حمدي رزق وإفرازاته المرفوضة

حمدي رزق وإفرازاته المرفوضة...!!!

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أعتقد أن من حق حمدي رزق عليّ ـ بل علينا جميعًا ـ أن نهنئه على ما يملك من آليات الإفراز أي التعبير، فالصحفيون جميعهم -  أو أغلبهم - لا يملك الواحد منهم إلا آلية واحدة هي القلم. أما هو فيملك آليتين للإفراز هما: القلم، واللسان، والرجل ـ وليس في هذا مجاملة له ـ يتمتع بطاقة هائلة تمكنه من توظيف آليته ـ بصفة دائمة ـ في الهجوم على "المحظورة" ـ يعني جماعة الإخوان المسلمين. فلا يمر يوم إلا ونضبطه متلبسًا بإفراز لساني، أو قلمي وحشي محاولاً به تشويه الجماعة أو "المحظورة" كما يحب أن يصفها. والمحظورة ـ كما يقول رجال اللغة ـ صفة قامت محل الموصوف ـ فأصبحت كاسم عَلَم دلالة عليه، كاستعمال الرجيم محل الشيطان، واستعمال العوام كلمة "الأهيف" أي الرشيق محل الجنيه.

ولا أنسى للسيد حمدي يوم جلوسه في الصف الأولى من الجمهور... في برنامج "حالة حوار" ـ والخاء أوفق من الحاء هنا ـ وهو يستعمل. "آلية اللسان" ويقرأ في زهو وخيلاء ما سماه "وثيقة سرية" تمكن بطريقته من اكتشافها ـ كما يزعم ـ  وهي بعنوان "فتح مصر" أو إعادة فتح مصر، وزعم بأنها ممهورة بتوقيع "خيرت الشاطر" النائب الثاني لمرشد الجماعة.

وبعد هذا الإفراز اللساني الرزقي خرج بعض الحاضرين لبرنامج حالة خوار،  يتساءلون: إذا كانت هذه وثيقة سرية خطيرة فكيف تمكن حمدي رزق من الحصول عليها؟ وأجمع من حضر على أنها "سربت" إليه من جهات معروفة.. والرجل مسالم يصدع بما يؤمر، وُيعرض عن كل ذي عقل ودين.

والسيد حمدي  لا يعترف بأن هناك  سلاحًا محرمًا.. فهو يستسيغ في إفرازاته القلمية واللسانية الكذب، والمغالطة، والتزوير، والتهويش، والتهويل،وتدليك عواطف الكبار.

ونحن  في السطور التالية نقدم قليلاً من إفرازاته وهي ناطقة بسقوطه ولا تحتاج للرد عليها.

فهو يتهم الإخوان بالخيانة الوطنية، زاعمًا أن لهم اتصالات سرية مع أمريكا. فمما جاء في أحد إفرازاته القلمية:

"... لم تعد تنطلي علينا الأقلام الأمريكية التي تفرق بين إخوان الملك الصالح (حيث مكتب الإرشاد)، وإخوان جسر السويس (حيث مكتب الكتلة البرلمانية).. الحقيقة أنهم جميعًا إخوان، وهم لا ينكرون، والأمريكان يعرفون، فلنواجه الحقيقة.. الأمريكان يتصلون بالإخوان سرًا وعلانية، تلك هي المشكلة، هل نعالجها بالإنكار أو بالاستنكار أو بالرفض. والاحتجاج وتصدير حديث الأمن القومي المصري مقابل الأمن القومي الأمريكي؟! .......

دوني "السفير الأمريكي، يعرف والمرشد يعرف، والنظام يعرف أن الاتصالات لم ولن تنقطع، بين الإخوان والأمريكان، وما يظهر على السطح ما هو إلا قمة جبل الاتصالات، فقط ما يظهر من المياه الأمريكية العميقة التي تبحر فيها مركب الإخوان منذ أيام حسن البنا .....

مرشد الإخوان بنفسه يعترف بالاتصالات وبوجه مكشوف ويصرح بأن بابه مفتوح للصحفيين والباحثين والدارسين الأمريكان، ويتجمل أمام الحكومة المصرية بأنهم ـ أي الإخوان ـ لن يلتقوا المسؤولين الأمريكان إلا عن طريق الخارجية المصرية، بلاها خارجية اتصل يا مولانا وتوكل على الله". (المصري اليوم 29 / 5 / 2007م).

***

ويصب جام حقده اللزج على "المحظورة" متهكمًا ساخرًا فمن إفرازاته:

"لو كنت مكان مرشد "المحظورة" مهدي عاكف لجمعت ما تبقى من مكتب الإرشاد وبقايا مجلس الشورى، ولحررت بيانًا بالشكر ممهورًا بخاتم الجماعة، كما يحدث عادة في وفيات الأهرام (عاكف وإخوانه، يرفعون أسمى آيات الشكر والعرفان إلى صفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطني على بلاغه إلى رئيس اللجنة العليا للانتخابات، مطالبًا بشطب 17 مرشحًا من مرشحي "المحظورة" وردت أسماؤهم على موقع (إسلام أون لاين).

وحمدي ينظر إلى الرجل "الشريف" صفوت الشريف نظرة تقدير وتقديس، ونفس النظرة لحزب "الأغلبية (!!!) المسمى "الوطني الديمقراطي" فهو صاحب الشرعية الأصيل، ويواصل حمدي إفرازاته فيقول:

"... فالحزب بدأ يستيقظ لأساليب اختطاف الشرعية التي غفل عنها طويلاً، ويضطلع بدوره كحزب حاكم في الساحة السياسية ويصارع سياسيًا، لايتخفى أمام جماعةجدير بها التخفي؛ لأنها محظورة بفعل القانون .......

اللي في القلب في القلب، أعرف أن إخوان "المحظورة" لا يكنون حبًا للأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف،القط لا يحب خناقه، والشريف تخصص خنق قطط من تلك النوعية المحظورة، لكن البلاغ الأخير ويعني الخلاص من فكرة الخنق،أقصد القبض والاعتقال والسجن، تعني إتاحة الفرصة لتفعيل آليات القانون وما ينهاكم عنه القانون فانتهوا".

(المصري اليوم 31 /12/ 20079م)

***

وطبعًا لا يجرؤ حمدي أن ينقد الشريف بكلمة، ولا يجرؤ أن يتحدث عن نكبة مصر، فيما يسمى الحزب الوطني ونوابه، وعن الرشاوى التي منحت لهم بطريقة "مقننة"، وكلها من دم الشعب، وعن انحيازه دائمًا لتوجهات الحكومة، ولو جرت الوطن إلى الخراب.

ورحم الله من قال في أمثال هؤلاء مخاطبًا "الرأس الكبير":

ها  هم  كما  تهوى فحركهم دُمَّى         لا  يفتحون بغير ما ترضى فما

إنا  لنعلم  أنهـم  قـد  جُمِّعـوا         ليصفقوا إن شئـت أن تتكلـما

بالأمس كان الظلم فوضى مهملاً         واليوم  صار  على يديك منظما

***

وحمدي رزق يحمل على شعار "الإسلام هو الحل" ويحمل على الجماعة لذلك , فيقول في قناة العربية الفضائية "الإخوان عندما قالوا سوف نترشح لمجلس الشورى  تحت شعار الإسلام هو الحل، في تقديري الشخصي ارتكبوا خطًأ سياسيًّا فادحًا، فلو كان لهذه الجماعة عقل ما فكرت بمثل هذا التفكير العقيم الذي لا يؤدي إلا إلى إشعال نار الفتنة في المجتمع المصري".

وزعم أن هناك جماعة باسم "الإخوان الأقباط" يتقدمون بمرشحين لها تحت شعار: "الإنجيل هوالحل" مما سيؤدي إلى التصادم بين إخوان وإخوان، وإشعال فتنة طائفية عاتية.

وقد تكفل الإخوان في مواقعهم بنقض هذا الهراء، وخصوصًا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.

وأنا أقول: إن حمدي بهذا الإفراز الذي يقوم على الخيال والتهويل، يقلد نبيل لوقا  بباوي في منطقه الأعوج،فمن كلمات هذا البباوي: لو فرضنا أن مظاهرة قامت تهتف "الإسلام هو الحل"، ومرت بشارع رمسيس لخرج لها الشباب القبطي يهتفون "الإنجيل هو الحل" .. وتكون مذبحة. واقول : عجبًا ... وآسفًا ألسنا أمام عقل غائب، وخيال مريض، وتهويش، وتهويل؟.

إفراز الانشقاق:

وكأنما عز على حمدي أن تنتهي إفرازاته إلى "فرقعات في الهواء"، (ولا أسميها باسمها الحقيقي تأدبًا) فلجأ بإفرازاته إلى حقل آخر تحت عنوان سلسلته "فصل الخطاب"، وما هو بالفصل إن هو إلا قولٌ هزل. وعنوان المقال "انشقوا وعلموا الناس كيف تنشق عليكم: ومما جاء فيه:

"لماذا لا ننشق بعد أن تجاوزنا كل الأفكار القديمة وانطلقنا إلي أفكار جديدة

لماذا لا ننشق بعد أن رأينا سياسة بلا سياسة وأفكاراً بلا أفكار، وانتخابات بلا انتخابات؟

لماذا لا ننشق بعد أن شاهدنا الجمود بأعيننا وقد عجز عن نصرة وطننا في وقت محنته؟

لماذا لا ننشق بعد التصريحات المتخبطة لمن ظننا أنهم قيادتنا؟

لماذا لا ننشق بعد أن رأينا واقعنا بلا استراتيجية ولا هدف؟

لماذا لا ننشق بعد أن رأينا العلم والعقل وهو يسقط لمن يفترض أنهم دعاة العلم والعقل؟

لماذا لا ننشق بعد أن رأينا طاقات مهدرة وعقولا مغيبة وشباباً معطلاً؟ ً

لماذا لا ننشق بعد أن رأيناً غياب المحاسبة والشفافية والعقلانية وكيف لهؤلاء أن يقودوا وطننا؟

لماذا لا ننشق بعد أن رأينا عقولاً تابعة ونفوساً خاضعة وطموحاً متواضعاً؟... الخ. وأقول : إن هذه الكلمات المنفوشة تذكرني بموضوعات التعبير(الإنشاء) التي كنا نكتبها ونحن تلاميذ في المرحلة الابتدائية . وياعجبا لعنوان نصه : "انشقوا وعلموا الناس أن ينشقوا عليكم" فالانشقاق إذن غاية في ذاته . وقد يكون الأقرب إلى المعقول أن يكون العنوان " انشقوا وعلموا الناس أن يتحدوا على الحق " . أما أن ينشقوا ليعلموا الناس أن ينشقوا عليهم وعلى غيرهم فهذا هو الهراء بعينه يا صاحب الإفرازات .

**********

ويعلق حمدي على ما نقله بقوله: "ظلت الأسئلة تتحرك حائرة في العقول والكلمات تحمل إجابة وتبحث عن إجابات... انشقوا وعلموا الناس كيف ينشقون عليكم.

نصًا من مدونة «انشقوا...» التي أسسها مجموعة من شباب جماعة الإخوان في بني سويف انشقوا قبل نحو العام وأطلقوا مدونتهم المثيرة للجدل في نوفمبر الماضي لتحدد فيها المجموعة الصعيدية أسباب انشقاقها.

المدونة جاءت ناقدة لأوضاع الجماعة من الداخل وتعري المسكوت عنه في العلاقات المحتقنة بين شيوخ الجماعة وقواعدها الشابة التي تجرأت علي مبدأ السمع والطاعة علي نحو مثير، وتجتذب تعليقات إخوانية ناقدة وأخري مشجعة، كما أنبتت مدونة لاتقل أهمية بعنوان «أمواج في بحر التغيير»... يبدو أن التغيير لن يرحم حتي إخوان السمع والطاعة".

لمصري اليوم 30/12/2007م)

ولم يكتف حمدي رزق بذلك، بل خرج علينا بمجلة المصور وفيها العنوان التالي بخط كبير "انشقاق إخواني في الصعيد".

ومع هذا العنوان الرئيسي عناوين فرعية مثل:

·  حفيدا القيادي الإخواني حسن جودة يقودان انشقاقًا في بني سويف، ويعلنان بيان الانشقاق الأول على الإنترنت.

·  فشل الدكتور بديع في لجم المنشقين، أبو العلا ماضي يجتمع بهم ويلتقون بمختار نوح والخرباوي.

·  المنشقون يؤسسون مدونتين تلقيان إقبالاً من شباب الإخوان، وينشرون انتقادات فادحة لقيادات الجماعة.

ويتصدر هذا الإفراز الذي ساقه ص 17 و 18صورة كبيرة لصبي صغير من أبناء الإخوان يقبل يد المرشد. وكتب تحتها: "أول دروس السمع والطاعة.. قبلة على يد المرشد".

يا عجبًا يا سيد حمدي لقد كنا ونحن رجال فينا الشباب والكهول، والشيوخ، نقبل يد أبائنا وأعمامنا، وأخوالنا، من باب التأدب، لا من قبيل الخضوع، والذلة. وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ قال: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا". وكأنك يا سيد حمدي قد عشت في المريخ لا في بيئة مصرية مهذبة.

وما تقايأه حمدي لا يتسع المجال لعرضه، أو لعرض أفكاره الرئيسية كلها حتى لا أصيب القارئ بالغثيان، فهو يعلن أولاً عن موقع من يسميهم المنشقين، كما يعلن عن وجود مدونة لهم، وعرض صورة الصفحة الأولى من هذه المدونة، أي أنه استعمل أسلوب الدعاية بكثافة لمن سماهم المنشقين، وانطلق بأسلوب التهويل والمبالغة الخسيسة مصورًا أن ما سماه الانشقاق قد أتى على جذور الجماعة، وفروعها، وأن الجماعة في طريقها للاحتضار عاجلاً، واتهم الدكتور محمد بديع بأنه فشل في رأب الصدع، واتهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بأنه يميل إلى هؤلاء؛ لأنه غاضب على رؤوس الجماعة   . ويفرز حمدي  الكلمات الآتية: "الغضبة الداخلية على عبد المنعم بسبب موقفه من برنامج الحزب عبرت عن نفسها بشدة في غياب قيادات الإخوان إلا قليلاً عن حضور حفل زواج ابنه عبد الرحمن ثاني أيام العيد، ستر الغياب الإخواني حضور المرشد عاكف الذي صار حائط الصد الأخير عن عبد المنعم الذي صارت أيامه في الإخوان معدودة".

وكل ذلك افتراء وكذب يضحك الدكتور عبد المنعم الذي له في قلب كل أخ في الجماعة مكانة كبيرة، وهو أكبر من أن يغضبه ما ذكره هذا الحمدي رزق. وأسعدني صوته الذي جاءني في الهاتف : لقد كنت سعيدا بالإخوة الذين حضروا عقد القران سعادتي بالإخوة الذين اعتذروا عن عدم تمكنهم من الحضور . علما بأنه كان عقد قران في المسجد , ولم يكن حفل زفاف .

********

ويتحدث حمدي عن خطورة تحرك مجموعة بني سويف، وما لجأ إليه بعض المنشقين من تكوين "تيار بديل" ينص على اختيار مكتب جديد للإرشاد، ومرشد جديد. وكل هذا هراء في هراء. وقد اتصلت هاتفيا بالدكتور محمد بديع وسألته عما تصوره حمدي هذا من قيام منشقين وإعلان حرب على الإخوان، وسيطرة المنشقين على الصعيد... و .... و .... فضحك الرجل الصالح وشرح ما حدث من قلة من الشباب لا تستطيع أن تفهم ماذا يريدون، وقلوبنا مفتوحة لهم، والجماعة في الصعيد وغير الصعيد بحمد الله أقوى من أن ينالها، أو يعوقها، بشر مهما كانت قوته.

 وأقول لو أن حمدي تجرد من ثوبه المنخور، واختلط بجماعة الإخوان لعرف أن كل ما أفرزه باطل ....باطل بواح.

********

لكن هل معنى ذلك أن الإخوان لم يتعرضوا لانشقاقات سابقة؟

إن من يقرأ "مذكرات الدعوة والداعية " للإمام الشهيد حسن البنا . والكتب التي أرخت للدعوة وخصوصا كتاب الأستاذ محمود عبد الحليم -رحمه الله- " الإخوان المسلمون :أحداث صنعت التاريخ " يرى ان الجماعة – من أول نشأتها سنة 1928حتى االآن – تعرضت وتتعرض لمحن عاتية قاسية , ومن أشهرها ابتعاد أو إبعاد وفصل أحمد السكري , وارتماؤه بعد ذلك في أحضان الوفديين , فكان يكتب كل يوم مقالا في صحيفتهم " صوت الأمة" يحمل فيه على الإخوان ومرشدهم .وكانت الصحيفة تنشر كل يوم عنوانا ثابتا نصه " هذه الجماعة تهوي " . وتحت العنوان عشرات من الأسماء المخترعة لأشخاص يعلنون استقالتهم من الجماعة . أما الفتن التي أشعلها عبد الناصر ورجاله أيام المرشد الثاني حسن الهضيبي – رحمه الله – فمعروفة مشهورة . وقد أطفأها الله  . ونكتفي بهذه الإشارات في جزئية ليست هي موضوعنا الأساسي .

وفي النهاية نبرز في مواجهة صاحب الإفرازات الحقيقتين الآتيتين :

 1 – أن الكذاب مفضوح مهما اتخذ لنفسه أقوى وسائل الحماية والاستتار.

2-  أن الإخوان لم تزدهم هذه المحن إلا قوة وانتشارا , فتطورت الجمعية إلى جماعة ثم إلى تيار , وانطلقت دعوتهم من المحلية إلى العالمية . فأصبح للإخوان وجود في أكثر من سبعين دولة . فالبقاء للأصلح....نعم للأصلح يا صاحب الإفرازات.