خادم الاحتلالين
محمود صالح عودة
إن التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية خلال السنوات القليلة الماضية أثبتت بالقطع انعدام مصداقية بعض قيادات الشعب الفلسطيني، وأن هذا الشعب جدير بوجود قيادة حرّة بإرادتها ورأيها، ذات رؤية ومشروع وطني، قراراتها ممزوجة بين رغبة الشارع الفلسطيني والواقع الذي تعيشه محليًا ودوليًا.
أجرى المراسل في القناة الإسرائيلية الثانية إيهود يعاري مقابلة تلفزيونية مع سيادة رئيس سلطة المقاطعة أبو مازن، تخللها أسئلة حول تجديد المفاوضات مع إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو، حق العودة والأوضاع الفلسطينية الراهنة.
بداية، لا يخفى قيام أبو مازن بأعمال وتصريحات لا يقبلها أي فلسطيني حرّ، بدءًا من رفضه للمقاومة ووصفه إياها بالـ"خارجة عن القانون" و"الميليشيات" حتى أمره لقوات الأمن بـ"ذبح" من أبى الانصياع لأوامر أبناء دايتون. إنما يثير الاستغراب هو جرأة هذا الشخص بتوضيح عمالته بدون التباس في ظل تصعيد إسرائيلي غير مسبوق.
فعندما سئل إذا ما كانت هناك مشكلة شخصية بينه وبين نتنياهو رد بالقول: "لا يهم إذا أحبه أو أكرهه، المهم هو أن أتعامل معه، من واجبي أن أتعامل معه". أما بالنسبة لحق العودة فقال: "حل لا يفرض عليكم، حل عادل ومتفق عليه" بخساسة. وهذه جرأة بل وقاحة خطيرة، وكأنه كلما ازداد تعامل إسرائيل سوءًا ازدادت السلطة "تضحية"، كأنه لا يوجد جدار فصل عنصري أو حواجز، كأنه ليس هناك قتل للأبرياء ودهس للأطفال وتعذيب نفسي وجسدي يومي للمواطن البسيط، كأنه لم تنفذ إسرائيل عملية تهجير جديدة تهدد أصحاب الأرض باللجوء مرة أخرى (أيام فقط قبل ذكرى النكبة)، كأنه لم تكن هناك حرب إبادة في غزة ضد كل الشعب الفلسطيني، حرب استخدمت خلالها إسرائيل أسلحة محرّمة دوليًا، قصفت خلالها البيوت والمدارس والمستشفيات ووكالات الغوث الإنسانية واستشهد خلالها 1,400 وجرح ما يزيد عن 5,000 مواطن معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ذلك قبل سنة وبضعة شهور فقط!
ألم ينظر سيادة رئيس المقاطعة المنتهية ولايته منذ حرب غزة (مما أثار تساؤلات حول توقيت وقوعها)، خادم الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي حوله؟ ألم تصله شتائم ولعنات أبناء شعبه اليومية حتى مقرّه الرئاسي؟ ألم يتابع الأخبار ويرى التحوّلات الإقليمية ويتّعظ من خيانة غيره؟، أظن أنه يعلم بما فيه الكفاية، ولو كانت لديه ذرة حياء لاستقال منذ زمن بعيد. وإنما يعلمه بالتأكيد، هو مصدر رواتبه هو وزمرته، بالتالي إذا تخلى عن موقف يرضي أسياده فإنه حينئذ يتنازل عن راتب ما، ويفتح الباب أمام فضيحة أخرى أو ملف فساد آخر.
على سيادة الريّس العلم بأنه مشرف على الموت، وأنه "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" آت، عندها "وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا". فأي ظلم السكوت عمّا يعمل المجرمون، وأي ظلم خداع الناس، وأي ظلم الكذب والتخاذل والخيانة، بل إعانة الظالم ومشاركته في ظلمه، والتفاوض معه على أنقاض بلده وجثث شعبه!