أغيثوا غزة.. ليذهب الصقيع ويسقط المطر!!

أغيثوا غزة.. ليذهب الصقيع ويسقط المطر!!

مخلص برزق*

[email protected]

بكت القلوب ونزفت المآقي وتفتتت الأكباد على المشاهد التي عذبتنا بها فضائية الأقصى وأرهقت أرواحنا بها، فمع أننا لم نكن ضمن قائمة المدعوين لفرح آل عبد الجواد في غزة، إلا أنها أدخلت الفرح إلينا بلا فرح.. وقد كنا قريبي عهد بأحزان حي الزيتون بغزة فازداد كربنا كرباً وهمنا هماً وغضبناً غضباً..

مضيت إلى مسجدي حسيراً كسيراً على منظر تلك الطفلة التي مزقت الشظايا وجهها المشع نوراً وبراءة، وعلى ذلك الطفل المسجى بين الحياة والموت، وطفلة أخرى وطفل آخر وأم ثكلى وأب ذاهل وهنا وهناك دماء بريئة نازفة تشكو إلى بارئها موت النخوة وتبلد الإحساس في الأمة..

كان التأثر بادياً على إمام مسجدنا، ما جعلني أستبشر خيراً بأنه سوف يقنت في الصلاة ويدعو لأهلنا في غزة، فقد شعرت حينها برغبة شديدة وحاجة ماسة لذلك الدعاء في وقت عجزت أيدينا عن فعل شيء إلا أن نرفعها لخالقنا شاكين باكين.. وقد كان ما توقعته فقد ارتفعت الأكف لنؤمن على دعاء خاشع رقيق من قلب مفطور ونفس متذللة منكسرة.. أطلقت العنان لمشاعري وأنا أناجي ربي وأشكو له ما حلّ بأطفالنا ونسائنا وأرضنا وأحبابنا.. ثم ما لبثت أن تبينت أن إمامنا الطيب لم يدع بذلك التأثر البالغ وتلك الرقة المؤثرة لأجل مصاب أهلنا في غزة وإنما بسبب اشتداد الصقيع وانحباس المطر!!

حدثتني نفسي طويلاً عن جدوى الدعاء والاستسقاء إن لم يصحبه عمل صالح يرفده، وتبادر لذهني حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي فيه: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا" ثم إنني قارنت ذلك بما يجري على أرض الواقع فوجدت أن ترك غزة نهباً للجوع والعطش والموت على أسرة المرض والقصف والتدمير كل لحظة وكل ساعة وأمة المليار كلها انتابها الصمم، وجدت أن ترك غزة تحت رحمة اليهود المجرمين، يراودن أهلها عن دينهم وصبرهم وجهادهم وثباتهم مقابل الطعام والغذاء والوقود هو أكبر جريمة وقعت فيها هذه الأمة بعد أن منعت زكاة أموالها عنها، وقد كنت قرأت مؤخراً بأن الموجودات المالية لدول الخليج وحدها قد زادت عن مئتي ألف تريليون دولار وهو مبلغ أشك بأنني أستطيع كتابته، مع يقين تام بأن إخراج زكاته لن تبقي في أرضنا فقيراً أو مسكيناً أو محتاجاً!!

أيقنت لحظتها أن هذه الأمة لن تنعم بمطر أو قطر إلا إن هي سارعت بإغاثة غزة دون منة وتفضل على عرين الرجال ومأسدة القسام، تاج الأمة الأغر، فلله درهم من يطاول عزهم ومجدهم وهم الذين حاكوا لأمتنا ثياب عزة بدمائهم ورتقوا بأشلائهم أثواب مجد كم زهت وتباهت بها على سائر الأمم..

أيقنت لحظتها أن الأمة غافلة عن فهم ما يحيط بها أو تفسير الرسائل التي تصلها تباعاً علها تنتفض وتصحو وتستفيق وتعلو.. فموجة الصقيع غير المسبوقة في منطقتنا تزامنت مع الزيارة المشؤومة لبوش الصغير مهلك الحرث والنسل في أفغانستان والعراق وفلسطين دون أن تسلم باقي دولنا من شؤم طالعه وخبث سياسته.. وهل عجب أن تغمر منطقتنا موجة الزمهرير وقد تسابق حكامها لإظهار الود والاحترام والتقدير لطاغية في رقبته آلاف الموحدين من أمة الإسلام؟

هل عجب أن يتوافق ذلك مع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "قالت النار رب أكل بعضي بعضا فأذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم".. إنها جهنم إذن تتنفس في أرضنا استقبالاً لذلك المجرم البغيض. وما هو إلا زمهرير غضب على تلك المهازل التي صاحبت جولة الشؤم والنحس تلك دون أن ينبري أحد لشجبها وإدانتها أو حتى مجرد التمعر غضباً لها إلا من همهمات خافتة هنا وهناك..

هل عجب أن نصاب بالزمهرير والجفاف وانقطاع الأمطار ونحن نبذل الأموال سخية لعدو الله بوش ونفتح المعابر والحدود على مصراعيها لليهودي ساركوزي وخليلته فيما غزة عليها معابر مؤصدة ونيران البغي عليها موقدة وهي من حسابات العرب مسقطة مهملة مادام ذلك يرضي إبليس اللعين سيد أنابوليس.

لم يكن عجب أن نصاب بالزمهرير كسنة من سنن الله النافذة ولن يكون عجباً أن يغيثنا الله تعالى بغيث طيب مبارك يخرج به الزرع ويدر به الضرع إن تدارك الحكام والشعوب أهل غزة بالغوث العاجل وفتحوا معبر رفح ليمدوا أهلها بشريان الحياة الذي عبثاً يحاول أعداءنا قطعه.

              

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.