لماذا لجنة التحقيق في استشهاد البرغوثي
بهاء فرح
[email protected]
بعد استشهاد الشيخ مجد البرغوثي، إمام مسجد كوبر، في أحد سجون جهاز المخابرات برام
الله، تعالت الدعوات المطالبة بلجنة تحقيق لمعرفة السبب الحقيقي الذي أدى إلى
وفاته. أولى هذه الدعوات وجهها رئيس السلطة محمود عباس لمعرفة سبب الوفاة ورفع
تقرير مفصل له بذلك، أعقبه مباشرة تقرير الطبيب الشرعي الذي قال إن سبب الوفاة كان
تضخم في عضلة القلب، وأنها وفاة طبيعية. ثم أعلن نواب في المجلس التشريعي من خارج
فتح وحماس عن تشكيل لجنة برلمانية محايدة للتحقيق في سبب الوفاة الحقيقي، بالإضافة
إلى مطالبة عائلته بلجنة محايدة ونزيهة لذلك.
ومع الاحترام للجنة المحايدة التي سيتم تشكيلها من أي طرف كان، ومحاولتها لكشف
الحقيقة للشعب الفلسطيني والعالم، إلا أنه يتبادر للذهن سؤال عفوي، أو أكثر من
سؤال، لماذا لجنة التحقيق؟، وما مدى تأثير التقرير الصادر عنها؟.
فيما يتعلق بتأثير تقرير لجنة تقصي الحقائق، فلا أظنه سيكون ذا تأثير كبير على
المستوى الرسمي، ربما يكشف حقيقة أمام الرأي العام، لكنه لن يؤدي إلى نتائج يطلبها
أهل الشهيد، مثل القصاص ممن قتل ابنهم دون جرم اقترفه.
فالسلطة لن تقبل حتما بأي تقرير لا تعتبره رسميا، وهي تعتبر أن تقرير الطبيب الشرعي
كافٍ ويوضح سبب الوفاة، ولن تعترف بالتقارير الصادرة عن لجان محايدة، خصوصا في ظل
الغياب الذي يعيشه المجلس التشريعي، والذي لن يمكنه من محاسبة المسؤولين عن قتل
البرغوثي إن أثبت التحقيق أنه قتل تحت التعذيب. وأيضا في ظل غياب الدور الحقيقي
لمؤسسات حقوق الإنسان في ملاحقة المتورطين في أحداث التعدي على القانون، وعلى
الحريات المفترض أن يتمتع بها المواطنون على كافة الأصعدة.
أما لماذا لجنة التحقيق؟، فهذا السؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين، فهل حادثة الوفاة
كانت غامضة الأسباب وتحتاج إلى تحقيق لا يعرف مداه، بحيث تنسى القضية من أذهان
الناس قبل الوصول إلى حقيقة، هذا إن تعاون جهاز المخابرات مع أي تحقيق، أو قدّم أي
معلومات تطلب منه، أو على الأقل لم يعترض سير التحقيق من خلال ملاحقة الشهود
وتهديدهم.
تقرير الطبيب الشرعي الذي قال أن الوفاة نتجت عن تضخم في عضلة القلب دحضه الدكتور
مصطفى البرغوثي الذي قال في المؤتمر الصحفي أن تضخم عضلة القلب ليس سببا للوفاة من
الناحية الطبية. أي أن أي شخص يمكن أن يتعرض لتضخم في عضلة قلبه ولكن ذلك لا يؤدي
إلى الوفاة المفاجئة، إذا لم تكن هناك عوامل أخرى ضاعفت من تدهور الحالة الصحية لدى
المريض وأدت لوفاته.
التقرير أيضا ذكر أن الشهيد البرغوثي كان مدخنا شرها، وأي شخص من أهالي القرية أو
حتى خارجها ممن يعرفون الشهيد، يعلمون يقينا أنه لم يحمل في حياته سيجارة، بل العكس
كان ينصح المدخنين بالكف عن ذلك، لما فيه من الحرمة الشرعية والآثار السلبية على
صحة المدخن والمحيطين به.
عدا عن ذلك، فقد كشفت جثة الشهيد عن حقائق كثيرة أكدت على تعرضه للتعذيب الشديد،
كدمات في مختلف أنحاء الجسم، وثقوب في رجليه يبدو أنها نتجت عن أسياخ حديدية غرزت
فيها، وآثار حروق على الظهر ربما استخدمت أدوات معدنية محماة فيها، ودماء وجروح في
اليدين ناتجة عن القيود التي وضعت فيها لفترات طويلة.
آثار التعذيب على جسده، وعلى جسد من كانوا برفقته في نفس الزنازين، أكبر دليل على
أن الوفاة لم تكن طبيعية، وأن عضلة قلبه ظلت سليمة حتى فارق الحياة، كما كانت سليمة
قبل اختطافه، وأنه فارق الحياة مشبوحا، وفي داخل زنزانة التوقيف، وليس في المستشفى،
كما روى الشهود ذلك أيضا.
لجنة التحقيق يجب أن تتشكل فورا، ولكن دورها ليس في معرفة أسباب الوفاة، وإن سعت
للتأكد من ذلك، فعليها أن لا تطيل بحثا، فالمعطيات أمامها واضحة جلية، ولكن الدور
الذي يجب أن تقوم به، هو أن تحقق في معرفة الجاني الحقيقي. المحققون ومن أعطوهم
الأوامر باستخدام هذه الأساليب في التحقيق، وحتى العساكر الذين مارسوا التعذيب
الوحشي، وتلقوا أوامر ونفذوها دون التفكير في أبعادها، وتقديمهم جميعا للمحاكمة،
وأخذ القصاص من كل من ساهم في هذه الحادثة المأساوية.
استشهاد الشيخ البرغوثي لن يكون الحادثة الأخيرة إذا لم يكن هناك تحرك حقيقي من
جهات رسمية، وأحزاب وتنظيمات، ومؤسسات حقوق إنسان لإنهاء وإغلاق ملف الاعتقال
السياسي، ثم تحرك شعبي للتعبير عن الغضب والرفض لهذا الاعتقال، والدفاع عن أبناء
شعبنا وحمايتهم من الخطر المحدق بهم، إذ صار الاعتقال والتعذيب على خلفية مقاومة
الاحتلال أو الانتماء الحزبي ظاهرة اعتيادية، لا يكاد يمر يوم دون أن تسجل فيه مثل
هذه الحالات.
إذا كانت الأجهزة الأمنية تسعى إلى حماية الأمن العام والنظام كما تقول، فعليها أن
تحميه أولا ممن يخالفون القانون ويتعدون على النظام فعلا، ثم من أولئك الذين يرفعون
التقارير ضد المجاهدين والمقاومين وحتى المواطن العادي الذي لا ينتمي لحزب، مقابل
حصوله على مبلغ مالي دون التدقيق في صدق المعلومات التي يقدمها هذا المندوب، والتي
ربما يكون ضحيتها شخص بريء، على غرار الشهيد البرغوثي.