العُرب والترك والكرد

وغيرهم هم سواء تحت راية الإسلام

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

( تحت رعاية وزير الخارجية اليمني  عُُقد مؤتمر تحت عنوان مُناقشة البُعد التاريخي للعلاقات التركية اليمنية في جامعة العلوم والتكنولوجيا  بصنعاء؛ والذي حضره وفد كبير من الأكاديميين والمُتخصصين في التاريخ من الأتراك واليمنيين ، إضافة إلى عدد من سياسي البلد المُضيف ورؤساء الجامعات، والذي دُعيت إلية بصفتي مُتخصصاً بهذا المجال  ، حيث قدم المحاضرون أوراقهم ، وجميعها كان يدور حول محور ماقدمته الدولة العلية العثمانية المُباركة للإنسانية بشكل عام واليمن بشكل خاص ، ثُمّ تجاوزت الأُطروحات العلاقات الثُنائية التركية اليمنية ، إلى العُثمانية العربية والإسلامية والغربية ، نظراً لاحتكاك العثمانيين بالحضارات الأُخرى والعرقيات المتنوعة ، وخلصنا بالقول في نهاية المطاف حول موضوع البحث ، بأنه لابُدّ من إعادة النظر بالعلاقات التركية والعربية على أساس التآخي والمحبّة والندية ، ومد جسور التواصل والتعاون معها بما يخدم جميع الأطراف ، بعد أن تمكن الأتراك من تحجيم دور العسكر ، وإشاعة  أجواء الديمقراطية عندهم، وبالتالي لابدّ من مُعاونتها لتحقيق مآربها للوصول إلى ما تصبوا إليه الطبقة السياسية المُنتخبة من الازدهار والرقي ، بعد ان حققت القفزات النوعية في كل مناحي الحياة،ولكي تتمكن من إعادة الحقوق لأهلها ، لاسيما الأقليات العرقية فيها ، والتي نالها من الظلم ردحاً من الزمن ، كما نال جميع أبناء المجتمع التركي  الذي لازال يُعاني من بعض القوانين الجائرة بحق أبنائه)

ومن جملة ماتمّ التطرق إليه في المؤتمر التساؤل ، هل الحكم العثماني استعمار أم فتح ؟ فاختلف المُشاركون حول هذه المُصطلحات ، فالبعض وصفه بالاستعمار بمفهومه الاصطلاحي بمعنى إعادة الأعمار ، لأن تلك البلدان في ذلك الوقت كان يسودها الاضطراب والفوضى والجهل ، وبالتالي جاءت السلطة العثمانية لتصحيح الأوضاع ، ولكن هذا المصطلح طرأ عليه تغيرات عند احتلال الغرب لبلادنا وما ارتكبوه من الفظائع ومقاومتهم حتى طردهم ، تغيرت النظرة إليه ، وصار المفهوم مُستقبحاً ، وبالتالي صار من غير المُلائم إطلاقه على العثمانيين ، وبالتالي لابد حزفه من مناهج التدريس وإعادة صياغته من جديد، وبعضهم اعتبره فتحاً مُبيناً لمقصده بإعادة ترتيب البيت وتصحيحه ، ولكنني اعتبرته الامتداد الطبيعي لدولة الإسلام المُمتدة إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتغيير الذي لابدّ منه إذا طرأ على الأمم الضعف والخور والانزلاق نحو الانحدار ، وهي ليست خلافة بل هي مُلك متوارث حافظ على قيم الأُمّة وقوتها ومنعتها فاستحقّ الاستمرار لقرون طوال

وتعقيباً على نوع سلطتهم عسكريةً كانت أم مدنية ، توصل الحضور إلى  أنّ العسكر ما دخلوا قرية إلا أهلكوا فيها الحرث والنسل وهذا لاينطبق عليهم ،  ولذلك كان المصطلح النسب إطلاقه على سلطة العثمانيين ، بأنه نظام جهادي إسلامي حضاري ، أدرك أهمية القوّة المُسلحة لحماية المصالح والأهداف ، ، كما أدركتها في الوقت الحاضر الدول الكبرى ، فكانت تُدافع عن حياض الأوطان ضد أي اعتداء تتعرض له ، بل كانت تردّ الصاع صاعين لمن يدوس على طرفها أو كرامة أحد أبنائها، فهي سلطة مدنية أدركت البعد الحضاري فشجعت على العلم والتعلم ، ومراكز البحوث في كل المجالات ، وسنّت القوانين المُنظمة لأمور الحياة ، ولم تتوجه إلى الدول العربية والإسلامية لضمها إليها ، بل كان همّها اسقاط الدولة البيزنطينية التي لم تكف أذاها يوما عن بلاد المسلمين يوماً، فأعدّت لها الإعداد الأكمل لفتحها، ولكن تحالف البعض من الشرق الإسلامي مع الأوربيين على العثمانيين وعلى مصالح الأُمّة الإسلامية فيما بعد وخاصة الصفويون ، أدّى ذلك إلى تراجع العثمانيون عن التوغل في أُوربا الموغلة في الظلام لإخراجها من تخلفها ، والعمل على إنهاء حكم الممالك المتآمرة بعد أن طعنوها في الخلف ، وكان للعثمانيين ماارادوا ، وبذلك امتدت رقعة الأرض العُثمانية من حدود فرنسا وفينا إلى أقصى المغرب العربي ، ولم يشتكي من في داخلها طوال سنينها بظلم أو إجحاف إلاّ في آخر عهدها ، الذي تسلط عليه القوميين الأتراك ومزقوها كلّ مُمزق

ومما يجدر ذكره بهذا الصدد  نظرية ابن خلدون عن  الحضارات ومراحل نشوءها وتطورها ، ثُم انحدارها عند تخليها عن أسباب وجودها ، والمرحلة الأخيرة إلى أن وصلت إليها هذه الدولة استغرقت ستة قرون في حماية البلاد الإسلامية ،ولم يكن هذا الانحدار إلا  بسبب انبهار البعض بحضارة الغير والتخلي عن قيمنا الأصيلة وتقليدهم في القشور وليس في العلوم، فنهضوا وتراجعنا ، وتوحدوا وتفككنا ، وتحضروا وتقوقعنا على القيم الضيقة ، التي قال عنها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة" ففي تركيا فرض أتاتورك سياسة التتريك ، وبعض العروبيين قالوا بالقومية العربية فاضطهدوا الأقليات  الأخرى ، وسادت الجاهلية القديمة ، وكلٍ صار يُغنّي على ليلاه ، فانهارت الحضارة ، ليحلّ محلّها العصبيات والإثنيات والقبليات والشلليات ، وابتعد النّاس عن روح الإسلام في الرقي والتقدم ، مما أدى إلى الانهزام النفسي قبل الانهزام المادّي ، الذي أدّى إلى هزيمتنا في كل شيء وعدم قُدرتنا على النهوض

فالدولة العثمانية المجيدة لم تكن أبداً نظاماً عسكرياً بوليسياً إرهابيا ، لأنها لو  كانت كذلك لما استمرت ستة قرون ، ولأن الأنظمة العسكرية كما هو معروف لاتدوم طويلا، وفي الغالب تكون تلك الأنظمة  جبانة ومطواعة وعميلة ومُستاجرة ورعديدة  وإرهابية مجرمة ، تتعرض للاعتداء والهجوم كما هو النظام السوري ولا تستطيع أن تُطلق رصاصة واحدة بوجه العدو الإسرائيلي ، أو تكون حمقاء ومُغامرة ومع أول تجربة تُكتب نهايتها ، ولذلك وجب التمييز بين الحكم العثماني الإسلامي ، والحكم التركي القومي المُتخلف الذي سيطر على مفاصل الدولة العثمانية في آخر عهدها ، وأساء لكل من حوله  ، وكانت إساءته بالغة للعثمانيين عندما حكم باسمهم وارتكب الجرائم بحق الآخرين ، فاستغلّ أعداء الإسلام هذه التعديات لينالوا من مجد الدولة العلية ، فخابوا وخسئوا ، وهاهي تركيا من جديد تعود لنضارتها وصلاتها مع الآخرين في ظل قادتها الجُدد ، الذين اختارهم الشعب وخرجوا من رحمه ،ولكن شيء وحيد في الختام لابُدّ قوله من باب النقد البنّاء ، بأن الزمن لا يشفع لمن وضع يده مع الطُغاة كبشار أسد ، ولن يُبرر ضرب الآمنين الأكراد إن وُجد، وهذا ماوجب التنبيه إليه ليُكتب للحكام الجدد النجاح والمجد ، في إعادة بناء الدولة القوية بمُشاركة جميع أبنائها ، لأن التاريخ لايعرف العواطف بل يتعامل مع الواقع بكل تفاصيلة ، وهو ليس قُرآناً يُتلى بل هو اجتهاد وجهد بشري يُخطئ الناس فيه ويُصيبون ، ولكن السعيد من اتقى الأخطاء وعالج الأمور ومنع من استفحال المشاكل بل منع وجودها

وأخيراً أقول : أن هذا المؤتمر الأول الذي عقده الأكاديميين والهيئات العلمية في صنعاء سبق السياسيين في مدّ الجسور بين الشعوب والأوطان المُختلفة، وهو بأُطروحاته العميقة لم يحل الإشكالات التاريخية في المفاهيم والنظرات ومعرفة الداء، بل هو اقترب من معرفة المشاكل ليتم تشخيصها وتلافي الأخطاء ، لأن المُصيبة الكُبرى في عالمنا العربي والإسلامي أنهما مُصابان ولا يعرفان أنهما مُصابان ، وهما لايسألان عن العلاج لأنهما لايريدان  وهذه هي الطامة الكبرى.