مفقودون

صلاح حميدة

[email protected]

أثناء تشييع الشهداء الأتراك التسعة أعلن رئيس جمعية الإغاثة التركية بولنت يرديم أنّه لا زال هناك الكثير من المفقودين وخاصّة من الاندونيسيين وغير الأندونيسيين، وطالب بالبحث عنهم ومعرفة مصيرهم، كما أعلن عدد من المتضامنين الأردنيين وغير الأردنيين أنّ عدد القتلى أكبر بكثير مما أعلن، بل أضافوا أنّ قراصنة المتوسّط كانوا يقيدون جثث الشهداء بالجرحى ويلقونهم في البحر.

تضارب أعداد الشهداء ما بين تسعة عشر وتسعة يثير الكثير من علامات الاستفهام؟ كما أنّ إعلان أحد محطّات التلفزة الايرانية عن فقدان مصور صحفي كان مع المتضامنين يثير تساؤلات  عن مصير هذا الشّخص؟ بل زادت تقارير أخرى وتيرة القلق عند الكثير من المؤسسات الحقوقية والاعلامية عن مصير عدد كبير من المتضامنين بعد إعلان الاحتلال عن عدد المتضامنين الذين سيفرج عنهم، وكان العدد المعلن أقل من العدد الذي ركب السفن بالعشرات؟ بل عزز السلوك الصهيوني في تفريق المتضامنين على العديد من الدّول عند إطلاقه لسراحهم من هذه الشّكوك؟ فلم يعدهم جميعاً من حيث أتوا بل فرّقهم وشتتهم حتى لا يعلم كم النّقص في العدد؟.

هذا التّعامل الغامض في التعامل مع الجرائم من قبل الصهاينة له خلفية تاريخية وبنيوية في السلوك الاجرامي وسلوك المجزرة الذي ترافق مع وصولهم لأرض فلسطين ومروراً بالمعارك التي خاضوها مع العرب معهم حتى اليوم، ففي عام 1948م وقعت مجزرة دير ياسين، والتي لا زال الكثير من فصولها غير معروفة حتى اليوم، ولا زال العدد الحقيقي للقتلى والمفقودين يتداخل بين  البحث والتخمين، وهذا عائد الى العدد الغير محدود من المفقودين الذين لا يعرف لهم أثر حتى يومنا هذا، بل حتى من عرف أنّه قتل في المعركة لم يعرف حتى اليوم ماذا فعل بجثّته من قبل العصابات الصّهيونية، ولا زالت الدّولة العبرية ترفض حتى اليوم الكشف عن الأرشيف الخاص بالمجزرة خوفاً من تبعات هذا الكشف، الذي سيكشف عن قبح المجازر التي اقترفوها بحق المدنيين الفلسطينيين الآمنين الذين لا زال الكثير منهم في عداد المفقودين.

لم  تنتهي قصة المفقودين منذ اثنين وستين عاماً، ولكن لكون المجازر التي كانت ترتكب بحق العرب كانت في مناطق بعيدة عن الصحافة والصحفيين، فقد بقيت طيّ الكتمان ولا تزال فصولها حتى اليوم غير معروفة، ولكن لمجزرة سفن الحرية خصوصية لم يحظ بها مفقودوا المجازر الأخرى، وهي أنّ ما تمّ على الهواء مباشرة، والكثير من الشّهود موجودون على قيد الحياة، بل لا زالت القضية تتفاعل، وسخّر لهذه القضية دولة لا تسامح من يعتدي ويقتل مواطنيها ويهين كرامتهم، بل حريصة على ملاحقته وجعله يدفع ثمن جرائمه.

هذه الخصوصية مع الكثير من العوامل الأخرى تحتاج من المنظمات الحقوقية والمعنيين بالمفقودين وما جرى من جرائم على السفن لا يعرفها النّاس حتى الآن، تحتاج لتركيز إعلامي وحقوقي ودولي، ولا بد من الإسراع في حصر أعداد المفقودين والقيام بحملة كبيرة للكشف عن مصيرهم، فأغلب الظّن أنّ المجرمين من قراصنة المتوسسط سعوا لسياستهم  القديمة الجديدة ( المفقودين) حتى يخففوا من وطأة العدد الكبير من القتلى في مجزرة أسطول الحرية، فقاموا بالتلاعب بالأرقام، ثم قاموا بتشتيت المتضامنين وأعلنوا عن عدد أقل بكثير من العدد الحقيقي لمن كانوا على متن السفن، فهل سيحظى المفقودون بالإهتمام اللازم؟.