أية عروبة، أي مستقبل

افتتاحية النداء:

انتهت قبل يومين أعمال مؤتمر" العروبة والمستقبل "، الذي انعقد في دمشق بدعوة من د. نجاح العطار نائبة الرئيس السوري، وذلك ضمن سلسلة من المؤتمرات شبه السنوية، عقد منها سابقا مؤتمرا " العلاقات السورية  اللبنانية " و" تجديد الفكر القومي العربي".

المؤتمر الأخيرشارك فيه أكثر من 150 مفكرا وباحثا وسياسيا توافدوا من غالبية الاقطار العربية، بحثوا وتدارسوا وناقشوا قضية العروبة وما يتصل بها من خلال 16 محورا أو موضوعا، وذلك على مدى خمسة أيام بين 15 19 الشهر الجاري، وانتهوا إلى إعلان بيان ختامي لخّص ما اتفق عليه المؤتمرون، أوفي الحقيقة ما أمكن الإفصاح عنه من نقاشاتهم على جري العادات الرسمية !.

بطبيعة الحال، ذكر البيان أفكارا صحيحة عن تاريخ العروبة وواقع أقطارها وسياساتها، وكذلك عن الأخطار التي تتهددها، لامن أعدائها فحسب بل من أهلها والمنادين بها أيضا. أما مالم يتمكن من التصريح به فقد أو حى به بقوله " ان الكثيرين يرون أننا كما نكون تكون عروبتنا ولعل هذا الامر صحيح إلى حد بعيد، كما يرى كثيرون أن عروبتنا نحن ونحن عروبتنا وهذا صحيح أيضا. ومن هنا كان انقسام حاد في تفسير العروبة، فالعروبة تعبر عن أحلام شعوبنا العربية وطموحاتها وتؤسس إلى قطر متنور حكيم يسعى في ما يسعى اليه نحو مستقبل عروبي تتحقق فيه وحدة هذه الامة في سبيل المساهمة العميقة بالمشاركة في صناعة تاريخ بشري يسوده التقدم والعدالة والسلام"

هكذا سكت البيان، كما سكت المؤتمرون عن كونهم نجوم كلام يتكرر معظمهم في أمثال هذا المؤتمر وأشقائه، سواء في مؤتمري " العلاقات السورية  اللبنانية" و" تجديد الفكر القومي العربي" أو في "المؤتمر القومي العربي" وشبكة مؤتمريه الموازيين" القومي  الإسلامي " و" العربي العام ". كذلك سكتوا عن كون أغلبيتهم الساحقة ممن تجاوزوا الستين عاما من العمرأو أوغلوا في الكهولة. وفي كل ذلك انعزال عن الشباب وأصحاب الحق في صناعة المستقبل.

كما سكت المؤتمر أيضا عن دراسة مستقبل العروبة، بحسب شهادة الإعلامي المعروف محمد كريشان لصحيفة الثورة السورية، والذي استغرب عدم طرح أغلب المشاركين لأفكار جديدة أو تصورات خاصة فيما يتعلق بالمستقبل، وبذلك مضوا طويلا في مناقشة الماضي، فغرقوا في تفاصيله، والدوران كتلامذة فرق صوفية حول أمجاده .

وفي حين، تركزت مناقشات المؤتمر محقة على نقد الفكرة القومية التقليدية للعروبة، والقائمة على التصورالعرقي الحزبي، فسعت إلى تعميق الفكرة المعاصرة للعروبة والقائمة على التصور الديمقراطي، الذي يعترف بالأقليات وحقوقها على قاعدة المشاركة في المواطنة والتعاقد الاجتماعي. فقد لاحظ مراقبون أن المفارقة كانت كبيرة في سكوت المؤتمرين عن مضي مناقشاتهم على الطريقة الأفلاطونية، وكأنهم في برج عاجي معزول عن عاصمة تمتلئ سجونها بمعتقلي الرأي، ويقبع بعض زملائهم من المفكرين والكتاب والناشطين ( القياديين في ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ) في زنازينها على مبعدة كيلومترات فقط من فنادق الخمسة نجوم التي شهدت مناقشات مؤتمرهم.

لقد حفلت كلمة د. العطار في افتتاح المؤتمر بالكثير من المعاني والشعارات الطيبة حول" تحقيق وحدة الموقف والهدف والحرص على العمل المشترك من أجل تمتين الأواصر ودعم التضامن بين أقطارنا وإطلاق حوار فكري ثقافي سياسي عميق بناء ومتواصل يرسم بالرؤية القومية الشاملة الخطط الجذرية المرتبطة بالأهداف الراهنة والمستقبلية للأمة من أجل الارتقاء بها وبناء الغد العزيز لها وحماية حقوقها ووجودها معاً" وكذلك كانت كلمات أغلب المؤتمرين، فتركزت مشكلات العروبة في مواجهة التحديات الخارجية وتحدياتها وأخطارها، وقليلا ما توقفت عند مشكلات الداخل وما يواجهه مواطنوه من قهر وتعسف، عاكسا تراجع مشروع الدولة الوطنية إلى حكم سلطاني فاسد !.

أخيرا، وحتى لا تنضم ذاكرة هذا المؤتمر إلى سابقتها في أرشيف المؤتمرات، نظن أن من المفيد تذكر الحكمة الشعبية التي تقول : دوده من عوده! عندها سيكون من حقنا طرح سؤال: أية عروبة نريد، واي مستقبل نهدف؟