وعود جورج  بوش

وعود جورج  بوش:

طبخ حصى على نار هادئة

يحيى السَّماوي

[email protected]

من اللافت للإنتباه ، ان الرؤساء الأمريكيين يتخذون من السنوات الأخيرة لولايتهم ، موسما لاطلاق التصريحات عن اعتزامهم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ... فهل تختلف تصريحات جورج بوش الإبن عن تصريحات سابقيه بما فيهم جورج بوش الأب وبيل كلينتون وسابقيهما ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه روتينا دأبت الادارات الامريكية المتعاقبة على انتهاجه تبعا للمناخ الانتخابي حينا ً ، وكإسفنجة ٍ لامتصاص ظاهرة الاستياء التي عمّت الأسرة الانسانية

ازدراءً لغطرسة ديناصورات البيت الابيض ؟

إذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة أن الرؤساء الأمريكيين غير مستعدين لـ " إزعاج "  ساسة اسرائيل والمحفل الصهيوني ، فإن النتيجة تقود الى الاعتقاد بأن بوش الإبن سيودع المكتب البيضاوي ، دون أن يفي بتعهده بإقامة الدولة الفلسطينية ، تأسيسا على حقيقة أن ساسة اسرائيل وحاخاماتهم  غير مستعدين أساسا لإقامة مثل هذه الدولة ، لأن إقامتها تتنافى وأهمّ المرتكزات الجوهرية للإستراتيجية الصهيونية ـ وهذه الركيزة هي : عدم الاعتراف بحدود ثابتة ، لأن فلسفة الحركة الصهيونية تستند الى فكرة استقطاب كل اليهود الموزعين في العالم ، لحملهم على الاقامة في اسرائيل، وبالتالي ،فالاعتراف بحدود اسرائيل ، يعني بالضرورة الاعتراف بحدود الدول المجاورة ـ وهذا ما يتناقض مع الهدف الاستراتيجي الصهيوني بإقامة دولة اسرائيل الكبرى  التي تستوعب كل اليهود في العالم والممتدة من النيل الى الفرات  ـ والمرموز لها بالخطين الأزرقين اللذين تتوسطهما نجمة داوود في العَـلـَم الرسمي لإسرائيل ( الذي يرفرف عاليا في اكثر من عاصمة عربية ) .

وتأكيدا لهذه الاستراتيجة في الفكر الصهيوني ، نذكر ما سبق وصرحت به " غولدا مائير " في خطابها داخل الكنيست بداية  تسنمها رئاسة الوزراء والذي جاء فيه : "  إن الحدود الصحيحة لاسرائيل هي الأماكن التي يقطن فيها اليهود وليس الخطوط المرسومة على الخرائط )  .. وهو نفس ما عبّر عنه " ييغال آرون " بقوله لصحيفة " ها آرتس " : ( إن على اسرائيل رسم حدودها وفق احتياجاتها للأمن ووفق ارتباطنا التاريخي بالبلد وامكاناتنا السياسية .. فحدود اسرائيل هي حدود سياسية وليست جغرافية )... وقبل غولدا  مائير و ييغال آرون ، كتب  " بن غوريون " في مؤلفه " بعث اسرائيل " : ( ليست المسألة احتفاظنا بالوضع الراهن .. إنما علينا أن نقيم دولة غير متجمدة .. دولة ديناميكية تتجه نحو التوسع ) .

  الأمر نفسه بالنسبة للساسة الاسرائيليين المعاصرين .. لعل البعض يتذكر ما قاله بنيامين نتنياهو في نوفمبر عام 1996 عند اجتماعه بالسفراء المعتمدين لدى اسرائيل ( وقد نشرت ها آ رتس فقرات طويلة من حديثه وأعادت نشرها صحف عربية بعد ترجمتها الى العربية ) ... فقد قال : ( انني ضد السيادة الفلسطينية وضد حق تقرير المصير لأن تلك السيادة وذلك الحق يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة ... نحن نسمح للفلسطينيين بإدارة شؤونهم الداخلية على أن تبقى اسرائيل وحدها الجهة المعنية بالأمن )

أما شيمون بيريز ، فإنه حين سألته وكالة رويتر عن رأيه بقول سلفه  " مناحيم بيغن ": ( لا يجب على اسرائيل تقديم خريطة حدود في أية مفاوضات مع العرب ) فكان جواب بيريز : ( إن اسرائيل ليست في عجلة من أمرها كي تصنع مثل هذه الخريطة ) ...

وتأسيسا على ما تقدم ، فالدولة الفلسطينية المستقلة والتي وعد جورج بوش  الابن بتحقيقها قبل مغادرته المكتب البيضاوي لن تتحقق هذا العام  .. وسيضاف وعده هذا الى عشرات الوعود التي سبق وأطلقها ـ بما في ذلك وعده بإقامة عراق ديمقراطي مزدهر ، فإذا به يمهّد لإقامة أرخبيل دويلات

طائفية متعددة بعدد ميليشياتها وحصصها من بقايا " السمكة العراقية " التي أكل لحمها ، تاركا الزعانف والعظام والقليل من اللحم في صحون " المائدة الطائفية " التي نجح النجّار بريمر بصنعها من خشب المحاصصة .

واهِمٌ مَنْ ينتظر حِـسـاءً لذيذا من قِدور المطبخ الخارجي الأمريكي ... فالقِدر المخصص لنا ـ نحن العراقيين والعرب وبقية شعوب العالم النائم  ـ مليء بالحصى ...أما القِدر المليء بالثريد  فمخصص لإسرائيل .