الحزب المستحيل وفقه الاصطياد 7
الحزب المستحيل وفقه الاصطياد – 7
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
قبل
أن أكتب هذه الحلقة طرأت مسألتان ، الأولى في شكل سؤال يقول : إذا كان قيام حزب
للإخوان المسلمين أمرا مستحيلا ؛ فلماذا نتعب أنفسنا في مناقشته ، ومحاولة الوصول
به إلى صياغة أفضل ؟
والجواب ببساطة شديدة ؛ أن مناقشة برنامج الحزب المستحيل ، نوع من الحلم حتي يأذن
الله ؛ وينال شعبنا البائس حريته ، ويستعيد هويته ، ويملك إرادته ، ويكون قادرا على
العمل والفعل والانطلاق .. ولا بأس أن نحلم ونتمنى حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا
،ثم إن معظم الإنجازات كانت مجرد أحلام وأماني .
أما
المسألة الثانية ؛ فهى ما يكتبه بعض اليسار المتأمرك باسم مناقشة برنامج الحزب
المستحيل ، وهي ليست كتابة بالمعنى العلمي ، ولكنها لعب بالنار وتهييج وإثارة ،
واستخدام للورقة الطائفية استخداما خسيسا للتحريض على الإسلام .. نعم الإسلام ،
وليس الجماعات الإسلامية ، أو حتى المسلمين في جموعهم .
يقول أحدهم في صحيفة سيارة :
"
لو تخيلنا أن عميد الأدب العربي بعث من قبره هذه الأيام ، وأقام ندوة في قاعة صغيرة
، فالأرجح أن عدد الحاضرين لن يتجاوز بضع عشرات ، ولو افترضنا أن الداعية عمرو خالد
أقام فى نفس الليلة أمسية دينية فى استاد القاهرة الدولى . فالأرجح أنه سوف يمتلئ
عن آخره ، لا وسيكون هناك تجمهر من المريدين فى الخارج يمنعون من الدخول نظراً
لامتلاء الاستاد "
وقال آخر فى صحيفة يومية سيّارة :
"
القضية من وجهة نظرى هى المؤامرة على وحدة الوطن وعلى هويته الوطنية ، التى تنسجها
منذ عقود الجماعات الدينية والإخوان المسلمون وغيرهم من دعاة الإسلام السياسي ، منذ
أن أفاقوا من هول عبدالناصر ، وأخرجهم السادات من جحورهم فى مطلع السبعينيات ، تلك
الهوية الوطنية التى أنضجتها جهود المسلمين والأقباط عبر تاريخهم الطويل ، والتى
أنتجت أشكالاً موحدة من الزى والطقوس والمجاملات الاجتماعية والاحتفالات والعادات
والتقاليد ، والاحتفالات والفنون والمثل السياسية والثقافية والأخلاق .. " .
والقول الأول يفترض أن المثقفين جنس آخر ، ليس من بينه المسلمون . ولا يجوز للمسلم
أن يكون مثففاً مثل بقية المثقفين يملك العلم والمعرفة والخبرة والثقافة والقدرة
على فهم ما يجرى من حوله داخل وطنه ، وخارجه ، وأن المسلم إذ تحلّق حوله الناس ،
فهو دليل على جهلهم وعدم عقلانيتهم ، وسيرهم كما القطيع وراء الراعى ، وهو ما يدل
عليه الواقع ، حيث إن أنصار عمرو خالد ، رمز الجهل والظلام فهم يملأون استاد
القاهرة بعشرات الألوف !
بقية المقال ، الذى كتبه اليسارى الحكومى المتأمرك ، لا تخرج عن هذه النغمة . التي
تعني أننا نحن المسلمين لا نتحرك بعقولنا ، ونحن المسلمين متخلفون بسبب تمسّكنا
بالإسلام الذى ويجب أن نتخلى عنه لنكون " مستنيرين " و " متحضّرين " و " متقدمين "
مثل بقية الأمم !
نسي
صاحبنا أن طه حسين قد صنعته الثقافة الإسلامية ، وأنه أزهرى قح حفظ القرآن وتعلم
العربية وآدابها فصار مثقفا حقيقيا ، مهما اختلف الناس حوله .. ثم إن محبى الأدب
أقل بالضرورة من الباحثين عن معرفة أصول دينهم ودنياهم .. فكانت المفارقة بين
مايتخيله اليساري المتأمرك لطه حسين وعمر خالد!
وإذا كان هذا اليسارى الحكومى المتأمرك ، يرى أن الإسلام هو الجهل والتخلف والظلام
، فإن الآخر يرفع راية أخرى ، أتعفف عن ذكر اسمها ، فهو يتهم الجماعات الإسلامية ،
بل المسلمين ، بالتعصب والجهل ، وشق الوحدة الوطنية ، وظلم الأقباط ، والمسلمون في
رأيه وعلى امتداد مقاله سبب الفتنة الطائفية حيث يمارسون سياسة التمييز مع الأقلية
المظلومة المضطهدة ، ويتحرشون بها !
ومع
أن صاحب المقال الثانى ، ينتمى إلى السلك الجامعى ، ويفترض فيه دقة الباحث الموضوعى
الذي يصل إلى الحكم العلمى السليم ، القائم على مقدمات صحيحة ، فقد أعماه التعصّب
الفكرى الذميم ، لدرجة أنه يرى تحية الإسلام " السلام عليكم " نشازاً اجتماعياً ،
وسلوكاً شائناً ، يسلكه المسلمون المتخلفون بدلاً من التحيات العامة واللطيفة ، مثل
: صباح الخير ، أو مساء الخير ، أو نهارك أبيض ، نهاركم سعيد ، مبارك ، صباح الهنا
، صباح الفل ، اتمسوا بالخير ، العواف ، فوتكم بعافية ..
السلام عليكم ، تحية الإسلام ، ليست تحية لطيفة عند اليسار المتأمرك فى بلادنا ،
وسبق لبعض الماسون أن أعلنوا ذلك الرأى أيضاً ، لأن المطلوب فى النهاية أن نتخلى عن
الإسلام ، أو على الأقل ، نقبل بالإسلام الأمريكى الذى يريده المحافظون الأمريكيون
ويشرّعه المحافظون الجدد .
لقد
ظننت أن الكاتب المشمئز من تحية الإسلام ، سيناقش برنامج الحزب المستحيل الذى أبدى
الإخوان المسلمون استعداداً لإنشائه ، فاكتفى بالإشارة إلى غلبة الدعوى على السياسى
فى البرنامج ، ثم انتقل لهجاء الإسلام والمسلمين ، واتهامهم بكل نقيصة ، لأنهم
تصدوا لرجل أعمال طائفي متعصب ، أهان الأمة كلها حين تحدث كأنه الحاكم الأعلى لمصر
الذى لا يستطيع أحد فيها أن يقول رأيا أو يبدى وجهة نظر إلا بأمره ورضاه ، وأعلن عن
عدم موافقته على ارتداء المسلمات الحجاب ، وعن نيته فى إنشاء قنوات تلفزيونية جديدة
تغيّر هويّة الشعب ومن ضمنها دينه الإسلامى بالطبع ، وثقافته ، وأفكاره ، بعد أن
أنشأ قناة تذيع أفلاماً إباحية صريحة ، وأشياء أخرى ، " للكبار فقط " ، وتتكلم
العامية وحدها ، بوصفها لغة السكان الأصليين (؟) فى الوطن الذى يحكمه أو يمتلكه !
كنت
أتصوّر ان الكاتب اليساري المتعصّب ، سيحدثنا عن آرائه فيما طرحه البرنامج من آراء
فى السياسة والاقتصاد والمجتمع والتعليم والثقافة ، وغيرها ولكنه آثر أن يكون أكثر
ملكية من الملك " برنارد لويس " فى حقده على الإسلام والمسلمين ، لدرجة رفضه تحية
الإسلام : " السلام عليكم .. وكنت أتمنى أن يورد بين التحايا اللطيفة ، تحية أولاد
العم المسالمين الذين يقتلون يومياً أعداداً قليلة من الفلسطينيين تتراوح بين
الخمسة والعشرين وينطقونها " شالوم " ! ، ولكن يبدو أن انتماءه الماركسى السابق ،
جعله يجامل مؤسس الحزب الشيوعى الأكبر فى مصر ، الراحل " هنرى كورييل " – وهو
صهيونى لحماً ودماً ، فلم يورد التحية الصهيونية ضمن التحايا اللطيفة ، وأصر على
انتقاد " السلام عليكم " ..
ثم
راح صاحبنا يرمى المسلمين بكل نقيصة ، ابتداء بشق الوحدة الوطنية وعدم الاهتمام
بقضايا الفساد والاقتصاد والرشوة وغياب الشفافية ومحاصرة العمل السياسى وتدهور
الاقتصاد والتعليم والأخلاق وتدنى مستويات المعيشة وتوريث الوظائف والمناصب ،
وإهمال قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وقيم التسامح والإخاء والتكافل والحرية ..
واضح أن صاحبنا لم ير البرنامج وبالتالى لم يقرأ منه حرفاً واحداً ، لأنه لو قرأ
لعرف ، ثم إنه يبدو بعيداً عن الواقع وما يجرى فيه .. ولو تابع جلسات مجلس الشعب
ورأى نشاط أعضائه من جماعة الإخوان ال 88 لعرف كيف يعالجون ويناقشون ويسألون
ويستجوبون من أجل القيم النبيلة التى تمثل الأساس المكين لكل الشرائع السماوية ..
ثم
إنه ينسى أو يتناسى أو يتجاهل أن هناك العشرات من الجماعة ، فضلاً عن آخرين يعتقلون
بصفة شبه يومية ، وهناك أربعون يقفون أمام محاكم عسكرية غير مختصة بمحاكمة المدنيين
، ولم نسمع له ولا لأصدقائه من أهل اليسار المتأمرك كلمة واحدة فى استنكار ذلك أو
رفضه ..
ترى
ماذا يقصد أهل اليسار المتأمرك بحملتهم المركزة على الإسلام والمسلمين واتهامهم بشق
الوحدة الوطنية ؟ ولحساب من يلعبون بالنار ؟ هل هم يعيشون بيننا حقا ، ويُتابعون ما
يجرى ؟ أم إن لهم غاية أخرى ؟
ونواصل بإذن الله .