سرقوا الصندوق
د. انتصار شعير
الإسكندرية ـ مصر
يحكى أنه كان فى بلد من بلاد العجائب شاهبندر للتجار ، طالع نازل منشار ، عنده المال بالقنطار ، فلما أصبح من الناس الكبار ، أرسل مع صبي من صبيانه الشطار ، صندوقا كبيرا فيه الذهب بالقناطير ، وعليه قفل وجنزير ، وأعطاه مفتاحه القصدير ، وأمره يذهب فى الحال لقصر الأمير ، يسلمه الصندوق ويتسلم بضاعة من أغلى أنواع الحرير ، لكن ياخسارة طلعوا عليه عصابة سرقوا الصندوق الكبير ، ورغم ذلك رجع الصبى الصغير وهو فرحان ، يحكى الحكاية ، ويقول : ’’ سرقوا الصندوق يا معلم لكن مفتاحه معايا ، لازم يرجعوه لكى يعرفوا يفتحوه " ، وياسلام على الذكاوة ... وتوتة توتة خلصت الحدوتة ... حلوة ولا ملتوتة ؟
أعتذر إن كان في هذه القصة نوع من الاستخفاف , لكن الواقع يقول : هكذا تستخف الدولة بعقول مواطنيها , فالصندوق الانتخابى هو الوسيلة العملية الوحيدة لتطبيق الديمقراطية على أرض الواقع , وهو المقياس الحقيقي لإرادة الشعب ... ولكن أين هذا الصندوق ؟
إن جوهر الديمقراطية ومقومها الأساسي الذي تتحقق بوجوده ، ولا تقوم لها قائمة فى غيابه هو أن تكون إرادة الشعب مناط سلطة الحكم ، كما تنص على ذلك المادة 21 من الميثاق العالمى لحقوق الإنسان . أى أن تكون المؤسسات المنبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة من { برلمان وحكومة } هى صاحبة السلطة الفعلية فى التوجيه والتشريع ، والتقرير والتنفيذ ، وتخضع للمساءلة والمحاسبة عن تدبيرها لمختلف مجالات الشأن العام .
وهذا يجعلنا نعود مرة أخرى إلى الصندوق الانتخابى ، لنرى ماهو حال هذا الصندوق فى ظل غياب الإشراف القضائى ؟ , ما هو حال هذا الصندوق والأمن المركزي يحول بين وصول الناخبين إلى الصندوق الانتخابى ؟ , إلى أين تسير العملية الانتخابية وهذا الصندوق تعبث به أذرع الحزب الحاكم فى كل مكان ؟ ما هو الضمان الحقيقى لشفافية الانتخابات ونزاهتها فى ظل الأوضاع الراهنة من اعتفالات وكبت حريات ؟ من يوقف تهافت الحزب الحاكم على الحصيلة العددية للمقاعد فى أي انتخابات ، وبشخصيات ينحصر تأثيرها ونفوذها فيما تمتلكه من أموال بمعزلٍ عن أية رؤية سياسية مستقبلية واضحة ؟
مما لاشك فيه أن إصلاح الميدان السياسي ورفع أدوات القهر والقمع هو البداية الصحيحة التى توفر فرص نجاح عملية الإصلاح بأبعاده المختلفة , فالإنسان يتميز بأنه يفكر وبفكره يحقق التقدم والارتقاء , ولا يمكن للفكر أن يؤدي وظيفته إلا فى مناخ الحرية وبالتالي فإن تقييد حرية التعبير يدخل فى نطاق الاستبداد الذى يؤدي للجمود والانغلاق ، فضلاً عن تعارضه مع قيم الديمقراطية والحداثة والتقدم في جميع مجالات الحياة .
وأخيراً فحديث السلطة عن الديمقراطية وإرساء قواعد الديمقراطية دون تنفيذ على أرض الواقع هو بمثابة إعطاء الشعب المفتاح فحسب .. ولكن أين الصندوق ؟؟ !!