صنّاع الفتنة .. لن يربحوا كثيرا
صنّاع الفتنة .. لن يربحوا كثيرا !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
التحدي الذي أظهره رجل القروض الطائفي المتعصّب على شاشة التلفزة الرسمية ، وتهديده
بأنه " حيطلع دين اللي خلفوا " من يضايقه ؛ لن يجعله أو يجعل المتعصّبين من طائفته
يربحون كثيراً ، أو يكسبون أكثر .. بل العكس هو الصحيح .. وأتصوّر لو أن النار
اشتعلت : من الذي سيقدر على إطفائها ، بل حتى يحصى ضحاياها وخسائرها ؟
إن
الاستقواء بالشيطان الأكبر ، والاعتماد على المال في شراء بعض الصحف والأقلام
والأبواق الإعلامية والإصرار على تحدى إرادة الأغلبية الساحقة ودينها وثقافتها ، لن
يجدي فتيلاً ، ولن يحقق أهداف الأشرار التي يسعون إليها ..
وأود أن أذكر بما فعله البعض أيام الحملات الصليبية الأولى ، وخاصة في بلاد الشام
ومصر ، حين استغلوا وجود الغزاة واحتلالهم للأرض المقدسة ، فخانوا أشقاءهم
ومواطنيهم ، في الوقت الذي كان فيه البعض الآخر منهم يجاهد مع إخوانه المسلمين ،
ويموت دفاعاً عن الأرض والعرض .. الفريق الأول سجل له التاريخ خياناته وجرائمه ،
ولعل رواسب ما جرى منذ هذه الحملات مازالت قائمة حتى اليوم ، وخاصة في سوريا ولبنان
.. أما الفريق الآخر ، فقد سجل له التاريخ أيضاً جهاده وإخلاصه ، وفى كل الأحوال
ذهب الصليبيون الغزاة مدحورين ، ولم يبق إلا الأشقاء والوطن الذي يضم الناس جميعاً
.
ويوم جاء السفاح " نابليون بونابرت " ، وغزا مصر ، وربط خيوله في الأزهر الشريف ،
وقهر الناس ، وأذلهم ، تراءى لنفرٍ أن ينضموا إليه بقيادة " المعلم يعقوب حنا "
الذي خان وطنه وأمته وأهله ، وحاربهم ، وأطلق عليهم النار والبارود ، و " كرنك في
الرويعى " حسب تعبير جدّنا الشيخ " عبد الرحمن الجبرتي " ، أي تحصّن في منطقة
الرويعى القريبة من الأزهر ، وساعد الغزاة وقاتل إلى جانبهم ، وظن أنه والغزاة
سينتصرون وسيصير أميراً على البلاد والعباد ، ولكن الله أخزاه ، وخيّب ظنه ، فضل
مسعاه وكانت نهايته مع نهاية الغزاة ، مخزية وفاجعة ومُذلة ، وخرج مع المهزومين ،
ليموت في عرض البحر ، وتم حفظ جثته في دن من الخمر حتى لا تتعفن ثم أُلقى بها في
مدفن مجهول في مرسيليا !
غريب أمر هؤلاء الانتهازيين المتعصّبين ، الذين صارت غايتهم هي تشويه الإسلام ،
وتحقيره ، والتحرش بالمسلمين ، لسبب وآخر ، والإصرار على أن يخلع المسلمون إسلامهم
وعقيدتهم وثقافتهم وشريعتهم ..
ما
الذي يُضيرهم من الحجاب أو الجلباب ؟ وما الذي يضايقهم من اللغة العربية ؟ وما الذي
يقض مضاجعهم من قراءة القرآن أو نداء الأذان ؟ وهل التمسك بالإسلام يعنى العودة إلى
القرون الوسطى المظلمة ؟ ويُمثل ظلامية أو رجعية أو تخلفاً تجب مقاومته كما يكتب
بعضهم ؟
ما
معنى أن يتخصص محامون طائفيون متعصّبون في تعقب الكتّاب والمفكرين وأساتذة
الجامعات الذين يُدافعون عن الإسلام ، ورفع قضايا أمام المحاكم ضدهم ، لأن لهم
رأياً في هذا الموضوع أو ذاك ؟ ألم ينادوا بحرية التعبير والتفكير والاعتقاد ؟
لماذا إذاً يُحرّمون على المسلمين أن يفكروا وفقا لما جاء فى قرآنهم وسنّتهم ؟ هل
نلغى القرآن والسنة ؟
ثم
ما هذه القنوات الطائفية العديدة التي تُبث من قبرص وإيطاليا ولندن وبيروت وغيرها
ولا غاية لها إلا أن تهاجم الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - جهاراً نهاراً ؟
وما هذا الشخص البذيء الذي يُدعى " زكريا بطرس " ويرتدى ملابس الكهنوت ، ويُهاجم
الإسلام في وقاحة غير مسبوقة في التاريخ ، ويتنصل من يعنيهم الأمر من أفعاله - وهم
قادرون على وقفه لو أرادوا .. ويكفى أنه يعتمد في مواده التلفزيونية ، مع الدعم
المعنوي ، على ما يُقدم له من مصر ؟
ثم
ما هذه المواقع الإليكترونية بالمئات التي تسبّ الإسلام والمسلمين مباشرة ودون
تورية أو إبهام ؟
ثم
ما هذا الجيتو الذي حرّضوا عليه شبابهم داخل الكنائس والجامعات والمؤسسات المختلفة
؟
صارت الكنيسة وطناً للشباب يفصلهم عن الوطن الأم ، ويملؤهم تعصّباً وتميّزاً
وبُعداً عن نظرائهم ورفاقهم في الوطن – لدرجة أن بعضهم أوصاهم بعدم التبرع بالدم
لأنه يذهب للمسلمين !!
وصارت بعض أركان الجامعة مقراً أو معازل اختيارية للشباب الطائفي ، بعيداً عن
زملائهم وأقرانهم في الأقسام والتخصصات .. وصار الشباب الطائفي من الجنسين يحرص على
ارتداء الصلبان أو دقها على الأيدي أو تمييز ملابسه وأدواته وسيارته بالصليب ؟
لقد
قامت القيامة ، يوم وضع بعض الناس آيات قرآنية أو عبارات إسلامية على سياراتهم ،
وهب دراويش اليسار والعلمانية يتطوحون في حلقة ذكر بغير وضوء ، وينشدون أشعار "
الورقة الطائفية " ، ويتهمون المسلمين بالتطرف والعدوانية والظلامية واضطهاد الآخر
..
بالأمس القريب ظهرت أستاذة جامعية فاضلة هي الدكتورة " زينب عبد العزيز " ، أستاذ
الحضارة الفرنسية ، على شاشة أحد البرامج الحوارية ، وتحدثت السيدة الأستاذة بعلم
وموضوعية عن موقف الفاتيكان من المسلمين ، ومن بعض طوائف النصارى أنفسهم ، وهو موقف
عدواني تعصبي صليبي لا يمت للمسيحية الغرّاء بسبب ، ولا للمسيح بن مريم عليه السلام
بصلة ، فهبّت أقلام فاسدة ، وأبواق رخيصة تهاجم الأستاذة الفضلى ، والبرنامج ،
والقناة ، وقالوا أن المذيع صار من قيادات " الإخوان " ! وراحت هذه الأقلام تهدد
وتتوعد ، حتى كتاب الختان والعادة السرية والمثلية الجنسية ، وجدوا لهم مكاناً في
هذه الحملة التحريضية الخسيسة !
إنّ
صناع الفتنة الذين يعتقدون أن مصر هي وطنهم وحدهم ، وأن المسلمين غزاة يجب أن
يرحلوا منها ، ويتصوّرون أنهم يمكن أن يفعلوا مثلما فعل اليهود في فلسطين ، أو
المبشرون في جنوب السودان ، أو غيرهم في أماكن أخرى ، واهمون وضالون ، ويجب أن
يعودوا إلى الصواب ، لأن ذلك لن يحدث أبدا ، ولأنهم لن يربحوا كثيراً .
ولا
أظن أن بعض الأقلام التي تلعب بالورقة الطائفية ، أو تتحدث عن الغزو العربي لمصر ،
أو الهجمة البدوية العربية على مصر ، تخدم الوطن أو المواطنة أو التعايش .. يجب على
أصحابها أن يقولوا لمن يستقوى بعدوّ الأمة وأمواله : لقد أخطأت ، وهذا ليس الطريق
الصحيح .. فالأعداء لا تهمهم إلا مصلحتهم الخاصة وحدها ، وهم يلعبون على وتر
التفرقة والطائفية والعرقية والمذهبية ، بل استغل عملاؤهم الانتماء " الكروي "
ليفسدوا العلاقة بين الأشقاء ، ويورثوا الضغائن والأحقاد بين الجميع ليخلوا لهم
الميدان كي ينزحوا الثروات ، ويسيطروا على المصائر ، ويلعبوا بالأوطان ، وما جرى في
العراق – ولما يزل - ليس ببعيد ، وكان أول من دفع الثمن من عادوا إلى العراق على
ظهر الدبابات الصليبية العدوانية .. ولعل العقلاء يقنعون الطائفيين المتعصبين أن
الوطن مسئولية كل فرد فيه .