هُم أكذب من شُعِيب

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

مازالت قصة شعيب الكذاب في ذهني , تلك القصة التي درسناها في الصف الثاني الإبتدائي , والتي تدور حول رجل راعي واسمه شعيب

هذا الراعي نادى على أهل القرية أن الذئب هاجم الماشية وسارع أهل القرية لملاحقة الذئب , ولكنهم لم يجدوا شيئا , وكانت كذبة مفتراة على الذئب من قبل شعيب

وكرر المقلب بأهل القرية مرات متتالية , وعندما هاجم الذئب الماشية حقيقة نادى على أهل القرية , حتى يحموا مواشيهم من الذئب , ولم يستجيب أهل القرية لندائه هذه المرة , وهي المرة الوحيدة التي يصدق فيها

وأُكلت الماشية وخسر أهل القرية الكثير , وكان السبب: كذِب شعيب

مسكين أنت ياشعيب , من التعب والوحدة وأنت الراعي الوحيد في القرية , أردت التسلية والمزاح ,ونتيجة لذلك خسر الناس بعض مواشيهم

ولكن لو قارنا فعلتك مع أفعال زعماء الأمة الموروثة والمتوارثة لضحكت كثيرا وضحك أهل القرية أكثر

حتى الذي خسر نعجة أو خروفا لكان قبلك بين عينيك وقال لك , نسامحك على مافعلت ولكن لاتعيدها , فهل تقارن كذبتك بكذب أولئك

من كذبهم ضاع كل شيئ , ومن أسلوبهم الذي اعتادوا عليه في الكذب وتصديق مايقولون وعلى الشعب أن يصدق

فقد ضاع الوطن كله , وضاعت الكرامة والعزة وهتك العرض وارتوت الأرض بدماء الأبرياء

منذ أن ذهب الإستعمار بجيوشه وعتاده عن أرضنا ابتلينا بقادة , أكذب من شعيب بألاف المرات

فشعيب على الأقل كان صادقا في المرة الأخيرة , وكم يحز في نفسي ألما ويتطلع قلبي لخبر منهم يكون فيه مصداقية , ولو كان بأقل درجة من المصداقية حتى...............

فهيهاة.... هيهاة ....كقول العامة .....(حلم إبليس في الجنة)

فليس العودة لتاريخهم وحاضرهم والكذب المقدم منهم لنا بمهم ,لأننا كلنا نعرفه حرفا حرفا والكثير يهللون له تعظيما وسلاما ومسيرات غاضبة للقائد المعظم والحبر الأعظم, ولكن المهم الآن ومستقبلا

نصيحة لكل مواطن ومواطنة في الوطن العربي الكبير , لاتصدقوا أحدا منهم ولو كان صادقا كما يبدو لكم , فلم يبق عندكم ماشية لتخافون عليها

ونصيحتي لكم أيضا وأنصح نفسي بذلك , كل كاتب أو صحفي أو مثقف أو مفكر وما يلف حول هذه الأسماء , إن سمعتم من أحدهم إشادة بقول زعيم أو تطبيل وتجبيل , فقولوا له إنك كاذب

لأن الذي يشيد بالكاذب هو أكذب من الكاذب نفسه

اشتهر في تركية رجل كذاب وسيطر بكذبه على كل الكذابين في المدن التركية , وبقي واحد لم يقتنع بالأمر , فرحل لبلدة بطل الكذابين ووصل بيته وطرق الباب , فخرج له ابنه

فسأله أين أبوك

قال إن السماء قد حصل فيها شق وذهب أبي ليرممه

فقال الرجل لنفسه , إذا كان وزير الإعلام أو وزير الخارجية أو مايمثل الشخص يكذب لهذه الدرجة

 فكيف يكون وضع رئيسه؟

سأنسحب بهدوء

فلقد ملت الشعوب العربية من تلون حكامها أمام أعدائها باللون الذي يفضله ذلك العدو , وملت نفسها من القالب واللون الذي لايتغير , من الحكام وأجهزتهم تجاه شعوبهم

لون واحد وعمق واحد

وضع واحد وواقع حال لايتغير

عبيد أذلاء عند الحكام , حتى درجة العبيد تفوقهم بنظر الزعماء

وفي هذه الأيام يبدو أنهم واقعون بورطة كبيرة

ومن هذه الورطة الكبيرة , لم يسعفهم الحظ بافتراء جديد على الشعوب , وظهرت جريمتين بيد الأمن, في مصر وسورية بمقتل شابين تحت التعذيب

وبيريز بعد مذبحة اسطول الحرية , ضيفا مكرما عند حسني مبارك , بينما في كوريا الجنوبية , جعلوا إنسانا صناعيا يستقبله , ليثبتوا له أنك يا بيريز لن تكون إنسانا أبدا

فماذا ينتظر الشعب العربي من حكامه؟

جُربوا في كل الأزمات وكانت النتيجة:

 الخزلان والهزائم وضياع الأرواح والممتلكات وكرامات الأجيال

جُربوا وقت السكون , فكانت النتيجة سجون ومشانق وإعدامات وتشريد ولجوء للدول الأخرى هربا من الجحيم , ولو قُضي عليه في البحار والمحيطات , أو أكلته الوحوش في البراري والغابات

وسيادة الفساد والمحسوبيات في كل الأركان وتهريب الأموال للبنوك الأجنبية , والشعوب تئن تحت وطأة الكذب والتسلط والإستبداد

هل تنتظرون نبيا مخلصا , مع أن خاتم الأنبياء كان محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام

أم تنتظرون المهدي والذي يكون حسب تفكير البعض مجرم سفاح يطيح بالعرب أجمع

إن الشخص أو القائد الفذ , مهما امتلك من خصال حميدة وقوة , لايمكن أن يكون له أثر يذكر ,مالم تكن هناك أرض ثابتة يتحرك عليها ,ورجال على شاكلته يسيرون معه لتحقيق الهدف المنشود

وأين يمكن أن نجد ذلك الشخص في ظل هؤلاء الحكام وهذه الأنظمة ؟

كنت أعيش في تركية لسنوات مضت (82-83-84) , كنا نستطيع شراء أي موظف حكومي بكيلو شاي مهربة أو بحفنة دولارات بسيطة جدا

وقدمت إليها هذه السنة ,فمن الصعب أن تقدم ولو هدية بسيطة لشرطي في الداخلية التركية

لابد من وجود سبب , وعلة الأمر تكمن, في أن الشعب التركي استطاع أن يحصل على حريته , واختار أناس وثقوا بهم وكانوا أهل ثقة لذلك , ورفعوا مكانة تركية لمصاف متقدمة من مصاف العالم المتقدم

وكعادتنا السابقة والحالية , نبحث عن بقعة ضوء بعيدة , وليس بمقدورنا إشعال المصباح الذي عندنا , مع أننا نملك معظم احتياطي وقود العالم

إن اوردغان والقيادة التركية لم ولن تقدم لنا مانحلم فيه

ولو أرادت ولكن ليس باستطاعتها تقديم شيء له قيمة مادية على أرض الواقع

فلا أشكك بالدور التركي , ولا يمتلكني الخوف من توجهاتهم تلك , وكم هو جميل أن نكسب دولة قوية لجانبنا

ولكن مانفع ذلك , عندما يكون الدعم يتجه باتجاه نفخ الروح في جسد ميت منذ زمن بعيد ؟

فلو كانت الأنظمة العربية تمتلك الإرادة القوية , وهذه الإرادة لن تكون موجودة مالم تكن تلك القيادات , تمثل شعبها بكل تفاصيل ألوانه ,وحريصة عليهم كحرصها على نفسها , وأنها مسؤولة أمام مواطنيها عن كل خطوة تتخطاها

لكانت إسرائيل الآن وضعت بين فكي كماشة , وكانت هي المستغيث بالعالم وليس قطاع غزه , هنا تكمن الإستفادة من كسب الأصدقاء

وليس كما نحن الآن

فلا مجال لنا كشعوب عربية إلا:

الثورة الشاملة والإطاحة بالواقع المر الذي نعيشه ,ليكون تعاوننا مع أصدقاء أقوياء بمصالح متبادلة بين الطرفين

لكي لانجد بعدها اكذب من شعيب