مجلس الأمن .. الرهان الخاسر

همسة .....

د. لطفي زغلول /نابلس

[email protected]

 يبرر سيناريو التعاطي الاميركي مع الشكوى التي قدمتها تركيا والمجموعة العربية مؤخرا الى مجلس الامن على خلفية المجزرة الاسرائيلية في حق قافلة الحرية، يبرر فتح ملف هذا المجلس وتقليب صفحاته. فالحديث فلسطينيا وعربيا عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة ذو شجون وأشجان. ان حصيلة التجارب الفلسطينية بخاصة والعربية بعامة على خلفية تعاملها معه تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها كانت مريرة، وشكلت في غالبية المرات رهانـا خاسرا.

  على مدى خمسة وستين عاما هي عمر المنظمة الدولية ، يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي لم يحققا أي انجاز يذكر. فهما وان تمكنا في حين من الزمن من استصدار "قرارات الحد الأدنى لصالحهما"، الا انه وتحت ظلال الانظمة السياسية العربية لم يحظيا بقرار حاسم واحد على الصعيدين اللفظي والتنفيذي. لكن الاهم من ذلك كله أن أي قرار حظيا به لم يكن له على أية حال رصيد على ارض الواقع.

في التعامل مع مجلس الأمن يمكن رصد ثلاثة أشكال من القرارات هي نصيب العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة من هذا المجلس. الشكل الأول يتمثل في قرارات الحد الأدنى التي استهللنا بها، ومثالا لا حصرا القرارات "184، 191، 242 ،338" وهي تخص فلسطين. والقرار "425" وهو يخص لبنان . اذ يمكن القول انها لصالح القضية والعرب . الا انها لم تؤت اكلها حتى الآن.

وفي حالة القرار"425" القاضي بانسحاب اسرائيل من لبنان فقد تأخر اكثر من عشرين عاما. وفي الحقيقة ان الانسحاب لم يكن جراءه، ولا يمت اليه بصلة وانما كانت هناك دوافع اخرى جاءت على خلفية نضالات المقاومة في الجنوب اللبناني.

 اما الشكل الثاني من القرارات وهو هنا يخص القضية الفلسطينية وتداعياتها، فهو قرار واحد كررته الولايات المتحدة الاميركية تمثل في حق النقض "الفيتو" او التهديد باستخدامه. وعلى الارجح ان الفيتو هذا قد أصاب "عدة عصافير بحجر واحد". فمن جهة رمي هذا الحجر كان لحماية اسرائيل من الادانة والحيلولة دون تنفيذ ما ليس لها رغبة فيه كالمراقبين الدوليين، والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية معها، اضافة الى عدم تحميلها أوزار قرارات جديدة هي ترفضها بالاساس.

وبالتالي تبييض صفحتها منها، ذلك ان القرارات السابقة هي بمثابة تنغيص لها واحراج للولايات المتحدة الاميركية. واما من جهة اخرى فقد رمي هذا الحجر في وجوه كل الجهات عربية كانت او اسلامية او دولية اخرى بهدف احباط أي مسعى للنيل من اسرائيل كونها من منظور اميركي خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه.    

اما الشكل الثالث من القرارات فهو يخص القضايا العربية الاخرى، ومثالا لا حصرا  كل القرارات الصادرة ضد العراق وليبيا والسودان وغيرها. فهذه القرارات كان لها رصيد ضخم على أرض الواقع ونفذت بحذافيرها. وان الحديث عن قرارات مجلس الامن ضد العراق شعبا وهواء وسماء وارضا لا ينتهي ولو افردت له صفحات مجلدات. وهنا لا بد من التذكير بان في جعبة الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا "تشكيلة" من القرارات المعدة مسبقا والمعادية للعرب.

لقد اكتشف المواطن العربي منذ زمن بعيد ان مجلس الامن هو مجلس الاقوياء الذين نصبوا انفسهم اولياء امور على العالم وقضاياه. وفي حقيقة الامر ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي اصبحت الولايات المتحدة الاميركية هي القوة العظمى الاحادية القطب. وهي بالتالي المسيطرة على المنظمة الدولية والمتحكمة بمجلس امنها وكأنه اصبح جزءا لا يتجزأ من الادارة الاميركية. وان التعامل معه عربيا واسلاميا له محاذيره وأصبح له معايير اخرى غير تلك التي تأسس من اجلها.

وعودة الى الشكوى التي قدمتها المجموعة العربية وتركيا لمجلس الامن مؤخرا، والتي صفعها التعنت الأميركي، والإصرار على الدفاع عن إسرائيل دون هوادة. لم تحظ المجموعة العربية جراءه باكثر من بيان باهت، لا يدين إسرائيل بالإسم، لا يسمن ولا يغني من جوع .

وحقيقة الأمر ان الولايات المتحدة الاميركية لا تقيم لهذه المجموعة وزنا كونها أصلا غائبة عن ساحة القضية الفلسطينية ومقدساتها. فباستثناء دولة ايران الاسلامية وتركيا، فان القضية الفلسطينية بكل ابعادها لا تشكل هما سياسيا لدول هذه المجموعة .

وهي في اغلبها تسير في ركاب بيت الطاعة الاميركي ولا تخرج عن اطاره، أو تعصي لها أمرا، بل اكثر من ذلك فان لبعضها علاقات مميزة مع اسرائيل. واخيرا لا آخرا فان لها همومها ومشكلاتها الخاصة بها. ويقينا ان هذه المجموعة كانت تعلم مسبقا ان قرار الفيتو هو الرد عليها. ومع ذلك قدمت مشروعها الذي لا يحمل الا تفسيرا واحدا انه جاء ذرا للرماد في العيون، ورفعا للحرج امام جماهيرها، ومن قبيل رفع العتب ليس الا. وهي مبررات كافية للتصدي الاميركي لها وللانظمة العربية.

عربيا ان العلاقة مع مجلس الامن ومن تسيره كان يمكن لها ان تتخذ مسارا غير الذي تتخبط فيه ولا تجني سوى المواجهة والصد والفشل والاحباط وزوال هيبتها وتأثيرها امام جماهيرها. فالانظمة العربية تعلم علم اليقين ان التعامل مع مجلس الامن بوضعه الحالي، وبوضعها هي الحالي هو بمثابة "لجوء الايتام الى موائد اللئام". وهو العبث ومضيعة الجهود والالتفاف على ما يفترض وما يفرضه الواجب القومي تجاه كل قضية عربية وبخاصة القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات الاسلامية.

لقد سلكت الانظمة العربية ومعها الاسلامية مسار العجز والضعف والفرقة والاستجداء والاستعطاف، وهي تملك كل وسائل القوة والعزة والمنعة التي لم تقم بتفعيلها  او انها ترفض ذلك او حتى ترفض الاشارة لها في معرض علاقاتها مع الدول صاحبة القرار. وخلافا لذلك آثرت ولحاجة في نفوس اصحابها ان تسلك هذا المسار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وهو ذات المسار الذي ما زال يجر الوطن العربي القهقرى ، فبات في حال يرثى لها، لا يجيد الرهان. فمجلس الامن في حالته هذه رهان خاسر وأي خاسر.

 كلمة أخيرة.ان العالم العربي بامكانه ان يكون احد القوى الفاعلة والمؤثرة في السياسة العالمية خدمة لقضاياه واهدافه القومية. والامم المتحدة بمجلس امنها وجمعيتها العمومية ليست ساحة نزال للضعفاء، وان دبلوماسية الجري وراء استصدار المزيد من القرارت منها ايا كان لونها وشكلها هو العبث واللهث وراء السراب. ان العالم العربي وان كان لا يملك حق النقض "الفيتو"، الا ان ثروته ومقوماته الاخرى هي اعظم فيتو في وجه كل الطامعين به والمستهينين بمقدراته انسانا وارضا ومبادىء.