ليلة من ألف ليلة

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قالت الفتاة شهر زاد ، وهي تسامر الملك شهر يار :

بلغني أيها الملك السعيد ، ذو الرأي الرشيد ، أن شواهي ذات الدواهي ، حين عادت إلى بلاد الروم ، متلألئة مثل النجوم ، وقد حققت انتصاراتها ، في بلاد المسلمين ، وجمعت في يديها ثروات العرب الغافلين ، وألقت في مياههم بفيروسات الفتن ، واستقتطبت منهم رءوس النخب وصناع المحن ، وضمنت أنهم لن يقوموا بشيء يعكر السلام ، أو يثير بغيض الكلام ، وأنهم في صمتهم باقون ، وفي أحزانهم سادرون ؛ خطفت رجلها إلى الجزر الغربية ، حيث الأمة الإنجليزية ، تجري انتخابات شفافة ، بعيدا عن التزوير والهيافة ، و نجح المعارضون من حزب المحافظين ، وانهار الحكام من  حزب العاملين ، ولم يكن في ذلك ما يدعو إلى العجب ، ولا يدعو إلى عدم الصيام في رجب ، فالأمر في بلاد الأمم الباردة ، يعني المواطن قبل النخب الشاردة ، حيث يكون للمواطن أيا كان فكره ودينه ، رأيه الذي يجب احترامه وتقنينه ، ولا يعني أن يرسب الحاكم وينجح المعارض ، أن تقوم الدنيا وتشتعل الصحف وتقام المعارض ، وتنتشر الفوضى ولا تهدأ القوارض ، فالأمر في بلد احترام المواطن الإنجليزي الإنسان ، فوق كل شرطي وعسكري وقانون جبان .

وتعلم أيها الملك السعيد ، ذو الرأي الرشيد ، أن القوم في بلاد الاستعمار العتيد ، يحرصون أن يتفقوا على الهدف القريب والبعيد ، ويختلفوا على الأسلوب الذي يحقق الجديد ويحفظ التليد . ولذا سادوا وقادوا ، واستطاعوا أن يتفوقوا على أمة التوحيد .

مولاي .. إن القوم في بلاد الإنجليز والاستعمار ، اختاروا لقيادتهم شبابا يحكم البلاد والديار ، يجددون دماء حكامهم ، ويدفعون قوة جديدة في شرايينهم وأبدانهم ، إنهم يعملون ليل نهار ، لا يكفون عن بذل الجهد الجبار ، وهم يا مولاي لا ينامون عن تحقيق أهدافهم ، ولا يغفلون عن السعي من أجل مطالبهم ، ولذا كانت شواهي ذات الدواهي سعيدة باتفاق الأحزاب الثلاثة ، على تسليم وتسلم الحكم والرياسة ، وقبِل الحزب العتيد ، بالجلوس في مقاعد المعارضة ، وشكّل الحزب الكبير مع الحزب الصغير حكومة المفاوضة .. بينما يا مولاي تعيش بلاد الرافدين ، في كوميديا من فصلين ، أولهما أن رئيس الوزراء الحاكم ، يشتكي من تزوير الانتخابات في عصره القائم ، وبعد إعادة فرز ، وتقليب وعد وصبر طويل مثل جبال الأرز ، قال القضاة وأهل الحكمة ، إن الانتخابات سليمة النتائج وحق النعمة .ولكن الرئيس الحالي ، لا يحب أن يترك المكان الخالي ، ويريد أن يبقى على كرسي القيادة ، ولو ذهب على يديه الاستقلال والسيادة ، فالأمر ليس حرية وديمقراطية، ولكنه كرسي ومهلبية ، وليمت أهل السنة والشيعة ، فالموت صار سنة وشريعة ، ولا بأس عليه أن يحكم طالما كان في جسده نفس ، من صباح الدهر حتى الغلس .

والفصل الآخر يا مولاي يخص الديمقراطية والمهلبية ، فلا ديمقراطية في بلاد البؤس حقيقية ، إنها مجرد ديكور وجلابية ، مصر يا مه يا بهية ، أحوالك كلها فقر وظلم ومظهرية .

والمهم كما قالت شواهي ، أن تستمر في بلاد البؤس الدواهي ، فقد اطمأنت العجوز الحيزبون ، أن أنصارها في داخل بلاد العرب المغبون ، ينفذون سياستها ، و يتقنون مهمتها ، ويضحكون على شعوبهم التعيسة ، بكلام عن الحرية والهريسة ، ويصنعون انتخابات على امتداد البلاد ، ويحشدون لها ملايين العباد ، ولكنهم لا يسمحون لهم بالتصويت ، بل لا يمكنونهم من الترشيح ولو كان المرشح من العفاريت ، وفي كل الأحوال تزوّر النتائج ، وينجح الراسب الجاحد ، ولو لم يحصل على صوت واحد، فالمسألة من قبل ومن بعد ، تمثيلية تجلب للحكومة النظيفة السعد ، وبعدها تلطم المعارضة الخدود ، وتبكي على الحرية الضائعة بلا حدود ، والشعب مشغول بأمر الرغيف المسموم ، والمرتب الذي لا يبقى أياما أو يدوم ، وسبحان من له الحول والطول .. ربنا الحي القيوم .

وقد روت شواهي لأصحابها الإنجليز أصحاب الدواهي ، عن المناظر المألوفة الطريفة ، التي رأتها على أسوار مجالس النواب والوزراء الظريفة ، ورأت الاعتصامات العارية ، وأصوات المحتجين العالية ، وعرفت موقف المسئولين الخالدين ، من هؤلاء الغلابة المساكين ، وقولهم في الأروقة والميادين ، فليخبط المعتصمون رءوسهم في الطين !

مولاي .. استطال الليل ، وامتد الويل ، والشعب التعيس ، يصرخ في عذاب بئيس ، متى يا رب تنجينا ، من هذا القهر وتحيينا ، فقد فقدنا  الزيتون والتينا ، وها هو النيل يفارقنا مغاضبا حزينا ، لأن أهل المصب والمنبع ، استأسدوا على الشعب المسكين المروع ، فقد وجدوه بلا حكومة تعمل أو تزرع ، ولكنها مشغولة بأقدام اللاعبين والكرة ، والستات العوالم والغوازي في أرجاء المحروسة القاهرة ، وتجار الخردة والحديد ، يحكمونها بالضرائب والقهر الشديد ، ومن يرفع رأسه يا أخي فإن العصا الغليظة ، تنزل على رأسه الضعيفة ، وتبدد أحلامه وآماله الشفيفة ، وإذا كان من الذين يقولون "الإسلام هو الحل ‘ فإنهم يجعلون أيامه سوداء وسنواته مثل الزفت والخل ، وقد وظفوا جماعة من مثقفي الحظيرة ، يرتزقون من هجاء الإسلام والقيم الكبيرة ، فيشغلون الناس بهوامش الأمور ، ويكفون على القضايا الكبيرة ألف ماجور ، فمن حملتهم على الحجاب والنقاب ، إلى هجومهم على التربية الدينية الإسلامية و إسلام الشباب ، إلى إشغال الناس بما يسمونه حرية التعبير ، والإصرار على نشر الإلحاد والإباحية والتزوير ، فإنهم راحوا في كل يوم جديد ، يختلقون حكاية تثير البلبلة ويعيدونها من جديد ، وآخر ما جرى يا مولاي شهريار ، أنهم نشروا قصتي في ليالينا المليئة بالعجائب والآثار ، وأضافوا إليها ألفاظا بذيئة ، ومواقف مخجلة رديئة ، وادعوا أنها ذاكرة الأمة ، وكتابها من أفضل الأئمة ، وفي الوقت نفسه يروجون لإلغاء القرآن ، لأنه في زعمهم الكاذب بهتان ، يثير فتنة بين عنصري الأمة ، ويشيع التمييز والغمة ، مع أنه كلام رب العالمين ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بوصفه  الحق المبين ، ولكن ماذا نقول يا مولاي في زمن المرتزقة المتوقحين ؟

قبل أيام يا مولاي قام متمردون طائفيون متعصبون ، بتقديم بلاغ مليء بالكذب والطعون ، يتهم كاتبا يفترض انه قريب إليهم ، له أفضال وآلاء عليهم ، بازدراء السيد المسيح ، ويردد آيات القرآن بلسان فصيح  ولكن أبناء الحظيرة الثقافية ، غضوا الطرف وسكتوا عن جريمة التمرد الحقيقية ، وتركوا صاحبهم يلقى مصيره المجهول ، في تحقيقات قد تقصر وتطول ، ونسوا حرية التعبير ، والكلام عن رفض المحاذير ، وكشفوا أنفسهم جهارا نهارا ، ولم يخافوا عارا ولا شنارا ، وأثبتوا أن الحظيرة لا تهتم إلا بالعلف ، ولا يهمهم تعبير ولا فكر ولا خلف!

وصاح ديك الفجر في بغداد .. وقالت شهر زاد : مولاي .. وسكتت عن الكلام المباح وغير المباح !