وقفات مع الخدمة الإلزامية في سوريا

وقفات مع الخدمة الإلزامية في سوريا

د.خالد الأحمد *

5

خدمة العلم نعني بها الخدمة العسكريـة الإلزاميــة ، المفروضة على كل مواطن سوري ( ذكر ) إذا بلغ الثامنة عشرة من العمر ....

ذكرت في الحلقة الأولى التربية العسكرية ، ومكانتها في المجتمع المسلم ، وعرضت في الحلقة الثانية مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) كما درستها في المرحلة الثانوية ، وذلك في دار المعلمين بحمص ( 1962 – 1965 م) ، ولابد من التنوية بأن مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) تمهيد للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا ، ثم تطرقت إلى لمحة تاريخية للخدمة الإلزامية في سوريا وسوف أستمر في هذه الحلقة بعرض صور معاصرة للخدمة العسكرية الالزامية في النظام الأسدي  ...

الســخرة لصالح الضباط الكبار :

كثير من الضباط الكبار في الجيش ( العقائدي ) الأسدي ،لهم مشاريع ضخمة مثل مزارع البرتقال ، أو الزيتون ، التي يعمل فيها عشرات المجندين ، طوال مدة خدمتهم الإلزاميـة ، وفي هذه المشاريع يقام فيها مبانـي حديدها وإسمنتها من مستودعات الجيش السوري ، وعمالها ( النجار والحداد والباطنجي والبلاط والسباك والكهربائي ....)من مجندي الخدمة الإلزامية في الجيش العقائدي الأسدي ...

وكثير من الضباط الكبار استصلحوا أراضي وعـرة مليئـة بالحجارة البازلتيـة السوداء في أماكن انتشار وحداتهم ، والأراضي فيها أملاك للدولـة ، والضباط الكبار هم أرباب الدولة ، والدولة لهم ، والمجندون عمال يخدمونهم ( ســخرة ) ، وأقاموا في هذه المناطق الوعرة مزارع لأشجار الفاكهة ، في أرض بكـر بازلتيـة خصبـة ...

إجـازات وهـدايــا :

أما الضباط الصغار ، فيرسلون أفراداً من وحداتهم في إجازات يقضونها بين أسرهم وذويهم ، ويعود المجند محملاً بالهدايا مثل [ تنكة سـمن عربي ثمنها بضعة آلاف ليرة سورية] ، أو خروف ( أيضاً ثمنه بضعة آلاف ) يذبحـه المجند في ريف حماة أو ريف حمص أو حوران ، وينظفه ، ويضعه في ( الفريزر ) بضع ساعات كي يجمد ، ثم يسافر بـه إلى بيت الضابط مباشرة في دمشق أو حولها ، كي يدخله ثلاجـة منزل الضابط الصغير ... أو ( تنكة جبن عربي من حماة أو حمص يصل ثمنها بضعة آلاف ليرة سورية ) ، والضابط الصغير يوزع هذه الخيرات على أقاربه المقربين ، وقد يبيع بعضها ، أو يقايض بها على مواد تموينية أخرى ، وفي النهاية يعيش هذا الضابط الصغير وأقاربه حياة مرفهة على خيرات سوريا الطبيعية مجاناً على حساب المجندين الفقراء ، الذين يستدينون في بعض الحالات لشراء ( الهديـة ) للضابط الصغير ....

ولمـا صارت ( الهدايـا ) أو ( الأتاوات ) ملازمـة للإجازات ، نقصت رغبة المجندين في طلب الإجازات ، ليخففوا عن أسرهم مشقة وعبء توفير المال لشراء هذه الهدايا الأتاوات ....حتى صار الضباط الصغار يدفعون المجندين ويحثونهم على هذه الإجازات ...

وحدثني أكثر من شخص أن الضابط فلان أرسل وراء العسكري فلان وقال : لِمَ لاتطلب إجازة ؟ ماعندك أم وأب ؟ فيرتبك العسكري الفقير ويحار في الجواب حتى يسبقه الضابط ويقول : لاتبخل علينا يكفي خروف واحد فقط هاته معك مذبوح ومنظف (( ثمن الخروف الواحد ( 2000 ـ 4000) ليرة سورية (40 ـ 80 ) دولار . وقد يكون دخل والد هذا العسكري لايزيد عن ثمن الخروف الواحد في الشهر الواحد )).

مصيبـة السـائق :

أما السائق في الخدمة العسكرية ، فصار مكلفاً بإصلاح سيارته العسكرية التي يعمل عيلها في الوحدة ، يصلحها في ورشـة مدنيـة ويدفع أجرة الإصلاح ، وثمن قطع الغيار من جيب والده المسكين ، حيث صار الضابط الكبير يبيـع قطع الغيار المخصصة لورشات الإصلاح العسكرية ، وتبقى هذه الورشات بدون عمل حقيقي ...

هذه بعض صور من المأساة في واقع الخدمة العسكرية الإلزامية المعاصرة ، كما هي في الجيش الأسدي ، وسوف أعرض في الحلقة القادمة البـدل النقـدي كما هو اليوم .

6

خدمـة العلم نعني بها الخدمـة العسكريـة الإلزامية ، المفروضة على كل مواطن سوري ( ذكر ) إذا بلغ الثامنة عشرة من العمر ....

ذكرت في الحلقة الأولى التربية العسكرية ، ومكانتها في المجتمع المسلم ، وعرضت في الحلقة الثانية مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) كما درستها في المرحلة الثانوية ، وذلك في دار المعلمين بحمص ( 1962 – 1965 م) ، ولابد من التنوية بأن مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) تمهيد للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا ، ثم تطرقت إلى لمحة تاريخية للخدمة الإلزامية في سوريا ، وصور معاصرة للخدمة العسكرية في النظام الأسدي ،وسوف أعرض في هذه الحلقة البدل النقدي عن الخدمة الإلزامية   ...

أصل البدل النقدي :

شرع البدل النقدي منذ الخمسينات ، ليتخلص أبناء الأسـر الثريـة من عبء الخدمة العسكرية ، وخاصة الأسـر ( السنية ) صاحبة الثـراء الواسع كالتجار الكبار في دمشق وحلب ، وكبار الإقطاعيين ، كانوا يأنفون من إرسال أولادهم إلى الجيش ، حتى لو كانت الكلية العسكرية ، وكان البدل النقدي (500) ليرة سورية فقط ، ثم أوقف دفع البدل النقدي بعد حرب (1967م) ، وبقي في حالات خاصة جداً لأبناء المسؤولين والمتنفذين الكبار حيث ، يعلم الشخص المعني ليجهز أوراقه ، ثم يصدر الأمر لمدة ساعات فقط ريثما يدفع ذلك الشخص المعني ، وقد يستفيد منه بضعة أشخاص من المقربين الذين عرفوا سـر اللعبة ...

البـدل النقـدي للمغتربيـن :

واستحدث قانون البدل النقدي للمغتربين منذ فترة قريبة ، ربما من الثمانينات ، عندما صار النهب والسلب علنياً لدى المسؤولين الكبار ، وخلاصته أن يقيم المواطن خمس سنوات في بلدان الخليج ، ويدفع خمسة آلاف دولار أمريكي بدلاً نقدياً عن خدمة العلم ...وصار كثير من الشباب السوري يخرج إلى دول الخليج للعمل ودفع البدل النقدي ، ليتخلص من الخدمة العسكرية حيث الإذلال كما في دورة الأغرار ، والاحتقار للمجندين ، وضباط الصف المجندين ، خاصة عندما يقارن وضعهم بالضباط العاملين ، وعليه أن يقدم سند إقامـة لشعبة التجنيد التي يتبع لها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الميلادي ، يثبت أنه موجود في بلدان الخليج ،وإذا غاب عن البلد أكثر من شهر أو شهرين لا أعرف بالضبط تخصم عليه من مدة السنوات الخمس ،حتى يصل إلى العام الخامس فيدفع البدل النقدي وقدره خمسة آلاف دولار أمريكي فقط ، تدفع في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح وزارة الدفاع السورية !!! والعجب كل العجب أن يكون حساب وزارة الدفاع السورية لدى بنك في الولايات المتحدة الأمريكية ( طبعاً تحت إشراف المخابرات المركزية الأمريكية ) ...

والمواطن المسكين يوفر ويحرم نفسه وأولاده وأسرته في سوريا التي تتتظر مساعدته ، يحرم هؤلاء كلهم خمس سنوات كي يتمكن من توفير خمسة آلاف دولار ، يدفعها في بنك أمريكي لصالح وزارة الدفاع السورية ....

ومنذ  أكثر من عشر سنوات متوسط راتب الوافد في بلدان الخليج يتراوح بين ألف وخمسائة ريال سعودي ، وثلاثة آلاف ريال للمهندسين والأطباء في بداية عملهم ، وهذا يعني أن هذا المواطن السوري الذي يعمل بألف وخمسمائة ريال سوف يسجن نفسه ويحرمها من معظم حقوقها ، وربما يحرم أولاده من حاجاتهم كي يوفر خمسمائة ريال شهرياً ، أي خمسة آلاف سنوياً ( تحذف الإجازة ) ، وبعد أربع سنوات يوفر خمسة آلاف دولار كي يدفعها لحساب وزارة الدفاع السورية في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية ، زعيمة الإمبريالية في العالم ، والشيطان الأكبر كما يقول الصفويون !!!

أما أولاد المهجرين قسرياً ، ويقيمون في دول الخليج ، فعليه أن يتخرج من الجامعة ، بعد أن يدفع له والده من (50) إلى ( 100) ألف ريال سعودي ، وكلامي قديم ، وربما الآن تضاعفت الأرقام ، وبعد تخرجه يعمل براتب من (2000) إلى ( 3000) آلاف ريال سعودي ، وعليه أن يتزوج وكل هذه الشريحة من الناس تعجل الزواج قبل دفع البدل النقدي ،  حرصاً على أن تعف أولادها وتصونهم ، ولذلك يتخلف أولادنا حسب أنظمة خدمة العلم في سوريا ، لأن وحدات الأمن لاتقبل وضعهم تحت الإشراف وهم طلاب ، ولاتعطى لهم سندات إقامة من بلد الخليج لأنهم يدرسون خارج بلد الخليج ، وبالتالي ليس أمامهم إلا التخلف عن الخدمة العسكرية ... وبعد الزواج والسيارة حيث يستنزف من الشاب السنوات الخمس الأولى على الأقل ، وبعدها يتمكن أولادنا من جمع خمسة آلاف دولار أمريكي لصالح وزارة الدفاع السورية تودع في بنك أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية عندما يقارب الخامسة والثلاثين من العمر ... وقبل بضع سنوات بعد أن يدفع تلك ( الأتاوة ) لايمنح جواز سـفر ، وكنت أقنع أولادي كي يدفعوا ، وكانوا يجادلوني لماذا ندفع إذا لانعطَ جواز سفر ، هل نحن أسرى !! أم مواطنون !! يطالبوننا بالخدمة العسكرية لأننا مواطنون ، فلماذا لايمنحونا جواز سـفر حيث يعطى لكل مواطن !!!؟؟ وقد تكررت هذه الظاهرة عشرات المرات في محيط إقامتي ، حيث يمنح أولادنا جواز سفر مادام مؤجلاً بسند إقامة ، حتى إذا دفع البدل النقدي ، حرم من جواز السفر وطولب بالنزول إلى سوريا !!! ولذلك أحجم بعض المواطنين عن دفع البدل النقدي ...  وكي لا أجحد الواقع الآن ـ والحمد لله ـ يعترف بالمهجرين القسريين أو الطوعيين ، كثلث مواطن ، ويمنحون جواز سفر لمدة سنتين ، وكثير منهم وجدها نعمة كبيرة من الله عزوجل ، ويدعون الله أن تدوم هذه النعمة ، وأن يعترف بهم كنصف مواطن على الأقل ....

ألفـان دولار فقط :

وقبل عام أو عامين صدر قانون جديد جريء ولصالح المواطن السوري ، وخاصة أولاد المهجرين القسريين أو الطوعيين ، وهو تخفيض البدل النقدي إلى ألفي دولار فقط ، لمن ولد في بلدان الخليج .... ومن المؤسف أن كثير من أولادالمهجرين القسـريين من مواليد ( 1980) أحضروهم معهم وأعمارهم بضعة شهور ،ومعظم المهجرين خرجوا من سوريا في عام (1980) ، وُيتـندر على مواليد ( 80) الآن وُيقال لهم : لو مكثتم في بطون أمهاتكم بضعة شهور زيادة ، لقبل منكم البدل النقدي ألفان دولار فقط ، لكن لأنكم ولدتم على تراب وطنكم الأصلي، ـ وكأنكم ارتكبتم جريمة تستحق الغرامة ـ فيجب عليكم أن تدفعوا خمسة آلاف دولار .... ويبدو أن هذه المكرمة جاء بها معالي وزير المغتربين ( بثينة شعبان ) بعد عدة لقاءات مع المواطنين في بلاد المهجر ، وبعد أن عرفت أن كثيراً منهم لايزورون بلدهم لأنهم لم يدفعوا البدل النقدي ، وأظن البدل النقدي في بلاد الغرب أكثر من خمسة آلاف دولار ، وربما يصل إلى خمسة عشر ألف دولار...

المرسوم (30) :

وفي 6/5/2007 صدر المرسوم (30) القاضي بتخفيض البدل النقدي للمولودين خارج سوريا إلى مبلغ رمزي فقط وهو (500) دولار فقط ... ولأولئك ( الذين أسرعوا بالخروج من بطون أمهاتهم ) خفض غرامتهم من خمسة آلاف دولار إلى ثلاثة آلاف دولار ، ويقال أنه سيأخذ عليهم تعهد أن لايستعجلوا مرة أخرى ، وأن يتريثوا ، فالعجلة من الشيطان ، و( وطول البال من الرحمن ) ..... 

ومن الجدير ذكره أن مدة الخدمة العسكرية في سوريا نقصت من (30) شهراً إلى (24) شهراً ، وهذا يستوجب ـ منطقياً ـ أن ينقص البدل النقدي ، وجاء المرسوم (30) محققاً للمنطق المتوقع في الظاهر ، وعسى أن لايكون مقدمة لإلغاء الخدمة العسكرية في سوريا إرضاء لأمريكا والصهاينة ....  ويتوقع كثير من الناس المتابعين لتلهف النظام الأسدي على المصالحة والتطبيع مع الصهاينة أن تلغى الخدمة العسكرية ، إذا اشترطت إسرائيل ذلك ، أو تخفف إلى سنة واحدة فقط ...وقد يكون هذا من شروط التطبيع التي يتذلل النظام الأسدي من أجلها ، كي يحفظ كرسي الحكم في دمشق ... وربما تطوى صفحة الخدمة العسكرية الإلزامية تماماً ، ويصبح جيلنـا الذي أدى الخدمــة العسكريــة قديماً جداً وقد يسـمى ( سـفر خدملك ) ...والله أعلم ...

7

خدمـة العلم نعني بها الخدمـة العسكريـة الإلزامية ، المفروضة على كل مواطن سوري ( ذكر ) إذا بلغ الثامنة عشرة من العمر ....

ذكرت في الحلقة الأولى التربية العسكرية ، ومكانتها في المجتمع المسلم ، وعرضت في الحلقة الثانية مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) كما درستها في المرحلة الثانوية ، وذلك في دار المعلمين بحمص ( 1962 – 1965 م) ، ولابد من التنوية بأن مادة التربية العسكرية ( الفتوة ) تمهيد للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا ، ثم تطرقت إلى لمحة تاريخية للخدمة الإلزامية في سوريا ، وصور معاصرة للخدمة العسكرية في النظام الأسدي ،والبدل النقدي عن الخدمة الإلزامية   ، وسوف أختم بخلاصة عن إيجابيات وسلبيات الخدمة الإلزامية في سوريا...

بعض الايجابيات :

1-     قال تعالى { وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ....} – الأنفال 60 – والقوة هي إعداد الرجال ، ثم العتاد ، وهذا أمر من الله عزوجل للمسلمين، لذلك اذكر أن الشباب المسلم – من جيلي – كانوا يلتحقون بخدمة العلم بنفوس راغبة وراضية ، ويقولون على الأقل نطبق حديث رسول الله r [ من مات ولم يغزُ أو يحدث نفسه بغزو ، فقد مات على شعبة من نفاق ] ـ صحيح مسلم رقم (5040) ... والخدمة العسكرية من باب ( يحدث نفسه بغزو ) ،  وكان الشباب المسلم مثلاً ممتازاً في خدمتهم العسكرية ...ومما هو جدير ذكره أن الشيخ الدكتور مصطفى البغا يحفظه الله – وكنت معه في دورة المشاة – حصل على ( ماجور ) أي الأول في الدورة ، وقبله الأخ محمد المصطفى يرحمه الله حصل على ماجور الدورة ، ووضعوه مدرباً في مدرسـة المشاة لمدة تقارب خمس سنوات ، مع أنه ( ملتحٍ ) ، وقمة في الأدب والجد والاجتهاد ، وأكاد أقول أن معظم الأوائل في دورات الضباط المجندين كانوا من الشباب المسلم ...

ومن واجبات المجتمع المسلم أن يدافع عن دينه ، وأرضـه وعرضه وماله ، ولابد أن يكون كل مواطن في المجتمع المسلم معداً لهذا الدفاع ...

2-     كما أن الخدمة العسكرية بكلياتها ومدارسها العسكرية ، تصنع الرجال ، جسدياً ونفسياً على الأقل ، وكيف أنسى أنني لمدة ثلاثة عشر شهراً ، كنت أمارس الرياضة البدنية ( العسكرية ) لمدة ساعة يومياً على الأقل ، وكان التحرك في ساحة المدرسة جرياً ، ولايجوز المشي ، وكنا نذهب جرياً في الطابور إلى المطعم ، فإذا كان الغداء لم يمـد بعد ، يقول الضابط المناوب للطالب الأسبوعي ، لف بهم ثلاث دورات ( جري طبعاً ) حول الساحة ثم هاتهم ... والآن في مرحلة الكهولة تستطيع أن تميز بسهولة من أدى خدمة العلم ، وخاصة في مدار س الضباط ، حيث تجد جسمه متماسكاً وصلباً ، والفضل لله عزوجل ....

3-     كما أن بعض المواطنين يتخرجون من الخدمة العسكرية في سوريا بعد أن أتقن مهنة ( قيادة السيارات )، أو تصليح السيارات ، أو المحاسبة ، ومثل ذلك ...

4-     امتصاص الشباب المتخرج حديثاً ولم يحصل على عمل ، وامتصاصه في الخدمة العسكرية ، كما في سوريا والجزائر ، وغيرهما خير من أن يبقى متسكعاً في الشوارع ، يضيق ذرعاً بالفراغ ، فيجره الفراغ إلى المشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية أحياناً ...

هذه بعض الايجابيات وهي أكثر مما ذكرت في هذه العجالة ، وأتمنى من القراء أن يكملوا هذه الايجابيات ....

1-              بعض الســليات :

أما السلبيات ، فقد كانت موجودة منذ تأسيس الخدمة العسكرية ، ثم تضاعفت خلال حكم النظام الأسدي ورفاقـه ،والذي يكاد يصل نصف قرن ، وهذه بعض السلبيات :

1-     يتوقف المواطن عن مباشرة حياته بشكل طبيعي ، ويبقى منتظراً قلقاً حتى ينتهي من الخدمة العسكرية ، وحتى الزواج يجب عليه أن يقدم كفيلاً لشعبة التجنيد ، يعيل زوجته خلال خدمته العسكرية ، وهذا مخالف للفطرة البشرية ، وللشريعة الإسلامية ، والمفروض أن نشجع على الزواج ، لمصلحة المجتمع ، ونساعد الشباب عليه ، ولانضع العقبات أمامهم ، إذا أرادوا أن يعفوا ويحصنوا أنفسهم ، لأن أي مشروع يقيمه سوف يتبخر أدراج الرياح عندما يلتحق المواطن صاحب المشروع بالخدمة العسكرية .

2-     أما دورة الأغــرار فالمدربون فيها يخالفون كل أسس المنطق والتربية ، ويذلون المواطن ويهينونه ، ويكفي استقباله في مركز النبك ، ليعيش بضعة أيام ريثما يفرز إلى وحدات التدريب ، هذه الأيام كافية لتمزق إرادته وحبـه للخدمة العسكرية ، البرد القارس ، ودورات المياه المصيبة ، التي لايتسحيل حلها ، لكن القائمين على الأمـر هم المصيبة نفسها ... ومن ينس تلك الأيام القاسية في حياته ، وفي مذكراتي كتبت عنها ماقاسـيته ، ثم قرأت في ( شاهد ومشهود ) أنواعاً من العذاب أشد وأقسى من النبك بآلاف المرات ....أجارنا الله من العذاب في الدنيا والآخرة ...

يريد المدربون في دورات الأغرار أن ينزعوا المواطن من حياته المدنية ، بقسوة وعنف و ( إرهاب ) ، فيذيقونه أقسى أنواع العذاب الجسدي والنفسي ، حتى أن بعضهم يقول : دورات المياه في النبك مقصودة وهي من لوازم التدريب ، حيث أن المواطن يخوض في الماء النجس الذي تطفو عليه النجاسات كي يصل إلى مكان يغلق الباب على نفسه ثم يقضي حاجته واقفاً وسط الماء النجس ... وأسأل الله أن لايرى هذا المنظر إنسان أي إنسان ...

ولا أكتم أنهم كانوا يراعون ( طلاب الضباط المجندين ) فيصرفوننا إلى بيوتنا ننتظر الفرز إلى وحدات التدريب ، وكنا ننام ليلة واحدة ، ثم تجدد لنا الإجازة كي نعود إلى بيوتنا ننتظر الفرز ، لكن هذه الليلة ...ليلاء صماء خرقاء ... لاتنسى مدى العمر ...

وكان المدربون يفرضون على المواطن في دورة الأغرار قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ، وخارجة عن أي منطق عسكري أو تربوي ، كأن يقولون لطالب الضابط المستجد في الكليات العسكرية : الطالب الضابط المتقدم ( أي الذي سبقه بستة شهور أو سنة ) هذا المتقدم ( كذا ) يقصدون كلمة كفر يالطيف ، يجب أن تطيعه ولاتخالف أمره ، وهكذا يخرج هؤلاء الطلاب المتقدمون ليلاً يتسلون إذا أرقوا ولم يجدوا النوم ، أو كانوا ( شبه سكارى ) ويطلبون بإذاعة الكلية ليلاً وفي كانون الأول أو الثاني الأصمين  : ( انتبه ...انتبه : جميع الطلاب الضباط المستجدين بالشورت إلى ساحة العلم خلال خمس دقائق ) ..وعليك أن تقوم ( في الواحدة أو الثانية ليلاً في قطنا )، وتخلع ثياب النوم وتبقى ب ( الشورت ) وعليك أن توقظ رفاقك الذين غطوا في نوم عميق ، لأن التفقد يطول ونحن واقفون باستعداد ، حتى يتعرف حضرة الطالب المتقدم على أسماء الغائبين – إن وجدوا – ويفضل أن يقدم الأسبوعي الصف بعدده الكامل لحضرة الطالب المتقدم ... كي تقل المصيبة قليلاً ويعود الأغرار إلى النوم ...

أما أن تقيس طول الساحة بعود الثقاب ، وأن تدفع جدار المدرسة قليلاً نحو اليمين أو اليسار ، فهذا من المضحك المبكي .... ومازالت زوجتي تراقبني عندما أتناول الطعام ، وتذكرني أن أمضغ جيداً ، فأقول : سبحان الله مازالت العادة التي أكسبوني إياها خلال ثلاثة عشر شهراً في دورة التدريب بكلية الاحتياط ، ندخل المطعم وقد ( هرانا ) الجوع من كثرة الجري ، ونرى الطعام اللذيذ يومها أمامنا ، ونحن في حالة الانتباه ( سكوت ) ثم يقول الضابط المناوب : بعد خمس دقائق الجميع خارج المطعم ... فنهجم على اللحم والأرز نبلعه بدون مضغ ، ونقول المعدة ستقوم بهذه المهمة ، ثم عرفت بعد أشهر أن بعضنا كان يضع اللحم في جيبه يأكله بعد الخروج من المطعم ...      أوأأ

 وخلاصة دورة الأغرار أنها نزع المواطن بالعنف من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية ، وهذا مخالف لقواعد علم النفس التربوي ...

وسنتابع بعض السلبيات في الحلقة القادمة وأهمها الخدمـة الاحتياطية ....

               

*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية