الدب الروسي يثير القلق

الدب الروسي يثير القلق

سيان أكان ضدك أم معك !

د. أحمد الخميسي . كاتب مصري

[email protected]

 في 16 يناير الحالي نشرت صحيفة " موسكوفسكي كمسموليتس " مقالا للكاتبة أولجا جريكوفا بعنوان " روسيا تلجأ للسلاح من جديد " تقول فيه :

" للمرة الأولى منذ عام 1990 ستشارك الوحدات العسكرية الروسية في الاستعراض الذي يجري في الساحة الحمراء في 9 مايو بمناسبة الاحتفال بيوم النصر في الحرب العالمية الثانية . وكانت آخر مرة شاركت فيها وحدات عسكرية في احتفال كهذا هو في السابع من يناير عام 1990 ، ولم يتم استعراض القوة العسكرية بعد ذلك ما بين 1991 حتى 1994 بدعوى تقليص الميزانية . وعام 1995 بمناسبة مرور خمسين عاما على الانتصار على الفاشية أقيم استعراض ، وعام 1996 تجدد التقليد الخاص بإجراء تلك الاحتفالات في الساحة الحمراء لكن بدون مشاركة وحدات وأسلحة عسكرية " . وتضيف أولجا جريكوفا وفقا لمصادرها أن الاستعراض القادم سيشتمل: " على الأرجح على صواريخ " تول – م " الاستراتيجية بعيدة المدى مفخرة سلاح الصواريخ " . ولم تنقض عدة أيام إلا وظهر تصريح رسمي في 19 يناير الحالي لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال يوري بالويفسكي يقول فيه إن روسيا " لا تستبعد اللجوء إلي استخدام سلاحها النووي حفاظا على سيادتها وحماية لحلفائها " ! وهي المرة الأولى – بعد ستة عشر عاما من زوال أو إزالة الدولة السوفيتية – التي نسمع فيها تصريحا كهذا يشق سماء السياسة الدولية ملوحا باستخدام السلاح النووي . المرة الأولى منذ أبريل 1991 عندما لم يعد للحزب الشيوعي السوفيتي وجود رسمي  وتعين عليه أن يسجل نفسه باعتباره حزبا جديدا كأن شيئا لم يكن، وأن يدعو لبرنامج طبقه سبعين عاما ! وباختفاء الحزب والدولة فتح الطريق لحل حلف وارصو والتزام روسيا بسياسات السوق الحرة والخصخصة وانسحابها من كافة بؤر الصراع العالمي وانتقال روسيا بحقائبها وذكريات كفاحها إلي مبنى الرأسمالية الذي كرست من قبل كل طاقتها لهدمه. وظن الكثيرون حينذاك أن روسيا بتلك التحولات التي هزت نهاية القرن العشرين تلاشت كقوة على الساحة الدولية وأنها بعد اندماجها في ركب الرأسمالية لن تمثل خطرا ! وكانت أمريكا قد أدركت أن عداوة الدب الروسي باهظة الثمن ، لكنها لم تعي أن صداقته ليست بالمجان ، ولم تضع في حسبانها أن الدب الضخم سيظل يثير القلق بحجمه وثرواته ومصالحه وتأثيره سيان أكان ضدها أم معها ! ولم تكن روسيا في السنوات المنصرمة تبني قوتها العسكرية من جديد كما يقول البعض ، فقد ورثت تلك القوة من الاتحاد السوفيتي وحافظت عليها ، لكن روسيا كانت منهمكة في بناء اقتصادها الجديد وتعديل وضع قدميها للسير في اتجاه آخر. وما أن أخذت تمشي في الاتجاه الآخر ، حتى ظهرت في سياق جديد مشكلات حجمها ودورها وتأثيرها الذي لا يسعها التخلص منه ! ومؤخرا بدأت موسكو تدرك أن أمريكا حاصرتها وتحاصرها ليس لأنها كانت شيوعية ، لكن لأنها طرف دولي منافس ، سواء أكان شيوعيا أم رأسماليا ! ومن هنا ظهرت المشاريع الأمريكية لفصل جنوب روسيا ، والهيمنة على ما وراء القوقاز ، والسيطرة على دول آسيا الوسطى ، ودول الاتحاد السوفيتي السابق مثل أكرانيا وغيرها ، وتأزمت العلاقة بالمسعى الأمريكي مؤخرا لنشر درع صاروخي في أوروبا وتحديدا في تشيكوسلوفاكيا السابقة وبولندا ، الأمر الذي اعتبرته موسكو تهديدا عسكريا مباشرا على حدودها . وردا على ذلك قدمت روسيا في يوليو 2007 اقتراحات للعمل المشترك واستخدام محطات الإنذار المبكر في جنوب روسيا وغيرها بشكل مشترك ، لكن أمريكا رفضت كل مقترح يتعارض مع نشر الدرع . ولم يبق أمام روسيا – وقد ثبتت قدميها على الطريق الجديد – سوى التلويح بقوتها هذه المرة في وجه أصدقائها .

هذا التحول الروسي الملموس قد لا ينعكس سريعا على مواقف روسيا في العالم العربي ، فمازالت التصريحات الرسمية بشأن ما يدور في غزة تحمل طابعا متوازنا كالتصريح الذي أدلى به ميخائيل كامينين الناطق باسم الخارجية الروسية حين أكد قائلا : " إن روسيا تندد بالقصف الصاروخي على المدنيين الإسرائيليين من قطاع غزة وبإجراءات الرد الإسرائيلية " . لكن المكسب الحقيقي المؤقت محليا وعالميا من الموقف الروسي الجديد هو أن مساحات الهيمنة الأمريكية قد تتقلص بعد أن زمجر الدب الروسي موضحا أن صداقته قد لا تكون مكلفة بقدر عداوته لكنها مكلفة !