خارج الأحاديات التي لا تحتمل النقد أو النقاش

خارج الأحاديات التي لا تحتمل النقد أو النقاش!!..

مازن كم الماز

[email protected]

هناك اليوم إصرار هائل على الأحادية و على الفهم الواحد و الرؤية الواحدة و على التشديد على ضرورة تجاوز كل الخلافات "الثانوية" في سبيل "القضية المركزية الأكثر أهمية" , هذا يجري باتجاه القبول الكامل  بفكرة أو بحالة ما هو بالضرورة قبول غير قابل للتجزئة أو لأي اعتراض و ليس باتجاه الاعتراف و لو بأية مساحة مهما كانت محدودة للاختلاف الذي يصبح و بدون أدنى تردد أساس الاتهام بالعمالة لأمريكا من طرف أزلام النظام أو العمالة للنظام ممن يعتبر أنه يمثل المعارضة و الديمقراطية و إلى حد كبير الشعب وفق منظوره الخاص..في أفضل الأحوال سينظر إليك من يريد أن يظهر بشكل أكثر موضوعية على أنك تمتلك نوايا طيبة رغم أنك ما تزال بالنسبة له في موقع العمالة أي أنك أهبل و هذا أفضل من أن تكون عميل على أي حال هذا لأنك مختلف و تتجرأ على النقد أي على استعمال عقلك و الأكثر من ذلك على التصريح بما تعتقد به , يا لها من صفاقة ! , هذه النظرة الأحادية للوطن و الشعب معروفة عن النظام السوري الذي يستخدمها و كأنه هو الوطن باختصار , تصور مجموعة من الحرامية و القتلة الذين لا يتورعون عن أي شيء في سبيل الحكم أو الاحتفاظ بالحكم و يحتفظون بكرسي الحكم حتى اليوم فقط بفضل سجون و سياط أجهزة القمع السوداء , يدعي هؤلاء أن معارضة قمعهم و سطوتهم على المجتمع هي خيانة للوطن و أن الاعتراض على تجويعهم للسوريين و سرقة طعام أطفالهم و نهب خيرات بلادهم خروج عن الوطنية , طبعا يضع النظام في محاولة لجعل الصورة مقنعة قليلا على الطرف الآخر من الصورة أمريكا بوش أو إسرائيل أو قوى يتهمها بأنها غير وطنية أو همجية لكن ما يحافظ على واقعية هذه الصورة في الحقيقة و بالتالي على وحدانية النظام وحده لا شريك له في سوريا خاصة في أيامنا هذه هو همجية أجهزة النظام..من المؤكد أن هذا الإنسان السوري ضعيف و مستباح إلى هذه الدرجة اليوم و بالأمس أيضا و أن قدرته على الدفاع عن نفسه شبه مهملة بالنسبة للنظام الذي يشعر بحرية مطلقة في أن يفعل به ما يشاء و يقول ما يشاء عن لسانه , كنت أعتقد أن هذه هي القضية المركزية على الأقل لمن يبحث عن حرية هذا الإنسان إذا افترضنا أن على أحد  ما أن يتولى هذه المهمة نيابة عن السوريين أنفسهم , أنها تتجسد في عملية تحويل هذا الإنسان إلى أكثر من أن يكون قادرا على الدفاع عن نفسه في وجه أية قوة تريد استباحته , بل في عملية تحويله من عبد تابع إلى سيد , أن هذه العملية هي بكل بساطة المعنى الوحيد لأي كلام عن حرية هذا الإنسان و ليست الحديث عن وحدانيات جديدة ذات منطق مختلف..أبحث عن حجج أسوغ بها إصرار من يعتبر نفسه مدافعا مخلصا عن إعلان دمشق , إصراره على وحدانية منطقه و رؤيته و عمالة كل ما عداه هو فقط , أفترض أنا أيضا هنا حسن النية , ربما بدا أن المجلس الوطني لإعلان دمشق كان اختراقا كبيرا و بالتالي اعتبر أي انتقاد موجه له محرما على طريقة بوش الشهيرة : من ليس معنا فهو ضدنا , لا يوجد أي خيار آخر , و لا يوجد أي شيء خارج النظام أو إعلان دمشق إلا عملاء لهذا أو ذاك , تماما كما يطالبنا البعض صباح مساء بأن نختار بين أمريكا و النظام , أمريكا أو إيران , الليبرالية أو الأصولية , لا بديل آخر !!!..لماذا ؟ ببساطة لأن هذه هي دوما حجة من يريد أن يثبت وحدانيته , أنا أو لا شيء , أنا أو عملاء أمريكا أو النظام , لأن هذا هو أساس القمع الفكري الذي يريد أن ينهي بالضربة القاضية أي نقاش حتى قبل أن يبدأ..هكذا يحاصر أي فكر نقدي أو حتى أية محاولة نقدية من جديد و يكفر و يشيطن و يعلن خارجا عن القانون , حسنا !!..

هذا أكثر من منطقي بالنسبة للنظام و هذا بالضبط ما يجعله الأول على قائمة التغيير في حياتنا كسوريين لكي نبدأ بالحديث بحرية دون خوف و لنفكر بحرية و لنحاصر بحريتنا غول الفساد الذي يلون حياتنا بالفقر و الحاجة و النضال المضني من أجل لقمة الخبز..كان رد لجان المجتمع المدني الأكثر عقلانية في كل ما كتب , تحدث عن حوار وطني يتجاوز قمع النظام الذي  ما زال يفترض أن هناك حقيقة واحدة هي النظام و وحدانيته و سياساته و بالتأكيد تمثيله للوطن..هذا الحوار ليس ترفا إنه جدل من نوع جديد مختلف لا يحشر الناس بين ثنائيات لا بديل خارجها , إنه حوار يعتمد على أن هؤلاء الناس أنفسهم هم الحكم و هم مصدر الحقيقة..هذا الجدل الذي نتحدث عنه كبديل عن هذا الواقع هو جدل بين أشخاص ذوي شخصيات اعتبارية متساوية , أي يتحدث كل منهم باسمه دون أن يضخم ذاته إلى أن تستوعب الوطن أو الشعب أو الديمقراطية , جدل بين كل الناس و لا يقتصر على مجموعة تكبر أو تصغر , جدل لا يفترض أن الحقيقة هي ملك لأي كان مهما كان , جدل يفترض أن الناس يتمتعون بما يكفي ليفكروا بحرية في كل ما يخص حياتهم و عالمهم و ليقرروا في نهاية المطاف ما يناسبهم وسط جدل حر لا يعرف القيود أو المحرمات أو امتيازات أو وصاية لأي كان..إننا نريد الحرية حرية كل السوريين و هذه الحرية تفترض و تستدعي بالضرورة القضاء على قمع و استبداد النظام كخطوة أولى لا بد منها و لكنها أيضا تفترض أن نبدأ بالتفكير على نحو مختلف و خاصة عند النظر إلى أنفسنا و إلى الآخرين و لا سيما ملايين الناس العاديين..يصر النظام أنه خارج إطار طاعته لا وجود إلا للخونة و يصر بعض من يدافع عن إعلان دمشق بشكله الحالي أنه لا يوجد خارج إعلان دمشق سوى أزلام النظام , لكن في الواقع يوجد هناك عشرون مليون سوري مهمش مسحوق مقهور خارج إطار النظام و إعلان دمشق , هؤلاء هم من يجب البحث في حريتهم , لا أن يمنحوها منة من أحد بل أن نضع أيدينا في أيديهم , نسير معا درب الآلام الضروري إلى الحرية , هكذا نفهم نحن على الأقل عذابات الشجعان الذين يعتقلهم النظام اليوم و بالأمس و منذ عقود , على أنها عذابات الولادة و ليست سكرات الموت , موت الحرية أو اغتيالها....