مشهدٌ من قصف البارحة
مشهدٌ من قصف البارحة
هنادي نصر الله
[email protected]
"اطمئني يا أماه القصف استهدف ورشة خالي محمد،ومن
حسن حظه أنه غادرها قبل نصف ساعة من عملية القصف الجبانة".
هكذا صرخت إحدى فتيات حارتي الصغيرات؛ليشقّ صراخها
البريء شوارع حيّنا الصغير(حي الزيتون) المعروف ببيوته المتلاصقة،وبكثافة سكانه
وكثرة أطفاله..
الأم وقتها هرولت مسرعةً وهي تُمسكُ صغارها وسط
ظلام الليل الدامس؛لتتأكد بنفسها من صدق رواية ابنتها الصغيرة،ولتعرف حقًا أن أخاها
لم يصب بمكروهٍ جسدي سوى أنّ تعب عمره وشقاه ذهب أدراج الرياح بصاروخٍ صهيوني حاقد
دكّ ورشته وسواها بالأرض...!
هذا ما سمعته بأذنيّ؛عويلُ الصراخ..استغاثة النساء
والأمهات اللواتي خرجنّ عن بكرة أبيهنّ للإطمئنان على فلذات أكبادهنّ...الرجال
أيضًا كان لهم نصيب بالغ من متابعة الحدث الجنوني الذي ارتكبته قوات الإحتلال
الغاشمة...
"لا حولّ ولا قوة إلا بالله"هذه ضريبة المقاومة
والثبات والجهاد،يجب أن نصبرّ ونعضّ على آلامنا"كلماتٌ تبادلها سكان الحي الغاضبون
الذين انتشروا وتجمهروا مكان القصف الجبان،وبعدها عادوا إلى بيوتهم وفي قرارة
أنفسهم حديثٌ بأن قصف ورشة الحدادة لن تكون آخر المطاف والعدوان؛فلازال العدو
الغاصب يتوعد ويهدد،ولازال رئيس السلطة الفلسطينية"محمود عباس" يتواطئُ مع الإحتلال
بصمته تارة..وشجبه لصواريخ المقاومة تارة أخرى..وبمشاركته الصريحة والعلنية في حصار
غزة الظالم...!!
حتمًا ما جرى في حي الزيتون،هو حلقة بسيطة من حلقات
المسلسل التراجيدي الذي يُعايشه أبناء القطاع المحاصر،رضعٌ يُقتلون،وأطفالٌ
يسقطون،أعداد الثكالى والأرامل في اذدياد،وأعداد المتضررين في اذدياد...
حصار غزة يجب أن يدخل موسوعة غينيس للأرقام
القياسية؛فهو حصارٌ في بشاعته وإحكامه غير مسبوق،إنه حصارٌ مؤلمٌ وموجعٌ،يجعلنا
نذرف الدموع رغمًا عن أنفنا،ومع هذا يجعلنا أكثر عنادًا وكبرياءًا وشموخًا وقوةً
وثباتًا؛فهل يعي قادة التمرغ والإنبطاح معنى الكرامة وهل يفهمون لغة العظماء من أهل
غزة الإباء؟!
وقبلّ أن أنهيّ حديثي في هذا المقام؛فإن أخذ الحيطة
والحذر مطلبٌ ديني ووطني يجب أن يضعه المجاهدون والمرابطون على الحدود وقادة
الفصائل والحكومة الفلسطينية وكل شريف مستهدفٌ من قبل الإحتلال نصبّ
أعينهم؛فالخسارة الكبيرة التي نتجت عن اغتيال الإحتلال لخمسة من كتائب القسام في
خانيونس؛يجب آلا تتكرر،لاسيما وأن المعلومات تشير إلى أن هؤلاء الشهداء قد تلقوا
تدريبات عسكرية في الخارج وكانوا قد عادوا من سفرهم قبل فترةٍ وجيزة...
مجاهدونا يتدربون ليدكوا حصون الطغاة وأوكار
الإحتلال؛لا ليعودوا كي يُقتلوا بنيرانه الغاشمة؛صحيحٌ أن الأعمار بيد الله وأنه لا
مفرّ من قضائه وقدره؛ومع هذا فإن الله تعالى قال"خذوا حذركم"ونبيه صلى الله عليه
وسلم قال أيضًا"اعقلها وتوكل"...
منتصف ليلة الأربعاء
27/2/2008م
21/صفر/1429هـ
"في المال ولا في العيال"عبارةٌ ترددت كثيرًا ليلة البارحة،خرجت من أبناء الحي
رجالهم ونساؤهم وأطفالهم وشيوخهم،كانت بمثابة البلسم الذي يُداوي بعضًا من جراحات
(آل فلفل) الذين تضرروا ماديًا بعد قصف قوات الإحتلال لورشة الحدادة التي
يملكونها...
ربما تسليطي الضوء لما حدثّ ليلة البارحة في حي الزيتون،نابعٌ من أنني عشتُ مأساة
القصف،وتألمت لألم الأبرياء الذين بكوا وصرخوا بقوة،والتصقت أجسادهم الغضة بأحضان
أمهاتهم علهمّ ينجونّ من آثار القصف وجبروت الإحتلال..