قانون الطوارئ بين القهر والاضطرار

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

كنت أنوي أن يكون موضوع مقالي اليومي حول ما تتعرض له سورية من ضغوطات من قبل الولايات المتحدة وتهديدات من الدولة العبرية، وعلى أهمية هذا الموضوع إلا أنني أمام الحراك السياسي المبهر الذي عم الشارع المصري الرافض لتمديد العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية الذي امتد لثلاثين عاماً.

فقد تابعت والملايين ما تناقلته وكالات الأنباء وما عرضته شاشات القنوات الفضائية عما شهده البرلمان المصري يوم الثلاثاء 11 أيار الحالي من مواجهة ساخنة، بعد أن أقر تمديد العمل بقانون الطوارئ لعامين آخرين، وسط معارضة شديدة داخل البرلمان وخارجه. وقد نجح النظام المصري في حشد أعضاء حزب الأغلبية الذين صوتوا بـ308 أصوات لصالح القانون ضد101 نددوا بالقانون.

وبينما كان رئيس الوزراء المصري نظيف يحفز نواب البرلمان للتصويت من أجل التمديد للقانون وعدم الالتفات لدعاوى قوى المعارضة كانت القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بتياراتها المختلفة بجانب عدد من النواب والقضاة والمحامين وأساتذة الجامعات وطلبتها تتظاهر أمام مجلس الشعب، وسط استنفار أمني غير مسبوق تنديداً بإصرار النظام تمديد قانون الطوارئ الذي تُحكم به مصر منذ ثلاثة عقود.

وأعلن المتظاهرون تدشين حملة سياسية جماهيرية تحت عنوان (كفاية طوارئ)، بهدف التصدي للقانون وكافة القوانين الاستثنائية والسلطات المطلقة لرئيس الجمهورية، مصدرين بياناً وقع عليه أكثر من 20 ممثلاً للقوى السياسية، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين وحركتا كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وأحزاب الغد والجبهة والكرامة والوسط و6 إبريل وبعض المراكز الحقوقية والعديد من أصحاب المدونات على الشبكة العنكبوتية.

كما ضجت منطقة وسط القاهرة بالهتافات المنددة بالنظام والقوى المستبدة التي تحكم بالحديد والنار، وردد المتظاهرون: (يا حاكمنا بالمباحث كل الشعب بظلمك حاسس) و(الانتفاضة الشعبية طريقنا للحرية).

كما هتف المتظاهرون (قانون الطوارئ باطل.. الحزب اللا ديمقراطي باطل(، وارتدى نواب مجلس الشعب الرافضون للتمديد شارة تحمل علم مصر مكتوباً عليها (لا للطوارئ)، وأعلن النائب الإخواني الدكتور محمد البلتاجي عن اعتزام 100 نائب تقديم بيان لمجلس الشعب يرفض تمديد القانون.

وقال الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين إن مبررات الحكومة لتمديد القانون واهية، موضحاً أن هدفه الرئيسي ملاحقة السياسيين وأصحاب الرأي. وأضاف إن قانون الطوارئ هو سلاح الحزب الوطني خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة مشدداً على أن النظام يرغب في تمديد القانون لإقصاء خصومه السياسيين وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين التي أذهلت النظام بشعبيتها الجارفة في الانتخابات البرلمانية السابقة.

وقال الدكتور حسن نافعة منسق الجمعية الوطنية للتغيير إن أول من يطبق عليهم قانون الطوارئ هم نشطاء المعارضة وممارسو العمل السياسي من القوى السياسية الشعبية، بينما يتجنب النظام استخدام قانون الطوارئ في مواجهة أحزاب المعارضة الرسمية التي تربطها علاقات متينة مع الحزب الحاكم وقياداته.

وأضاف نافعة أن الحركات الاحتجاجية الناهضة التي أصبحت هي قوى التغيير الأكثر مصداقية في التعبير عن مطالب المصريين لن تنخدع أمام ما يروجه رموز الحكومة عن وقف اعتقال السياسيين بموجب قانون الطوارئ. فيما أعلن الدكتور أيمن نور مؤسس حزب الغد رفض المعارضة تمديد القانون. وأشار إلى أن الحكومة بدون ذلك القانون سيئ السمعة لن تستطيع أن تصمد يوماً واحداً.

ومن المعروف أن الحكومات تقدم على إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، عندما تواجه البلاد أزمات كبيرة أو كوارث طبيعية مدمرة، أو حروبا عدوانية تشن عليها، تتطلب تعليق العمل بالدستور للتحرر من أي قيود أو معوقات، تحول دون تعاطيها مع هذه الأزمات بحرية ويسر. وتتساوى في هذه الحالة حكومات الدول المتقدمة أو المتخلفة، لفترة زمنية محدودة حتى انقشاع الخطر أو وقف العدوان.

إلا أن الأنظمة الشمولية التي ابتليت بها معظم بلداننا العربية التي أتت إلى الحكم عبر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني، وهي تعرف أنها في عملها هذا لن تحصل على الشرعية في حكمها، فلم تجد مظلة لها إلا قانون الطوارئ والأحكام العرفية لتستظل به في مواجهة الشعب ونخبه الفكرية والثقافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني.

ومن المفارقة أن النظام البعثي الحاكم عندنا في سورية قد دخل – عن جدارة - موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية، من حيث امتداد فترة حكمه بالطوارئ لأكثر من سبع وأربعين عاماً متتالية، ودون أي مسوغ للعمل بهذا القانون، بدليل أن الجبهة السورية مع العدو الصهيوني لم يعكر صفو جوها الربيعي الدافئ طلقة واحدة منذ العام 1974 بعد توقيع سورية اتفاقية فك الاشتباك مع الدولة العبرية في الكيلو (54) عام 1974.

لقد ارتبط قانون الطوارئ في عهد حزب البعث الشمولي الحاكم في سورية أكثر من أي نظام عربي آخر في تاريخ سورية منذ الاستقلال عام 1945، كما أضاف إلى قانون الطوارئ السيئ السمعة قوانين استثنائية جائرة لم يسبقه أحد إلى سنها كالقانون رقم (49/1980) الذي يحكم على أي منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، وقد حول حزب البعث حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية في سورية إلى (ثقافة) ، من أبرز عناوينها إطلاق يد رجال الأمن المتعددة الأجهزة (17 جهاز) باعتقال وتعذيب وتصفية كل معارض يقول لا لنظام البعث الشمولي الحاكم.

فالأرقام التي يتداولها الناس في سورية حول الألوف الذين قضوا على يد أجهزة المخابرات أو اختفوا أو أمضوا عقوداً داخل الأقبية والسجون والمعتقلات، ولا يزال بعضهم خلف القضبان منذ ما يزيد على ثلاثين سنة دون محاكمة أو توجيه أي تهمة إليهم شيء مرعب ومخيف.

إن ما نشهده من حراك سياسي للجماهير المصرية وعلى مختلف المستويات الفكرية والثقافية وفي مقدمتهم أعضاء في مجلس الشعب وقضاة وأساتذة جامعات ومحامين وشباب ورموز وطنية معارضين لقانون الطوارئ، قد تكون حالة صحية تحفذ باقي النخب العربية المقهورة بقانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية لتحذو حذوها وتنتفض في وجه أنظمتها التي استمرأت قهر الجماهير وابتزازهم وإرهابهم وإفسادهم وتفقيرهم وتجويعهم واعتقالهم وسجنهم وتعذيبهم وتغييبهم وتصفيتهم لعقود طويلة.