البصرة...

البصرة...

بين صراع محتدم وأمن مفقود

د. ياسر سعد

[email protected]

في منتصف ديسمبر الماضي انسحبت القوات البريطانية من البصرة ثاني اكبر مدن العراق, المناسبة تمت في أجواء احتفالية حفلت بالخطب العصماء والكلمات المنمقة.  الجنرال جراهام بينز قائد القوات البريطانية في البصرة والمحافظ محمد مصبح الوائلي وقعا في ذلك الحفل المستندات الخاصة بتخلي البريطانيين عن المسؤولية الأمنية للحكومة العراقية بحضور مستشارها للأمن القومي موفق الربيعي الذي أكد من جهته استعداد حكومته الكامل لتحمل مسؤولية الأمن.  بينز قال خلال مراسم الاحتفال إنه دخل البصرة عام 2003 لتخليصها من أعدائها وإنه اليوم يعيدها لأصدقائها.

يفترض في البصرة أن تكون نموذجا يحتذى به لبقية المدن والمحافظات العراقية لجهة تسلم الملف الأمني وجني ثمار "تحرير" العراق من الدكتاتورية والانتقال به إلى ربيع الديمقراطية الأمريكية-البريطانية. البصرة عادت إلى واجهة الاهتمام الإعلامي مجددا, ولكن لتضيف حلقة جديدة في سلسلة طويلة من البراهين التي تكشف عمق المآسي التي صنعها الاحتلال والجرائم التي اقترفها بحق العراق وأهله.

فلقد تظاهر المئات من أنصار المجلس الأعلى ومنظمة بدر أمام قيادة شرطة البصرة، مطالبين القوى الأمنية بوضع حد لعمليات القتل والاغتيال والخطف التي تصاعدت في الآونة الأخيرة خصوصا بعد ما أعادت القوات البريطانية المدينة إلى أصدقائها حسب تصريح الجنرال بينز. حكيم المياحي رئيس المجلس الأمني في البصرة قال إن الجريمة المنظمة تستهدف العديد من المواطنين وبمختلف شرائحهم الاجتماعية محمّلا الحكومة العراقية وقوات الأمن في البصرة مسوؤلية تدهور الوضع الأمني فيها, متهما  قائد الشرطة العميد عبد الجليل خلف بنقل المئات من رجال الأمن إلى خارج المدينة جراء خلافات شخصية.

عدنان الياسري المسؤول في المجلس الأعلى الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم قال إن سبب القيام بالتظاهرة هو زيادة نسبة الجريمة وغياب القانون وارتفاع عمليات القتل والاختطاف والسلب والنهب, فالعائلات تخشى على أطفالها وبناتها، إذ لا يوجد أمن ولا استقرار، كما ارتفعت نسبة عمليات القتل العلنية وليس السرية حسب قوله, مطالبا الأجهزة الأمنية بتفعيل دورها للقضاء على هذه الجرائم، أو بإفساح الطريق لغيرها إن عجزت عن ذلك.

من ناحيته اتهم قائد شرطة البصرة اللواء الركن عبدالجليل خلف جهات بالسعي لإزاحته من منصبه تزامناً مع قرب الانتخابات المحلية لتخوفها من إجراء انتخابات نزيهة وعادلة، لأنه مستقل ولا يميل لأية جهة. واقترح اللواء خلف أن تسلم الأحزاب والعشائر والمليشيات السلاح الموجود لديها إلى السلطات الأمنية وأن تمنع جميع مظاهر التسلح والسيارات المظللة والتي لا تحمل أرقاما, مشددا على ضرورة عدم تدخل الجهات المشتركة في العملية السياسية بعمل الأجهزة الأمنية وتركها تعمل بمهنية خالصة وترقيم السيارات العائدة لها.

من جهة أخرى اتهم محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي في حديث تلفزيوني الشهر الماضي المخابرات الإيرانية بالتخطيط لاغتياله عن طريق القنصلية الإيرانية في البصرة, بعدها بأيام وفي مؤتمر صحفي في مبنى المحافظة عاد الوائلي وتراجع عن اتهاماته وقال إن القنصلية الإيرانية لم تحاول استهدافه مطلقا ولكنها قدمت له النصح فقط, وأن جميع العوائق وسوء الفهم أزيلت وسيكون العمل المشترك في المستقبل جادا ومثمرا، وأن العلاقات بين المحافظة والقنصلية الإيرانية ستكون متميزة وبناءة.

البصرة تحكمها الميليشيات ويتحكم بها سياسيو الاحتلال, والذين تتغير وتتقلب مواقفهم وتوجهاتهم كما تتقلب الرياح في اتجاهاتها. البصرة أمن مفقود وقانون غائب وسيارات غير مرقمة, وصراع على النفوذ بين ثلاثة تيارات شيعية هي التيار الصدري وحزب الفضيلة والمجلس الاسلامي الأعلى, فيما تحرك السلطات الإيرانية وتمسك بالخيوط المتشابكة وتحافظ على علاقات مؤثرة مع مختلف التيارات المتصارعة. تهريب النفط من البصرة وعبور السلاح والبضائع والمتسللين إليها أمر معتاد, المواطن البصري يدفع ثمن الواقع البائس غاليا من أمنه وكرامته وحاضره ومستقبله. الأمن الذي وعد به الربيعي لم يتحقق, وأصدقاء البصرة الذين تسلموها من البريطانيين شديدو القسوة عليها وقد أدمنوا على نهبها وتدميرها.