السر الكامن خلف سياسة إذلال وفد التفاوض المهادن
السر الكامن خلف سياسة
إذلال وفد التفاوض المهادن!!
مخلص برزق*
[email protected]
لا أظن أن أحداً يتابع تحركات ذلك
الفريق المتهالك الذي نذر حياته وروحه للتفاوض مع بني صهيون، أو أن أحداً من أبناء
شعبنا أو أمتنا يهمه تتبع جولات التفاوض بشغف ولهفة لذلك الفريق البائس والذي أتخيل
له صورة هزلية على نقيض تلك الصور التي تنقلها لنا الفضائيات عن رجال يعشقون الموت
في سبيل الله ويهتفون بأصوات مجلجلة تقذف الرعب في نفوس الأعداء ووكلائهم الجبناء..
صورة يهتف فيها ذلك الفريق: غايتكم؟
يأتي الرد أجشاً متحشرجاً من أعضاء
فريق أدمن حرق لفافات "المارلبورو" وسيجار "الهافانا" في مهمات –فوق عادية-:
- التفاوض..
ويتواصل الهتاف :
زعيمكم؟
يأتي الرد بارداً كوجوه لم تتمعر يوماً
غضباً لحال شعبها وأهلها:
- كبير المفاوضين!!
دستوركم؟
تتلعثم الألسنة ويختلط الرد بالعديد من
الهتافات:
-اتفاقيات أوسلو.. جنيف.. أنابوليس..
سبيلكم؟
- التفاوض..
أسمى أمانيكم:
- البقاء في الوفد المفاوض!!
حالة مزرية كهذه تجعلنا لا نكاد نستطيع
معها أن نخفي شماتتنا لما يجري لأولئك الذين "يحجون" إلى تل أبيب وفنادق القدس
بلباس الإحرام "السموكن" وعبر "مواقيت" يحددها لهم شريك التفاوض الصهيوني والتي لا
يعدو كونها إلا أحد الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال ضفتنا المحتلة.. فعند تلك
المواقيت يجهر المفاوضون بالتلبية بصوت مرتفع أن لبيك يا داعي التفاوض.. بعد أن
ينالوا "دوشا" بارداً من جنود الاحتلال يتمثل في تفتيش مذلٍ مهين كالذي جرى مع رئيس
الوفد المفاوض أبوعلاء قريع مؤخراً..
والتساؤل الذي يفرض نفسه على كل متابع
ومهتم يتمثل في معرفة السر الذي يكمن في تلك الطقوس العجيبة التي يمارسها الكيان
الصهيوني حيال تلك الفئة التي لا تخجل أبداً ولا تستحي من شعبها وأمتها وكل عقلاء
الأرض من أن تعلن جهاراً نهاراً أنها متشبثة بالتفاوض مع النظراء والشركاء
"الإسرائيليين" في كل الأحوال والظروف، ومهما صعّد الجانب الصهيوني من جرائمه بحق
شعبنا وأرضنا وقدسنا.. مهما ارتفعت وتيرة الاستيطان، مهما ازدادت وتيرة التهويد
لمدينة القدس وازداد الخطر على المسجد الأقصى، مهما شدّد الصهاينة من حصارهم على
أهلنا في غزة، مهما ارتكبوا من مجازر وجرائم في غزة ونابلس وجنين وطول أرضنا
المحتلة وعرضها، مهما بلغت بشاعة وهمجية الممارسات بحق أهلنا وأسرانا، مهما أداروا
ظهورهم لما تم الاتفاق عليه في جولات التفاوض السابقة وأعلنوا "لحسهم" لما تعهدوا
به في المؤتمرات الماضية!!
الأمر الطبيعي أن يهشَّ اليهود
ويبشُّوا لأولئك الذين يغضون الطرف عما يجري لشعبنا ويواصلون مسيرة التفاوض
العقيمة، وأن يحظى أولئك النفر بتكريم زائد واهتمام غير مسبوق كونهم عملة نادرة لا
تتوفر في جميع الأوقات، فلماذا يخاطر صناع القرار الصهيوني باستفزاز تلك الفئة
وتعريضها للإهانة والإذلال؟
إنني أجزم بأنها سياسة ممنهجة تقتضيها
المصلحة الصهيونية التي تفرض مثل ذلك التعامل الدوني مع أناس فقدوا أي مقومات
الاحترام في اللحظة التي وضعوا فيها القدس والأقصى ومصير الملايين من أبناء شعبهم
ومستقبل الأرض المباركة المقدسة على طاولة المفاوضات مع أشد الناس عداوة للذين
آمنوا، الذين لا عهد لهم ولا ذمة. سياسة تقتضي ابتزاز أناس يتغير تمسكهم بالثوابت
والحقوق تغير الماء في الأواني المستطرقة، وتتقلب مواقفهم بقدر ما يفرضه عليهم
الطرف الآخر من ترغيب وترهيب.. من هنا فإننا نستطيع فهم ما جرى لرئيس الوفد المفاوض
أحمد قريع على أنه رسالة قاسية من الطرف الصهيوني مفادها أنه غير مسموح البتة أن
يتكلم الوفد المفاوض بلهجة احتجاجية على الجرائم الدموية البشعة المصاحبة لجولة
التفاوض أو الاعتراض على سياسة الاستيطان السائدة المخالفة في ظاهرها لما اتفق عليه
في مؤتمر أنابوليس..
إنها سياسة توصل رسالة لذلك الوفد
البائس أنه على الرغم من الخدمة الجليلة التي يقدمها للمشروع الصهيوني والاختراق
الذي يحققه في إجهاض أي بلورة لموقف عربي وإسلامي صلب تجاه الكيان الصهيوني ووقوفه
بشدة وصرامة في وجه قوى المقاومة والممانعة بل وارتكابه لجريمة قمع وملاحقة
المجاهدين واعتقالهم وتسليمهم للصهاينة في كافة أنحاء الضفة المحتلة ومحاولة تركيع
شعبنا لقرارات أنابوليس وخارطة الطريق من جهة وبث الفتن والبلابل في قطاع غزة
والمشاركة الفعالة في خنق وحصار أهلنا فيه تحريضاً لهم على الحكومة الشرعية الرائدة
من جهة أخرى..
على الرغم من كل ذلك فإن عليه ألا
يتفضل بتلك المواقف على الصهاينة أو يستقوي بها عليهم، ذلك أن سر بقاء تلك الفئة
متمتعة بالتنقل بالسيارات الفارهة والمزايا الاستثنائية التي لا يحلم فيها أحد من
أبناء شعبنا يكمن في الحماية والدعم الذي يوفرها الصهاينة لهم مصحوبة بالترويج لهم
لدى الإدارة الأميركية كفريق معتدل مقبول ليحظوا بالرضى والقبول من سادة البيت
الأبيض كي ينعم عباس بميزة لقاء الرئيس الأميركي بوش ويحظى فياض بقبلات وزيرة
الخارجية رايس!!
سياسة صهيونية تقتضي أن تبقى لهجة
الوفد المفاوض كسيرة ذليلة ينخفض معها سقف التفاوض مع كل جولة تفاوضية مهما ظن
أولئك أنهم أصحاب فضل وكرم وإحسان على الصهاينة، وهل لأحد أن يتجاهل ما تم تقديمه
مؤخراً من هبات مجانية لقوات الاحتلال كتسليم الضابط الصهيوني في جنين واليهود
المسلحين الثلاثة في كنيسة المهد ثم الاثنين الآخرين في بيت لحم، هل يمكن تجاهل ذلك
التنسيق الأمني على أعلى المستويات الذي أدى إلى اعتقال المئات من قادة وكوادر حركة
حماس واغتيال المجاهدين وإبطال عمليات جهادية واستشهادية ومصادرة أسلحة وذخيرة
للمقاومين باعتراف الرموز الكالحة لذلك التيار الذي يقوده فياض وأعضاء حكومته
اللاشرعية..
لا مجال لرفع الرأس في وجه اليهود حتى
لو سبقت جولات التفاوض تلك رسائل دموية خاصة لأعضاء الوفد المفاوض وعلى رأسهم أبو
العلاء الذي لم يثنه قتل مرافقه الشخصي من قبل قوات الاحتلال عن مواصلة الهرولة نحو
الجزرة التي تلوح له بها ليفني..
ما درى أحمد قريع الذي أدار ظهره
لأبناء شعبه واحمر وجهه وانتفخت أوداجه في احتفال فتح بذكرى انطلاقتها برام الله
مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور لحركة حماس صاحبة "الانقلاب الأسود" على حد
وصفه ميمما وجهه شطر أولمرت وليفني، ما درى أن العزة لله ورسوله والمؤمنين ومن سار
بركبهم وتبع طريقهم، وأن الذل والخزي والعار والهوان لمن ابتغى العزة والرفعة عند
أعدائه ليس فقط على حواجزهم وإنما في نفوس الأحرار الأبرار الشرفاء في الدنيا ثم
الخزي والفضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.