محاولة ابتزاز امريكية
د. هاني العقاد
يبدو أن امريكيا استطاعت الى حد ما تجنيد العالم لفكرة الدعوة لإطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جديد بخطة للسيد كيري تبدو من ملامحها الاولية انها خطة مكررة بلا جديد وجديدها المقايضة والابتزاز , فقد كان هناك صوتا عاليا في مؤتمر اعادة إعمار غزة ينادي بالعودة لطاولة المفاوضات لحل الصراع دون تحديد الاسس او المرجعيات التي يمكن على اساسها انطلاق هذه المفاوضات لكن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي اوضح بعض الشيء وكان كيري قد تحدث امام مؤتمر المانحين بأن الولايات المتحدة ملتزمة تماما بالعودة للمفاوضات ليس من اجل المفاوضات وإنما لحل الصراع بالكامل دون أن يكشف السيد كيري مرجعية تلك المفاوضات وأسسها ,وكان الصوت الاعلى من الدعوة لعودة المفاوضات هو ضرورة إنهاء الصرع وإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام فقد قال بان كي مون " أناشد جميع الاطراف وضع مسلك واضح للسلام " أي سبل حقيقية توصل للسلام وليست سبل تفاوضية تسير في طريق بلا نهاية .
يبدو أن الامريكان يحاولوا الان بلورة خطة جديدة لانطلاق المفاوضات من جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين ,وحسب خطة كيري الجديدة التي بدأت ملامحها تتضح والغرض منها يتضح اكثر ,يحاول كيري أن يقنع الفلسطينيين وبضغط عربي لكي يتخلوا عن مشروع إنهاء الاحتلال والاقرار والاعتراف بحدود الدولية الفلسطينية عبر قرار من مجلس الامن مقابل وروقة اعمار غزة ودفع اسرائيل للتفاوض الجدي , وهذا فقط لتخرج واشنطن من الحرج الدولي اذا ما اضطرت لاستخدام حق النقد الفيتو لتحمي اسرائيل وتحمي احتلالها وتقف في وجه العالم الذي مازال يعتبر احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية وتحويل المدن الفلسطينية الى سجون كبيرة يقيم فيها الفلسطينيين في مناطقهم التي هي عبارة عن معازل مغلقة ببوابات وحواجز حديدية اكبر جريمة إنسانية تمارس بحماية واشنطن .
يحاول الامريكان من جديد اللعب في دائرة يقف في مركزها الفلسطينيين وهي التفاوض دون الاقتراب من المركز وقضايا التفاوض الاساسية ودون خارطة تفاوض مبنية على اسس حل الصراع فقط من اجل دفع الفلسطينيين لسحب مشروع انهاء الاحتلال عبر مجلس الامن لتتفادي واشنطن حرج دولي باستخدام الفيتو لصالح الاحتلال الاسرائيلي وهنا نؤكد أن الرئيس ابو مازن بالفعل يتعرض لمحاولة ابتزاز قذرة تخوضها واشنطن وتساهم فيها بعض الدول العربية على حساب تدفق الاموال لغزة لإعادة اعمارها ومقابل القبول للعودة لطاولة المفاوضات التي هي غير مجدية حسب الاقتراح الامريكي الحالي لان الاقتراح لا يأخذ بالاعتبار وقف الاستيطان او حتى الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية او تحديد زمن لإنهاء هذا الاحتلال , كان الرئيس ابو مازن قد عرض على كيري اثناء زيارته الاخيرة لنيويورك لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة الخطة السياسية الفلسطينية قبل اللجوء الى مجلس الامن فلم توافق واشنطن على خطة القيادة الفلسطينية واعتبرت تحديد زمن انتهاء الاحتلال امر غير منطقي , مبررة ذلك بأنه يجب أن يتم عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين .
أصبح خطراّ القبول بالعودة للمفاوضات المقترحة لأن هذا يحقق غرض واشنطن لا اكثر ولا اقل وهو سحب الفلسطينيين مشروع إنهاء الاحتلال من مجلس الامن وهذا ما اعلنته القيادة الفلسطينية حلال اجتماعها السياسي الاسبوع الماضي , واصبح خطرا العودة للمفاوضات دون خارطة دولية شرعية ترسم مراحل التفاوض واسسها لان المفاوضات استنفذت فرصها القانونية و سنواتها الافتراضية ,فبعد عشرون عاما تفاوض بلا تقدم لن يكون هناك تفاوض يحدث أي تقدم ,وبعد فشل الامريكان وحدهم في رعاية مفاوضات السلام الحقيقي بات مؤكدا ان واشنطن لن تصوب التاريخ بإرادتها و وحدها, وبعد فشل الامريكان في الزام اسرائيل بالتفاوض الجدي خلال التسعة شهور الماضية التي انتهت في ابريل هذا العام لن يكون هناك تفاوض ذو معني دون اسس ومرجعيات شرعية ودون اعتراف بحدود دولة فلسطين والقدس العربية عاصمتها ,ودون تحديد زمن ينتهي معه الاحتلال ,وأي تفاوض سيكون بمثابة الاعتراف والقبول بالاحتلال والاستيطان وتهويد القدس , قد تكون هذه محاولة امريكية اسرائيلية وبرضي بعض الدول العربية لكن لن تكون خطوة أمريكية اسرائيلية مقبولة لان الفلسطينيين عرفوا اين يضعوا أوراقهم هذه المرة وبات استجابتهم لمفاوضات بهذا الشكل كفر سياسي , لكن اذا ما حدث تغير في الموقف الامريكي وهذا مستبعد ان يطرح كيري هذه المرة خطة سلام مسبوقة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية حينها يمكن للفلسطينيين فقط التفكير في العودة لطاولة المفاوضات من أجل التفاوض على الحل النهائي ويمكن التفكير في العودة لطاولة المفاوضات ايضا بعد اقرار اسرائيل بحل الدولتين وبعد الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية علنا وبعد اقتناع اسرائيل بالحل النهائي للصراع لينهي الاحتلال ويؤسس لان يعيش الفلسطينيين في وطن مستقل ترفع اسرائيل أيديها عنه ليتمكن الفلسطينيين من بناء وطنهم واقتصادهم بمواردهم وايدي ابناؤهم ويتمكنوا من تربية نشئهم بعيدا عن القتل والدم والبارود ودخان المدافع والقنابل الارتجاجية و قنابل الفسفور وصواريخ الدايم.