الحكمة يمانية حاضرة والحكمة الشامية غائبة
الحكمة يمانية حاضرة والحكمة الشامية غائبة
محمد فاروق الإمام
أصدر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم 22 أيار الحالي أمراً بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والصحافيين بدون استثناء، بهدف تهيئة المناخات السياسية والوطنية لاستكمال الحوار الوطني وفقا لاتفاق شباط 2009 الذي تم بين الحزب الحاكم وتجمع الأحزاب المعارضة.
وقد عُرف عن أهل اليمن حكمتهم في التعامل مع كل ما من شأنه رص الصفوف والتعالي عن الخلافات التي تفرق ولا تجمع وتضعف ولا تقوي، وتدفع إلى الصدام وتبعد عن اللقاء، فالكل ينظر إلى أن هناك الكثير مما يجمع بينهم ولا بد من الاتفاق عما يختلفون عليه ولو في منتصف الطريق حفاظاً على وحدة اليمن وأمن البلاد وسلامتها.
وقد كانت الحكمة اليمانية حاضرة عند نشوب أي خلاف أو صراع بين الأطياف السياسية اليمنية، فعقب الحرب الطاحنة عام 1994 بين الشمال الساعي إلى بقاء الوحدة، والجنوب الساعي لفصم هذه الوحدة ونقض غزلها، وبعد أن تم للشمال الوحدوي الانتصار على الجنوب الانفصالي، أصدر الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح مرسوماً بالعفو عن جميع حكام اليمن الجنوبيين الذين خاضوا ضد الشمال حرباً انفصالية راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح ومشرد، نهايك عن تبديد مئات الملايين من الدولارات كانت التنمية اليمنية أحق بها، واستثنى المرسوم عدداً من قادة الجنوب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ولكن الرئيس اليمني ما لبث بعد فترة وجيزة أن أصدر عفواً عن الجميع ورحب بعودة الجميع ليشاركوا في رسم السياسة الوطنية اليمنية، وليشكلوا معاً الجبهة الوطنية دون استثناء أو إقصاء أو نفي أو إبعاد أو تمييز بين عرق أو لون أو طيف أو مذهب أو دين.
وكتبت في حينها مقال حول ما حدث في اليمن من حرب خلفت دماء صبغت أرضه من الشمال إلى الجنوب، وكيف تغلبت الحكمة اليمانية على التعصب والخلاف والصراع من أجل وحدة اليمن وقيام جبهة وطنية حقيقية تضم كل النسيج الوطني اليمني دون استثناء بما فيهم أولئك الذين أشعلوا تلك الحرب وتسببوا بسفك كل هذه الدماء، واليوم تتكرر نفس الحالة وتتغلب الحكمة اليمانية، وأتساءل أين الحكمة الشامية وقد مضى على إقصاء وإبعاد مجمل الأطياف المعارضة السورية (يمينها ويسارها ووسطها) أكثر من أربعين عاماً دون أن يفكر النظام في دمشق ولو للحظة واحدة أن يراجع نفسه في موقفه من المعارضة الوطنية السورية التي أحوج ما يكون الوطن إليها وهو يتعرض لتهديد جاد ومبيت من عدو غاشم يتربص به ويتحين الفرصة للانقضاض عليه!!
المعارضة الوطنية السورية لا تستحق من النظام كل هذا الجفاء وإدارة الظهر ولم يكن بينها وبينه ما يدفع النظام إلى الإبقاء على جسد الوطن ممزقاً ومفككاً وهو ما فتئ يدعو إلى الصمود والتصدي والممانعة والتحدي، والشعب السوري والجماهير السورية تتساءل بحرقة وألم وخوف من المستقبل، كيف يكون الصمود والتصدي والممانعة والتحدي والنظام لا يقف على أرض صلبة مبنية على وحدة وطنية حقيقية تضم كل فسيفساء الوطن وأطيافه وأعراقه وأديانه ومذاهبه وتنوعاته الإيديولوجية والسياسية ليشترك الجميع في تحمل المسؤولية، لمواجهة الهجمة التي قد تكون عدواناً غاشماً لا يميز بين كل هذه الأطياف بما فيهم أهل الحكم من عدوانه إذا ما وقع لا سمح الله، وقد كان لهذا النظام تجربة مرة عندما قاد بمفرده سورية إلى حرب مدمرة عام 1967 وأضاع الجولان وبدد ثروات الوطن وأعاد سورية إلى عهد ما قبل الاستقلال ولم يستفد من تلك التجربة الأليمة فهاهو يكرر نفس الخطأ ويصر عليه!!
ويتساءل الشعب السوري والجماهير السورية بحرقة وألم وخوف من المستقبل وحالة العراق التي تدمي القلب لا تزال ماثلة أمامه، كيف يكون التصدي والصمود والتحدي والممانعة وقد قُوست قامات الرجال وانحنت هاماتهم وخوت بطونهم وعريت أجسادهم ونهبت جيوبهم وبددت ثرواتهم وغيب شبابهم ورجالاتهم خلف قضبان السجون والمعتقلات، وأذلوا وأهينوا وعذبوا حتى الموت، في بعض الحالات، في أقبية الأمن والمخابرات وغرف التحقيق المظلمة، وقد استأثر الحزب الحاكم وأشياعه بكل شرايين الحياة في الوطن، وقبض حيتان فساده على 95% من ثروات الوطن ومؤسساته الاقتصادية والمالية!؟