لا.. لن ننسى مجازر حماة وأخواتها
د.محمد بسام يوسف*
ست وعشرون سنةً مرّت، مظلمةً كظلمة قلوب المجرمين الحاقدين الذين ارتكبوها، وما تزال المجزرة.. الجريمة.. المأساة.. ماثلةً في حدقات العيون، ومآقي الثكالى، ومُقَلِ الآباء والأمهات، وذاكرة شعبٍ عربيٍ مسلمٍ أصيل، صادرت إرادتَه وحرّيتَه حفنةٌ من اللصوص القتلة الطائفيين!..
مئتا ألف شهيدٍ وجريحٍ ومفقودٍ ومهجَّرٍ حمويّ.. من النساء والرجال والأطفال والعجائز والشيوخ، وما يزال القتلة المجرمون يأكلون ويشربون ويتنفّسون ويملأون الأرضَ جَوْراً وفساداً وفجوراً، وما يزال الضمير البشريّ مُجَمَّداً في ثلاّجات التجاهل والتواطؤ والصفقات وعدم المبالاة!..
لو كانت المبادئ النظيفة وروح العدالة تتحكّم بمن يهمّهم أمر شعبٍ عربيٍ مسلم، وبضمائر العُربان والطرشان والعميان والقُطعان.. فتدفعهم للوقوف موقفاً حُرّاً عزيزاً كريماً أصيلاً تجاه قَتَلة حماة.. لما ارتكب شارون وزبانيته جرائم صبرا وشاتيلا، ولما وصل جيش الرعاديد الصهاينة إلى بيروت، ولما صارت الجمهورية السورية وراثية، ولما تجرّأ رعديد كـ (بشار بن حافظ أسد) على أحرار (إعلان دمشق)، ولما تجرّأ مجرم فاشل كـ (أولمرت) على استباحة غزّة هاشم، ولما تطاول ليلُ الشام حتى اليوم، لتخيّمَ حُلكتُهُ على العراق وفلسطين ولبنان.. والعرب.. كل العرب!..
في حماة ومأساتها.. سقط الأسديون المجرمون.. وسقط معهم الطفيليون والوصوليون، من أرباع المثقّفين وتجّار المبادئ والدين، ومن سماسرة القومجيين ومُغفَّلي وفود الرقص على جراحنا، ومن أصحاب العمائم الزائفة وألسنة السوء الآمرة بمنكر الطغيان، ومن مدّاحي الطغاة وكَتَبَة البغي وعبيد الأرباب المزيّفين، الذين ما فتئوا يبيعون الوطنية والتنظير الفارغ في الصحف الصفراء وقنوات النفاق، فاقدين بوصلة الشرف والدين والمعيار الخُلُقيّ والإسلاميّ الحقيقيّ!..
لقد انتهك المجرمون الأسديون في حماة، كلَ ما يخطر على قلب بشرٍ من حقوق الإنسان.. فقتلوا، ودمّروا، وانتهكوا الأعراض، وعذَّبوا، وداهموا البيوت الآمنة، وسرقوا، ونهبوا، واعتدوا على المساجد والكنائس والمقدّسات، وهجّروا الأبرياء، وجوّعوا الأطفال، وأرهبوا النساء، وانتهكوا الكرامة الإنسانية، وسجنوا، وذبحوا على الهوية، وصادروا الأرزاق.. وكل ذلك وغيره لم يحرّك ضمير البشرية في القرن العشرين.. ولا في القرن الحادي والعشرين!..
لم يقتل الأعداء المجرمون السفّاحون: شارون وباراك ودايان وموفاز وبيغن ووايزمن وبيريز.. وأمثالهم من المجرمين.. لم يقتلوا –مجتمعين- ما قتله (حافظ أسد) وزبانيته ونظامه، من أبناء حماة والشعب السوريّ واللبنانيّ والعراقيّ والفلسطينيّ.. ولم يدمّروا ما دمَّرَه في حماة والمحافظات السورية، ولم يتمكّنوا من العبث بكرامة السوريين ووطنهم وحرّيتهم كما عبث ويعبث هذا النظام السوريّ الأسديّ.. ولم يذق الأطفال والنساء والطاعنون في السنّ من أولئك الصهاينة ما ذاقوه من نظام العار السوريّ.. ولم يُعذَّب أبناء سورية كما عذّبهم (حافظ أسد)، وكما يعذّبهم (بشار أسد) في سجون العار الأسديّ.. ولم يجرؤ شذّاذ الآفاق الصهاينة على الشعب السوريّ، إخفاءً وتهجيراً ونهباً وتدميراً وانتهاكاً للمقدّسات، كما تجرّأ حافظ أسد ويتجرّأ بشار أسد من بعده!..
ستبقى مجزرة حماة، المرتَكَبة في الفترة الواقعة ما بين تاريخ (2/2 إلى 4/3/1982م).. وصمةَ عارٍ في جبين الإنسانية، ومصدرَ قلقٍ في عقول الشرفاء، ودليلَ اندحارٍ لكل المبادئ الإنسانية.. ودافعاً قوياً لشعبنا، يدفعه بقوةٍ نحو انتزاع حقوقه من اللصوص القتلة الأسديين ومَن لفَّ لفّهم.. وتأكيداً ثابتاً على أنّ الحقوقَ تُنتَزَع انتزاعاً.. وأبداً لا تُمنَح!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام