المعارضة والنظام الأسدي وأمريكا
المعارضة والنظام الأسدي وأمريكا
د.خالد الأحمد *
منذ أن بدأنا نسمع وندرك كان النظام الأسدي يحذرنا من أمريكا ، ويلعن الامبريالية صباح مساء ، حتى صارت لازمة لابد منها لكل من أراد التحدث أمام الجماهير ، وحتى المدرسين ، وخاصة مدرسي الفلسفة وعلم الاجتماع السياسي صارت لازمة ضرورية أن يلعن الامبريالية ، ويعزو إليها كل التخلف والفقر والجهل الذي يضرب أطنابه في العالم العربي .
أما النظام الأسدي فقد فهمنا لعبته ، وهي التغميز على اليسار والذهاب من اليمين ، يلعن الامبريالية ليل نهار ، ويتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية ، فيقدم لها مئات وقيل آلوف الملفات عن المواطنين السوريين ، يتهمهم بالإرهاب ويحرض المخابرات المركزية الأمريكية على ملاحقتهم ، والقضاء عليهم ... فما حقيقة العلاقة بين أمريكا والنظام الأسدي ؟
أمريكـا والنظـام الأســدي :
قبل سنتين أي في (2005) تقريباً تناقلت وكالات الأنبـاء ومواقع الانترنت نبأ نقل عن مسؤول سوري أن سوريا أوقفت تنسيقها الاستخباراتي والعسكري مع وكالة المخابرات الأمريكية (. c.i.a) .
1 - ذكرني هذا النبأ بأن المخابرات السورية زودت المخابرات الأميركية (. c.i.a) بمئات الملفات للمواطنين السوريين الذين فـروا من جحيم الموت والتعذيب في سوريا ، والذين يطلق عليهم اليوم مصطلح المنفيين الطوعيين ، هؤلاء المساكين الذين فروا بدمائهم وأعراضهم من الجحيم السوري ، قدمت المخابرات السـورية أسـماءهم للمخابرات الأمـريكية (. c.i.a ) على أنهم ( إرهابيون ) ، يتعاونون مع القاعدة ، وقد كشفت هذه ال ( c.i.a.) سخافة هذا الإدعـاء ، ولم تأخذه بعين الاعتبار ، إلا أن وضح لها وللعالم أجمع سـخافة النظام الأسدي الذي يستقوي بالمخابرات الأمريكية على شـعبه ، في الوقت الذي تعلن المعارضة السورية ليل نهار أنها لاتستقوي بالأجنبي على بلدها .
2 ـ وذكرني أيضاً بهتاف ظل النظام السوري يجبر أجيالنا الصاعدة على ترديده مدة عقد من الزمن وخلاصته : [ الموت للصهيونيـة والامبرياليـة وعميلتهم عصابـة الإخـوان المسلمين ] . وبعد عقد من الزمن فقط تقدم المخابرات السورية عشرات الآلاف من الملفات ، لهولاء الذين تتهمهم أنهم عملاء للامبريالية والصهيونية ، تقدمها للمخابرات الأمـريكية نفسها ،وتتهمهم هذه المـرة أنهم من تنظيم ( القاعدة ) . ولاندري التهمة التي ستوجه لهم بعد ذلك .
3- وذكرني بحوار مع الأستاذ فريد الغادري ، الذي يعلن صراحة أنه على تفاهم مع الخارجية الأمريكية ، ولما عاب عليه أحد أزلام النظام السوري ذلك ، رد فريد الغادري وقال : نحن نعلن أننا على صلة بالخارجية الأمريكية . ولكن البعثيين على صلة بال (. c.i.a) ، وبالتالي نحن نتعامل سياسياً مع الخارجية الأمريكية ، أما النظام السوري فإنهم ( جواسيس ) يعملون لصالح (. c.i.a) على حد قول الأستاذ فريد الغادري . وقد أكد النظام السوري ذلك بهذا التصريح .
4 ـ وذكرني هذا بأيام الشباب عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية ( 62ـ 64) ، حيث كانت بداية ثورة البعثيين وانقضاضهم على السلطة في سوريا ، حيث صرنا نعد للمسؤول البعثي إذا تحدث أمام الجماهير كم مرة شتم الامبريالية ، فنرتب ولاءهم لحزبهم بعدد مرات شتمه للامبريالية ، ويستحيل أن يتحدث أحدهم أمام الجماهير دون أن يشتم الامبريالية عدة مرات . الامبريالية التي كان نظامهم منذ البداية ( جاسوساً ) لوكالة المخابرات الأمريكية (. c.i.a) .
5- أكد لي هذا التصريح أن مبدأ سياسة [ غمز على اليسار واذهب لليمين ]ٍ التي اخترعها النظام السوري ، سياسة حقيقية ، تجعلنا نفهم النظام السوري جيداً ، وهو في كل تصريحاته من أجل تحرير الجولان ، أو فلسطين ، أو الوحدة العربية ، أو الاشتراكية ، أو الحرية ... دائماً يغمز على اليسار ويذهب إلى اليمين . وإليك شـرح ذلك :
يوهم شعبنا في سوريا أنه سيحرر الجولان ، والجولان أكثر المناطق المحتلة أمناً خلال العقدين الماضيين ، وخلال الانتفاضة الفلسطينية التي تقودها حماس ( الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ) . بل هو الذي أجرّ الجولان لمدة ثلاثين سنة ، مقابل تمكين الرئيس السابق في الحكم ، ثم مددت مدة التأجير خلال لقاء ( الأسد – كلينتون ) اللقاء المنفرد في جنيف ، مددت مدة التأجير لقاء تثبيت حكم سوريا لأولاده من بعده ، وقد باشرت ( أولبرايت ) بنفسها تنصيب الرئيس الأسد الحالي .
المعارضـة السورية وأمريكا :
مازال النظام الأسدي يتهم خصومه بعمالة أمريكا ، وحتى الأسبوع الماضي عندما اعتقل قادة إعلان دمشق اتهمهم بعمالة أمريكا ، مع أن هذا الاتهام لايقبله مواطن سوري ولاعربي ، ومع أن المعارضة تعلن أنها لاتستقوي بالاجنبي على وطنها ...
ومن المؤسف أن بعض الأخوة من رموز المعارضة السورية تستنكر لقاء جرى بين ثلاثة من قادة المعارضة السورية والرئيس الأمريكي بوش ، في الوقت الذي يبعث فيه السياسي السوري المخضرم السيد رياض الترك ( الماركسي ) برقية أو رسالة مفتوحة يشكر فيها الرئيس الأمريكي بوش على اهتمامه بالمعارضة السورية ...
لقد طرحت المعارضة السورية في الداخل ( إعلان دمشق ) وفي الخارج ( جبهة الخلاص الوطنية ) طرحت الطريق السلمي للتغيير السوري بأيدي سورية ، ولا أدري كيف يكون التغيير السلمي بأيدي سورية إذا لم تتوفر لـه البيئة العربية والإقليمية والدولية ، كيف سيكون التغيير السلمي بأيدي سورية ، وهل نعيش في كوكب آخر لاتشاطرنا فيه أمريكا وأوربـا العيش فيـه ، هل نستطيع أن نكف يـد أمريكا عن التدخل في منطقة الشرق الأوسط .!!!؟؟
وحسب فهمي المطلوب من المعارضة السورية في الخارج بشكل خاص تهيئة مناخ عربي وإقليمي ودولي ، يتقبل هذا المناخ تغيير النظام السوري الأسدي ، بل يساعد ( سياسياً ) على ذلك ، وأضعف الإيمان رفع الغطاء العربي والإقليمي والدولي عن النظام الأسدي ...وحسب فهمي أيضاً أن المعارضة السورية في الخارج قطعت شوطاً لابأس بـه في هذا الطريق ....
انظـروا باكســتان :
في الباكستان الرئيس برويز مشرف متحالف مع أمريكا حتى العظم ، لا أحد يشك في ذلك ، والمعارضة ( وخاصة بوتـو ) متحالفة مع أمريكا أيضاً ، ونواز شريف ليس بعيداً عن رضـا أمريكا ، فالنظــام الحاكم ومعارضوه يتسابقون إلى كسب ود الإدارة الأمريكية ، وحسب فهمي سوف تتخلص الإدارة الأمريكية من برويز مشرف لأن صلاحيته انتهت ، وكانت تخطط لتسليم بي نزير بوتو بدلاً منه لولا اغتيالها أمس ، وسوف تبدل أمريكا دعمها لبديل ( بوتو ) في حزب الشعب ، أو نواز شريف وتتخلص من برويز الذي انتهت صلاحيته ...وبات مكروهاً لدى الشعب الباكستاني ....
وهل يشك عاقل أن النظام السوري يتذلل لأمريكا وللصهاينة منذ سنتين ، ويحاول بكل قوته أن يستعيد ارتباطـه بالمخابرات الأمريكية ، ناهيك عن الخارجية والبيت الأبيض ،
لإيمانـه أن رضـا الإدارة الأمريكية عنه يثبتـه في كرسي الحكم ...
فلماذا لاتسبقه المعارضة السورية ، وتفهم الإدارة الأمريكية خطر هذا النظام على منطقة الشرق الأوسط ، حيث وضع جميع بيضـه في الســلة الإيرانيـة ...وصار منفذاً للسياسة الإيرانية في المنطقة ، وما تصريحات الشرع الفجـة التي لايقبل العقل أن الشرع جاهل أو غافل ، وإنما صدرت منه عن قصد ووعي إرضـاء للنظام الإيراني الذي يحقد على المملكة العربية السعودية ....
معنى الاستقواء بالأجنبي :
ومن المؤكد أن المعارضة السورية في الداخل والخارج ؛ عندما تهيئ المناخ الدولي والإقليمي والعربي لإسقاط النظام الأسدي ، لاتستقوي بالخارج ، والاستقواء بالخارج هو إدخال الدبابات الأمريكية إلى سوريا كما فعل ( جلبي ) في العراق الشقيق ... هذا هو الاستقواء الذي رفضته وستظل ترفضه المعارضة السورية ، وكان هذا الرفض أول ماتحدث بـه السيد مأمون الحمصي ورفيقاه للسيد بـوش ، فقد أكدا لـه أن المعارضة السورية ترفض الاستقواء بالأجنبي كما فعلت المعارضة العراقية ....
وختاماً شكري للسيد مأمون الحمصي ورفيقيه على الخطوة المباركة التي قاموا بها ، وأدعو الله أن تتلوها خطوات أكثر تحالفاً ووضوحاً مع الإدارة الأمريكية ....هذا فهمـي الخاص لا ألزم به جماعة ، ولاجبهة ، ولا ألزم بـه غير نفسـي ، والله أعلم ...
*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية