مبارك بعيون إسرائيلية
محمد عبد العزيز
كاتب إسرائيلي: مبارك الأكثر قربا لنتنياهو ولا يخشى مصافحته كأوباما!
مبارك حول مصر من بلد تابع إلى مستعمرة وبلد محتل!
هذه هي صورة "رئيس مصر" في عيون "أعداء مصر" والعصيان المدني هو الطريق الوحيد الصحيح.
دهشتي بما قرأته وسأرويه في هذا المقال ليست بسبب حداثة تلك المعلومات على مخيلتي فمعظمها إن لم تكن كلها أعلمها مسبقا، بل ربما يعلمها كل متابع للأحداث وأكاد أجزم أنه يعلمها معظم الشعب المصري. لكن دهشتي تركزت في تلك الجرأة البغيضة إلى حد أن تكشف الجرائد الإسرائيلية والبريطانية هذه المعلومات!
نحن أمام جريمة تاريخية بحق بلد كان طيلة العصور مركز المنطقة، بلد عميق الأثر في التاريخ .. استراتيجي الموقع في الجغرافيا .. مصر التي قال عنها نابليون بونابرت إنها أهم بلد في الدنيا، أما مصر في ظل حكم مبارك فسأكتفي بما كتبه "الأعداء" عنها في تلك الفترة السوداء من تاريخها!
أبدأ بما كتبه ألوف بن أحد كبار المحللين السياسيين في جريدة هاآرتس الإسرائيلية والمعروف عنه قربه من دوائر صنع القرار في إسرائيل، حيث كتب مقالا تحت عنوان "صلوات لسلامة مبارك" حمل في طياته كلمات من المدهش حقا أن تصدر عن كاتب إسرائيلي. يقول ألوف بن في هاآرتس أن الرئيس المصري حسني مبارك هو الرئيس الأكثر قربا لبنيامين نتنياهو مدللا ذلك بأن مبارك ونتنياهو التقيا أربع مرات منذ عودة نتنياهو الأخيرة للحكم بل الأكثر من ذلك أن مبارك في رأي الكاتب الإسرائيلي أكثر قربا لنتنياهو من باراك أوباما نفسه حيث أن مبارك – كما يقول ألوف بن – لا يخشى مصافحة نتنياهو أمام الكاميرات بينما يخشى ذلك أوباما نتيجة للخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول إيقاف الاستيطان!!
يستمر ألوف بن مؤكدا أن هناك تعاونا مصريا – إسرائيليا في فرض الحصار على قطاع غزة وإضعاف حكومة حماس هناك، وحول الرأي العام العالمي الذي أصبح متعاطفا مع القطاع المحاصر يشير الكاتب
أن بنيامين نتنياهو لا يرد على تلك الأصوات الغاضبة من الحصار الإسرائيلي على غزة بأن لها حدودا أخرى مع مصر، بل نتنياهو – كما يقول ألوف بن – على استعداد لامتصاص الانتقادات الدولية ضده والظهور بمظهر الشرير أمام العالم ولكن لا يغضب حليفه الأقوى حسني مبارك!!
وعن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) يتحدث الكاتب الإسرائيلي أنها تم توقيعها بعد أسابيع قليلة من سقوط شاه إيران – حليف إسرائيل القديم – ليتم بعد ذلك جعل مصر بدلا من إيران حليفة استراتيجية لإسرائيل وموردا رئيسيا للطاقة (بترول وغاز)، ويؤكد الكاتب الإسرائيلي أن مصر في عصر مبارك قامت بمنح إسرائيل دعما استراتيجيا وضمنت لها استقرارا أمنيا مما أدى إلى تخفيض الميزانية الأمنية لإسرائيل، وقلل من وضع قوة نظامية كبيرة في صحراء النقب الحدودية مع سيناء، ونتيجة لذلك تفرغت إسرائيل لقمع الانتفاضات في جوانب أخرى في الداخل سواء في الضفة أو غزة!. وينهي ألوف بن مقاله في هاآرتس بأمنية إسرائلية "غالية وحارة" وهي كما يقول "إطالة عمر مبارك للأبد ليبقى (معنا)" !!
وفي دراسة أخرى للكاتب البريطاني أدم شاتز نشرتها مجلة "لندن ريفيو بوكس" تحت عنوان نفس مبارك الأخير جاء فيها أن ما كان يقال بأن ما يحدث في مصر يؤثر في العالم لم يعد صحيحا. فالوضع تغير في عهد مبارك ولم يعد يحدث في مصر الكثير يمكنه التأثير في العالم العربي. لأن مصر – كما تقول الدراسة – تراجعت بقوة وأدى الفراغ الذي تركته مصر إلى دور أكبر لقوى إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران، وحتى قطر الصغيرة أصبح لها سياسة خارجية أكثر استقلالية بالنسبة لمصر.
ويقول الكاتب البريطاني أن كثير من العرب والمصريين أنفسهم يعتبرون مصر الرسمية دولة (عميلة) لأمريكا وإسرائيل اللتين تعتمدان على مبارك لضمان الاستقرار الإقليمي في إطار الصراع مع محور الممانعة التي تقوده إيران.
وتقول الدراسة أن حسين سالم وهو أحد المقربين من أسرة مبارك صاحب شركة شرق المتوسط للغاز التي تصدر الغاز المصري لإسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته منذ أوائل 2008م في الوقت الذي كانت إسرائيل تشدد الحصار على قطاع غزة!
هذه كانت مقتطفات من بعض رسائل المديح السامي من الإسرائيلين – المفروض أنهم أعداء – وحلفاؤهم في حق رئيس مصر حسني مبارك. وحين تتضح أمامنا هذه الحقائق على طريقة وشهد شاهد من أهلها – وما خفي كان أعظم – لا نبالغ إذا قلنا أن مبارك قد حكم بلدا في بداية عصره تابعا لأمريكا وإسرائيل بموجب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) فحولها مبارك إلى "مستعمرة" بالفعل لأمريكا وإسرائيل! .. نعم أصبحت مصر بلدا محتلا بالمعنى الكامل للكلمة فاستقلال القرار السياسي لا ينفصل عن استقلال الأرض.
تنازلات مبارك أمر طبيعي جدا لرئيس فقد أي تأييد شعبي وما بقى له فقط هو رضا أمريكا وإسرائيل عنه. ففي الوقت الذي تنهمر قصائد الغزل الإسرائيلية في عيون الرئيس مبارك تجد عامة المصريين في حالة بؤس كامل وقد ضاقوا من فترة حكمه التي تحولت إلى سرداب مظلم في تاريخ هذا البلد!
وتلك التنازلات لا تعد ولا تحصى فمن الصمت على اجتياح بيروت عام 1982م إلى المشاركة جنبا إلى جنب مع الجيش الأمريكي في حرب الخليج الأولى 1990 ضد العراق ثم السماح بعبور الطائرات الأمريكية من المجال الجوي المصري والبوارج الحربية من المياه الإقليمية عام 2003م في عملية احتلال العراق، ثم الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام معززا مكرما وأخيرا وليس أخرا المشاركة مع إسرائيل في حصار وتجويع قطاع غزة وبناء جدار فولاذي معها!!
فيا شعب مصر العظيم هذه هي صورة "رئيس مصر" في عيون "أعداء مصر" الصورة التي لخصها بنيامين أليعاذر وزير البنية التحتية الإسرائيلي وقائد وحدة شاكيد التي ارتكبت مجزرة بشعة في حق الأسرى المصريين عام 1967م حيث قال أن مبارك "(كنز) إسرائيل الاستراتيجي" !!
يا شعب مصر العظيم .. هل من طريق للخلاص؟! .. لم يعد ممكنا الصمت على كل تلك الجرائم في حق مصر وتاريخها .. وكل يوم يمر يؤكد عدم شرعية هذا النظام، ويؤكد أنه لا طريق صحيح يلوح في الأفق سوى العصيان المدني .. غدا ننتصر!