مجزرة أطفال غزة والتغطية الإعلامية

مجزرة أطفال غزة والتغطية الإعلامية

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

لم أدر ما حل بالعالم المتمدن المتحضر الذي يتبجح برعاية الطفولة ليل نهار ،  الذي يدعي  أن للطفولة حقوقا لا بد من تطبيقها ، كالرعاية الصحية الجيدة ، وعدم ضربهم وإهانتهم وحقهم في التمتع بحياة كريمة وما إلى ذلك من حقوق إنسانية لا يختلف عليها العقلاء، وقد نصت دساتير الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان على ذلك لا سيما في عصرنا هذا

أقول هذا الكلام وأنا أشاهد الأمس ما جرى لأطفال غزة الذين شوهتهم  طائرات(  الإف 16) وقد كانوا قبل دقائق يمارسون نوعا من الفرح الذي حرموا منه فعلَّهم رافقوا أمهاتهم إلى هذا العرس المأساوي لأنهم لا يجدون أماكن للهو كالتي يمارسها أطفال العالم والتي حثت عليها منظمات الطفولة العالمية.

طبعا المأساة بالغة وعظيمة ولاسيما لأطفال شوهت وجوههم وأجسادهم البريئة ، وهذا ليس غريبا على العدو الصهيوني فله سوابق في هذا في فلسطين أو غيرها كما في مجزرة بحر البقر بمصر ومزيريب بسورية إذ أن طائراتهم العتيدة لا حقت أطفال المدارس وقتلت العشرات منهم ، ولكن الغريب هنا الصمت الإعلامي الرهيب من قبل جمعيات حقوق الطفولة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية التي آثرت الصمت أو ذكرت الخبر على استحياء دون صور معبرة.

ظننت أن ما عرضه تلفزيون الأقصى من هذه الجرائم البشعة ستتسابق المحطات الفضائية في عرضها في أخبارها العاجلة ولا سيما أن الضحايا جلهم من الأطفال البريئين  أن الصور معبرة ، قلبت المحطات الفضائية الأجنبية علني أجد ما أصبو إليه ، لم أجد شيئا ، اتجهت إلى المحطات العربية الإخبارية  فقلت : لا بدَّ أن الدم العربي سيتحرك لا سيما أننا في ذكرى عاشوراء ودمائها ، فوجدت العجب العجاب فهذه المحطات إما غارقة في دماء الحسين رضي الله عنه ، وإما غارقة في أخبار تفرح العرب والمسلمين ولا سيما الأخبار التي تدعو للسلام والمعايشة مع الأعداء ، ونبذ كل ما هو إرهابي كأطفال غزة مأساة اليوم.

في صباح اليوم التالي طالعت بعض الصحف العربية المشهورة فقلت علّ هذه الصحف تكون أوعى من شقيقاتها المحطات الفضائية ، فقلبت وقلبت وفوجئت بذكر الخبر في الصفحات الداخلية التي لاتشد القارئ وأما في الصفحات الأولى فأخبار الإرهابين الذين تم القبض عليهم وساراكوزي والبرد ونفوق الأغنام !!.

 تذكرت البيت الشعري المشهور

قتل امرئ في غابة   جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمن    مسألة فيها نظر

فوالله لو حدثت هذه المجزرة لأي طفل غير عربي ومسلم لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولتشكل رأي عام عالمي مضاد للفاعل والمطالبة بمحاكمته وربما إعدامه، لقد ملأ اليهود أوروبا والعالم بصور لبعض الأطفال الذين نجوا من  الهولوكوست وأقام الدنيا ونشروها في العالم كله وابتزوا الشعوب والأمم بها، وربما غيرت هذه الصور الرأي العام الأوروبي والأمريكي ،فحسن استغلال صور الأطفال  المضطهدين طريقة ذكية في تأليب الرأي العام وحس إنساني لا أحد يرفضه ،لقد نحجت كاميرا طلال أبو رحمة في نقل صورة محمد الدرة عالميا وقد تضايق اليهود في فلسطين والخارج ، ولفقوا الأكاذيب والاتهامات ليبرؤا أنفسهم فهم في نظر العالم الذي يضحكون عليه حضاريون إنسانيون لا يقتلون إلا المخربين.

والعتب كل العتب على الإعلام العربي الذي أصبح يثبت بحق أنه يسير في الخندق المضاد للمقاومة ، إنه أصبح يغطي على الجريمة البشعة لأطفال غزة فلو أنه اهتم بشكل لافت للنظر بهذه المجزرة وأحسن استخدامها ووظفها في فضح الادعاءات الصهيونية لاكتسب الصدقية أولا من شعبه والاحترام من أصحاب المهنة ولأدى رسالة مفادها : إنني هنا أراقب وأكتب وأنشر كل ما يتعلق بالجرائم ، ولست بوقا مأجورا من أجل حفنة من الدولارات لتطبيق سياسة المعسكر الذي لا يحب العرب والإسلام.