروب الصليبية الأولى عام 1095 م ، بقيادة بطرس الحافي ، هي فرنسا الصليبية الاستعمارية – لما تزل – في القرن الحادي والعشرين ، التي تضيق على المسلمين في فرنسا وأوروبا ، وتحرّم الحجاب على المسلمات ، وهى التي تقود بمعرفة " ساركوزى " المتعصّب حماية " تل أبيب " من أية إدانة دولية والوقوف في جانب واحد مع الولايات المتحدة .. ولا تكفّ فرنسا عن إدانة الفلسطينيين الذين يُقاومون الغزو النازي اليهودي الشرس !

لا فرنسا ، ولا العالم الصليبي الهمجي ، لديه استعداد لفهم وجهة النظر العربية ومراعاتها ، لأنهما يعلمان جيّداً ، ما يريده العرب ، ويعرفان جيداً أنهما يحتقران العرب ولن يقفا إلى جانبهم ولو صنعوا " عجين الفلاحة " ، لسبب بسيط جداً ، وهو أن العرب ضعفاء ، ولا يُقاومون القهر والذل والاستبداد ، فضلاً عن الاستعمار والعدوان ..

ولا أظن أن كتيبة من شعراء اليسار المتأمرك المتصهين بقيادة " محمود درويش " يمكن أن تُغيّر التفكير الصليبي الهمجي في فرنسا أو غيرها من دول الاستعمار الصليبي المتوحش لأن أعماق هذه الكتيبة الفكرية معلومة سلفاً ، ولا تنتسب إلى فلسطين ولا العروبة فضلاً عن الإسلام .

تصور أن أصحاب فكرة عدم المقاطعة يرون أن " حماس " هي سبب البلاء في فلسطين وهى التي تستدعى بمقاومتها العبثية المذابح والمجازر والمحارق التي يقوم بها الصهاينة الغزاة ! بل وصل الأمر يبعضهم إلى القول إن الخاسر من المقاطعة هو القضية الفلسطينية التي تمر بأخطر مراحلها بسبب الدور " المشبوه ! " الذي تقوم به حركة حماس منذ استيلائها (!) على السلطة وتسببها في شق الصف الفلسطيني من أجل إقامة الإمارة الطالبانية ؟

دور " مشبوه " – الصواب مشتبه به يا هذا – وشق الصف الفلسطيني والإمارة الطالبانية ؟

هذه جرائم حماس ، التي قضت على الجريمة التي خططت لها رايس مع المدعو دحلان ، وموافقة آية الله محمود رضا عباس ميرزا ، المليونير وصاحب المليارات في الإمارات ، وصاحب الحذاء الذي يبلغ ثمنه عشرين ألف يورو، وشعبه يتضور جوعاً .

حماس دورها مشتبه به ، لأنها تضحى بأبنائها ، وقادتها لا يجدون القماش ليصنعوا أكفاناً لأبنائهم الذين يقتلهم الغزاة النازيون الصهاينة ؟

حماس تشق الصف الفلسطيني لأنها رفضت الاستسلام ، وتسليم السلاح ، والعمل لحساب العدو ، والدخول في مفاوضات عبثية لا جدوى منها منذ ستين عاماً ؟

حماس إمارة طالبانية لأنها تقاوم بلحمها العاري ، وتقدم أروع الأمثلة في البطولة والفداء من خلال الإسلام وقيمه وتصوّراته التي لا تعجب الماركسيين المتأمركين المتفرنسين ، وكتاب لاظوغلي ؟

حماس قهرت العدوّ ، وجعلت ربع سكان كيانه ينزلون إلى المخابئ بصواريخهم العبثية ، وهذا يكفيهم ولا حاجة بهم إلى معرض باريس الصليبي الذي يؤسس للعنصرية والإجرام وحضارة الغزو واللصوصية .

قاطعوا ودافعوا

أحباءنا في كل مكان : قاطعوا العالم الصليبي الصهيوني ، لا تسمعوا للأصوات التي تقلل من قيمة المقاطعة فالأعداء هم الذين شرّعوها وسنّوها .. قاطعوا كل بضاعة يمكن الاستغناء عنها ، وكل نشاط لا يعود علينا بفائدة ملموسة.. نحن نستورد مثلا بمليارات الدولارات أدوات تجميل نسائية ورجالية وملابس حريمي ، وهذه يمكن استخدام بدائل لها محلية أو من دول غير معادية ،  السيارات الأميركية و الفرنسية و الألمانية ، استغنوا عنها واستخدموا بدلا منها  سيارات دول أخرى ، بل اصنعوا ما تحتاجون إليه .. ثم انشروا ثقافة الدفاع عن النفس سياسيا وثقافيا واقتصاديا في الوقت المناسب والمكان المناسب ، ولا تخافوا أو ترتجفوا فلديكم العقول والأفكار والشباب والمال، حتى لا يستهين بكم هؤلاء الهمج . واعملوا والله في عونكم ، ولا تنتظروا من حكوماتكم أن تعمل ، فالضرب في الميت حرام .. حرام ..حرام  !!!!