الانتخابات الرئاسية الأميركية واللعنة اليهودية

د. علاء الدين شماع

الانتخابات الرئاسية الأميركية واللعنة اليهودية

د. علاء الدين شماع

[email protected]

سبع سنوات عجاف و بوش في عامه الأخير بطة عرجاء , وأميركا تحت إدارته تفقد كل رصيدها العالمي , وسبعون أخرى أو يزيد والجسد العربي يتآكل حد التفسخ و الانحلال. طرفان مأزومان جمعت بينهما لعنة النفط ,بين مضيع له و مستأثر به. والحديقة الدولية تتداخل بفناءاتها الخلفية وتتماس , و عام 2008 صفته المميزة على ما يبدو أنه عام احتساب النقاط ,والمراوحة لاسترداد الأنفاس,وتيارات المصالح الدولية آخذة بالاندياح حلقات متداخلة بفعل أثقال سياسية عالمية منها القديم في عودته المتجددة ,ومنها الجديد في ظهوره المبهر على الساحة الدولية , فهذه أوروبا القارة القديمة وهي تلم أشتاتاً متفرقة و تجتمع تحت نظام سياسي و اقتصادي فذ , و روسيا وهي تعود إلى الساحة الدولية في ممارسة دور عالمي عادت تطلبه لنفسها , والصين في حضورها اللافت وهي تشق طريقها قوة عظمى لا يستهان بها.

حقائق قد لا ترحم من يتخلف عن ركبها , و هي تسير ضمن ممكن سياسي ,وفي إطار واقعية سياسية , بعيداً عن أية أيديولوجيات , و كأننا أمام ثورة أخلاقية سياسية عالمية , تمهد الطريق لعالم متعدد الأقطاب , بعد الاستفراد الأميركي, قطباً أوحداً ردحاً من الزمن, و ما جره على العالم من ويلات و حروب و دمار . و لعل أحداث 11 أيلول المصطنعة و هي تلهب خيال المحافظين الجدد بمغيبات لعنة أيديولوجية يهودية الهوى , أنزلت أميركا من عليائها وهي تتخبط بين استراتيجي يوردها المهانة ,و تكتيكي يردها الخيبة ,أمام سقوط مشروعها الشرق أوسطي الجديد تحت ضربات المقاومة العربية.

إن لعنة الأيديولوجيا تلك لمسها مارتن لوثر ومنذ زمن بعيد ,عندما رأى أن اليهود يعملون على تهويد المسيحية متوسطين مذهبه الديني البروتستنتي , والذي أعياه بعد جهد منه أن يكونوا مسيحيين ,فكتب آخر أيامه كتاب " اليهود و أكاذيبهم " معرباً فيه عن خيبة أمله في استقطابهم لعقيدته الجديدة , فما كان منهم –اليهود- إلا اجتراح تيار الألفية الدينية ,وهي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي , وهو يستند إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطاً بالقديسين ليملك الأرض ألف سنة بعد حرب ضروس في يهودا والسامرة –فلسطين -ولذلك سموا بتيار الألفية(Millenarianism) و إليه ينتسب المحافظين الجدد , على أن بنيامين فرانكلين الرئيس الأميركي الأقدم لمس ذات الشيء و هو يوجه خطابه إلى المشرعين الأمريكان في حينه بضرورة سن قانون يمنع قدوم اليهود إلى أميركا والعيش فيها لأنهم ما وطئوا أرضاً إلا و أفسدوها .

إنها لعبة الأيديولوجيات ,الفضاء الخصب و المقتدر للصهيونية العالمية, و هي تدمر الممالك و الإمبراطوريات والحضارات الضخمة من خلالها, لعبة لا نظير لها في القذارة, فالثورة البلشفية على روسيا القيصرية لا زالت ما ثلة في الأذهان , و انقلاب الكمالية على الخلافة العثمانية كذلك , حيث كان لها اليد الطولى فيهما , كما لها الآن في أميركا ومن خلال لوبي صهيوني عظيم الأثر وبالإمكانات المادية والدعائية و نفوذه الواسع على مراكز صنع القرار فيها, فإلى أين تسير الصهيونية بأمريكا و هي تحشو أذهان قادتها ومثقفيها بترهات مغيب ديني تلمودي ؟!

قد لا يبتعد بنا الأمر في التمثل والاستشهاد على ما سبق ,والانتخابات الأميركية على الأبواب , ودور اللوبي الصهيوني فيها يؤشر لنا على حجم هذا الحضور المؤثر في إيصال المرشح الرئاسي المطلوب بعينه من قبلها إلى البيت الأبيض .

و لعل في الإجابة عن سؤال : من أدخل في أذهان قادة الحزب الديمقراطي أن يرشح عن صفوفه أميركي أسود وهو باراك أوباما وأن يرشح أنثى وهي هيلاري كلينتون ,وهما صاحبا الحظ الأوفر عن هذا الحزب الى الآن,حسب استطلاعات الرأي الأخيرة, تكمن الاجابة عن حجم اللعبة التي يقوم بها اللوبي الصهيوني في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

 إذ أن التمييز العنصري , والسلطة الأبوية, من أهم مكونات المجتمع الأميركي الثقافية والنفسية ومنذ قيام أميركا إلى الآن, وهما قد يشكلان عاثقاً في وصول أي من مرشحي الحزب الديمقراطي إلى سدة الرئاسة , إلا إذا فتشنا في خلفيات الحدث و ما يدور حول أوباما بالذات , أمام حظه الوافر بالفوز و ما يطرحه من علامة استفهام كبيرة , وتجربة القس الأسود جيسي جاكسن في الانتخابات الماضية و فشله الذريع قد تكون درساً, و هو من قال حينها "لو قدر لي أن أخرج من جلدي لما قبلتني أميركا رئيساً". غير أنها في حالة أوباما هي غير ذلك على ما يبدو .

ذلك أن اللوبي الصهيوني و تأثيراته المتراكمة عبر الزمن في نسيج السياسة و المصالح الاقتصادية الأميركية , عمل على تطوير طبقة مميزة من المتنفذين داخل الحزب الديمقراطي و الجمهوري على حد سواء , ولعل اليسار الأميركي في متابعته للحدث و هو يشير الى خلفية باراك أوباما اليهودية خير دليل , وذلك من خلال كتابات أحدهم – رون كامبيس- لمقال عنوانه " أوباما و اليهود "و الذي أتى فيه ما يلي" أسأل عن المحيط الطبيعي لباراك أوباما و هو يقطع شوطه الأكبر باتجاه البيت الأبيض كأول رئيس أسود , وطفولته مع والده الكيني الأصل في أندونيسا و معانتهما , أو عن دعم أوبرا له في حملته وما تملكه من ملايين الأصوات لما لها من شعبية ... أسأل عن زعماء اليهود و دعمهم العلني له , في أول مرة عندما أصبح سيناتوراً عام 1995و الآن على مقعد الرئاسة ... من خلال دعم المحامي اليهودي من شيكاغو آلان سولو ..".

نعم إنها تلك الشبكة من المصالح الصهيونية – الأميركية و هي تجدد خيوط ارتباطاتها مع كل دورة انتخابية رئاسية في أميركا , والتي لا تخلو من المفاجآت , حتى لا ُيصعق العرب المتفائلين من قدوم أوباما , وهو يسقط في منتصف الطريق , مفسحاً المجال أمام جمهوري آ خر لحكم أميركا ,و هذا حسب ما ترتئيه مصالح اللوبي الصهيوني في الدقيقة الأخيرة .

ثم ما ذا في انعكاس ذلك على حالنا نحن العرب عام 2008 ؟ ..عام احتساب النقاط .

لقد ارتأت دوائر صنع القرار الأميركي و مراكز الدراسات و الأبحاث الأميركية بعد مؤتمر أنابوليس و ما تتحقق فيه ,استمرار الستاتيكو السياسي الرابط لكل المسارات مع مزيد من التصعيد التحريكي هنا و هناك و الكلامي أيضاً في محاولة للتهرب من أية استحقاقات تتطلبها عملية السلام, و هذا ما ظهر جلياً مع جولة بوش الشرق أوسطية , و التي رافقتها مسرحة إعلامية للحدث السياسي , طغت على الحدث نفسه – قضية السلام الموعود- و اللقطات التذكارية تحتل مكاناً واسعاً مع جملة من المطالب حملها معه و على العرب الاستجابة لها ,و التي تتلخص ,في دعم يهودية الدولة للكيان الصهيوني و تأمين المال اللازم لتنفيذها من خلال تهجير عرب 48 و توطين فلسطينيي الشتات في أماكن تواجدهم, وأيضاً حشد الدعم الممكن لتطويق إيران و التضييق على سوريا , و الحد من الإرهاب –حسب وحهة نظره – بالعمل على خنق المقاومة العربية في العراق( دعم حكومة المالكي و مجالس الصحوة) و فلسطين( التأكيد على ملف أمن إسرائيل وما يمكن أن يؤدي إليه من صدام بين السلطة و غزة ) و لبنان ( استمرار أزمة الرئاسة) وهي أمور الغاية منها تأجيج الصراع المضبوط- الفوضى الخلاقة- مع إشارته و كالعادة بالترهيب في احتمال قيام حرب في المنطقة .

ان واشنطن , صبيحة أنابوليس , و هي تعيد النظر في إستراتيجيتها الشرق أوسطية , أمام حقيقة أن الشرق الأوسط لا يزال يمثل مخاطر متجددة للأمن العالمي, عادة لتكرس نفسها مرة أخرى شرطي العالم الأوحد ,و حاجة العالم إليها تكاد أن تكون ماسة لضبط أمن المنطقة, أمام ضعف النظام العربي , ولعدة أسباب أهمها "أن المجتمعات الشرق أوسطية ليست عرضة للتغيير السياسي و من ثم فمن الأفضل تركها وحدها" و هي " تعد راكدة اقتصادياً بل و متخلفة وفقاً لمؤشرات التنمية العالمية " ... وهذا يعني في ما يعنيه عدم حاجة العرب إلى السلام قدر حاجتهم إلى من يضبط أمنهم و يسير لهم أمورهم , ويكون وصياً عليهم . و هنا لابد أن نشير إلى عقود صفقات السلاح الضخمة التي عقدت مع زيارة بوش إلى المنطقة , والدول العربية تسعى لحماية أمنها الوطني المهدد و ما يقتضيه ذلك من دخولها في تحالفات مع الأميركي .

لقد كان الأمر مقلقاً بالنسبة لبوش الصغير أمام الهزائم الإستراتيجية التي أخذت ُتمنى بها إدارته في المنطقة , و خيار السلام الذي يمثل تخففاً من أعبائها و يمهد الطريق أمام الإدارة الأميركية القادمة لم يلق استجابة من حلفائه اليهود , وكل المؤشرات على الأرض تدلل على فشل العرب و خيبتهم , و اللوبي الصهيوني يلعب لعبته القذرة في انتخابات الرئاسة الأميركية, حيث أن مفردات إدارة أزمة المنطقة بتنا نسمعها في حملات مرشحي الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري على السواء ولا حديث عن تراخ أو انسحابات وبشكل خاص من العراق , إلا من باراك أوباما و هو يتكلم عن سحب الجنود الأميركيان منه, مما يدعونا إلى التساؤل الحذر قبل أي تفاؤل نبديه أمام خلفيته اليهودية و التي سبق الإشارة إليها .

 و يبقى أن نتساءل : هل من مبرر أن تظل مصالح العرب وحقوقهم مرتبطة بالانتخابات الإسرائيلية و من سيأتي صقور أم حمائم أو الانتخابات الأميركية جمهوري أم ديمقراطي

 و الكل سواء عندما يتعلق الأمر بنا , متطرفاً أسود القلب !..

إن النظام العربي إن لم ُيدخل مفهوم الأمن القومي في مفرداته , هذا إن أراد البقاء , وجهد على تفعيل العمل العربي المشترك , ضمن مؤسسات لا زالت حبراً على ورق , قد يناله المزيد من الشرور و الخضات الأمنية و الأمور تسير ضد مصالحه,و لعل مؤتمر القمة العربي القادم في دمشق يمثل فرصة جيدة على صعيد تنسيق الجهود العربية ,ليس في حضوره و فقط ,و إنما في مستوى الحضور أيضاً , و يعيد للسيف العربي إنباءه الصادق, وهو بلا شك غير السيف الذي أخذ يتمايل به بوش راقصاً, وهو يضعه على رقبته في حده غير الصقيل .