كيف نفهم الموقف الفرنسي من الحكومة الفلسطينية
كيف نفهم الموقف الفرنسي
من الحكومة الفلسطينية؟
أحمد الفلو /فلسطين
يتمحور الموقف الفرنسي الأخير بقرار وقف بث فضائية الأقصى حول فكرتين رئيسيتين
أولاهما الجذور الثقافية التاريخية المعادية للعرب والمسلمين و التي كانت
ومازالت تهيمن على تفكير وتوجهات القوى السياسية الفرنسية , وثانيهما ذلك
الإفراط في التبعية السياسية الفرنسية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية ، وبرز
أخيراً عامل آخر هو التحريض على العداء والقطيعة الذي تقوم به سلطة عباس والنظام
المصري ضد حركة حماس.
ولا يمكننا فهم المواقف السياسية الفرنسية إلا من خلال فهم المكونات الأساسية
للثقافة والتراث والأدب والتي تشكل بمجموعها المضمون الفكري والنمط المعرفي للدولة
الفرنسية شعباً و حكاماً , حيث ارتبطت المواقف العنصرية البغيضة لفرنسا بالمجابهات
والمواجهات عبر التاريخ وكونت ذلك الكم الهائل من الكراهية والحقد على العرب
والمسلمين , ولقد تم ترسيخ أحداث تاريخية مثل معركة بواتييه ومعركة رونسفو و
الحملات الصليبية الثمانية في أذهان الناشئة الفرنسية في المدارس والجامعات على
أنها ضمن(( أهم ثلاثين يوماً صنعت فرنسا )), وتمجد القضاء المبرم على الهمجية
الإسلامية والظلامية المحمدية والتي تعتبر مثل هذه الانتصارات ما هي إلاّ انتصار
للحضارة على الهمجية , وما زالت أخيلة وعقول الساسة الفرنسيين حتى يومنا هذا محشوة
بصورة العصابات الدموية الإسلامية المدمرة و المتوحشة وهي تتحطم أمام بسالة حماة
الصليب ودفاعات الفرنجة , وبسؤال بسيط جداً موجه لأي فرنسي من الذين يحملون بعض
الذكريات المدرسية: تأتي بواتييه عام 732 دائما في رأس قائمة التواريخ المعروفة إلى
جانب تتويج شارلمان عام 800م ومعركة مارينيان في 1515م.
يوضح ستيفان دنيس الصحافي في "لو فيغارو"، بكل هدوء أن ليس على الغرب أن يخجل من
الحملات الصليبية. وحجته الرئيسية ) (لم أسمع يوما عربيا يعتذر لأنه وصل إلى
بواتييه!)) أخيرا، وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة شاهدنا على جدران
المدن الفرنسية : "مارتيل 732، لوبن 2002" وهي كلمات تحمل مدلولات صليبية وعنصرية
ضد العرب والمسلمين , و في صف الأدب الفرنسي ((أغنية رولان)) من خلال سلسلة كتب "لاغارد
وميشار" الذائعة الصيت والقصة تروي بطولات الفارسين الكارولنجيين رولان وأوليفييه
في مواجهة العرب المتعصبين الذين يفوقونهما عددا. وإذا لم يكن هناك أحد يشكك في صحة
حدوث معركة رونسفو إلا أن المعروف منذ زمن طويل أن رولان سقط وهو يواجه محاربين من
الباسك وليس من العرب!! وقد كتب فيكتور هوغو في كتابه "أسطورة القرون": ((شاهد
الأتراك أمام القسطنطينية فارسا عملاقا/ درعه من الذهب الأخضر/ يتبعه أسد داجن/ كان
محمد الثاني تحت الأسوار/ نادى عليه: من أنت؟/ فقال العملاق: اسمي الجنازة/ وأنت
اسمك الهلاك/ اسمي تحت الشمس هو فرنسا/ سأعود في الضياء/ حاملا الخلاص والحرية)).
إن ثماني حملات صليبية متتالية استمرت أكثر من قرنين من الزمن قامت بها فرنسا بدور
قيادي وأساسي عبرت عن تفكير ظلامي حاقد كامن في لب الثقافة الفرنسية ومدلولات
مكوناتها ضد العرب والمسلمين ومحاولة تركيعهم وإذلالهم ومحو عقيدتهم الإسلامية من
الوجود و السعي إلى السيطرة على مقدساتهم في مكة والمدينة والقدس , وبعدها أتى
احتلال الجزائر عام 1830 وبقية دول المغرب العربي ومحاولات الاستيطان الفرنسي في
الجزائر وطمس وجود اللغة العربية والمعروف بالفرنسة , وهي الحرب التي كبدت الجزائر
مليون شهيد من أبنائها وكذلك احتلال الصومال و سوريا ولبنان , وكأن كل هذا الحقد
والتوحش لم يكن كافياً لفضح حقيقة أكذوبة مصطلح بلد الحرية , ويبدو أن المقصود بهذا
المصطلح هو حرية المواطن الفرنسي بالسير فوق جثث العرب و المسلمين , وقد بلغ
الاستعلاء واحتقار العرب إلى حد أن ترفض فرنسا حتى تقديم اعتذار شفهي عن المجازر
والفظائع ضد الإنسانية التي ارتكبتها في الجزائر في الوقت الذي تصدر التشريعات ضد
كل من ينكر الهولوكوست النازي لليهود وكذلك الإدعاء بوجود مجازر تركية ضد الأرمن ,
وهذا ما يؤكد وجهة النظر القائلة بأن فرنسا الصليبية الصهيونية تتخفي وراء شعار
فرنسا العلمانية.
لعل قرار وقف البث الأخير الذي اتخذته فرنسا ضد قناة الأقصى يكشف عن هشاشة الثقافة الفرنسية ومدى ضعف ركائزها، فكيف لبلد ضخم عريق الثقافة والمبادئ ويرفع شعار الحرية والمساواة كفرنسا أن يخاف من قناة فضائية تتحدث العربية وتتبنى قضية مقاومة عادلة وشعب مظلوم، فرنسا تلك التي تسمح للراهبات النصرانيات باللباس المحتشم بينما تمنع النساء المسلمات من الاحتشام، فرنسا التي أرسلت إلى أمريكا تمثال الحرية هي ذاتها فرنسا التي تحارب الحرية الآن وتساهم في التستر على الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وضد الشعوب العربية والمسلمة.
إن السياق التاريخي للأحداث يقودنا بسهولة إلى حقيقة أن فرنسا ما بين العامين 1954 – 1967 كانت المزود الرئيسي بنظم السلاح المتطورة لإسرائيل واتخذت حكومة فرنسا في ذلك الوقت سياسة مساعدة واسعة لإسرائيل، التي كان أعداؤها في ذلك الزمن أعداء فرنسا أيضا , كما أنها أنشأت مفاعل ديمونا في صحراء النقب وساعدت إسرائيل في مجال إنتاج الأسلحة الذرية , وكانت فرنسا من أوائل الدول التي وقفت ضد الخيار الشعبي الفلسطيني وضد الديمقراطية في فلسطين و شاركت في الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني وأرسلت فرقاطاتها إلى البحر المتوسط قبالة شواطئ غزة للمشاركة في الحصار البحري منذ عام 2006 م, وتطالب فرنسا بوضع الرقبة الفلسطينية تحت السكين الإسرائيلية وبالوضع الذي تراه اللجنة الرباعية مناسباً لذبح الفلسطينيين، أما الآن فإن فرنسا تمارس الدور التاريخي الصليبي ذاته ضد العرب والمسلمين وبدا ذلك واضحاً عندما أعلنت مقاطعتها التامة لوزراء حماس في حكومة الوحدة الوطنية2006م لا لشيء إنما لكونهم من حركة المقاومة الإسلامية, فرنسا التي طالما افتخرت بالحياة البرلمانية هي ذاتها فرنسا التي تنكرت لنتائج الانتخابات الفلسطينية النزيهة لكي تكسب رضا السيد الأمريكي الصهيوني فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه مولد الجمهورية الصليبية الصهيونية الفرنسية قريباً أم أنها ولدت فعلا ً؟.