المُغتربون والمنفيون والمُغيبون
المُغتربون والمنفيون والمُغيبون ..
وقصة وطن وقع تحت سيطرة الحفنة الحاكمة
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
(مَن منّا لايعرف أُغنية أُم كلثوم الشهيرة ، التي صدحت بها عام 69 عن الفلسطينيين بعنوان عشرون عام ، من كلمات الشاعر نزار قباني ، التي قال فيها وهو يُخاطب ضمائر الأمة العربية والإسلامية " عشرين عاماً وأنا أبحث عن أرضٍ وعن وهوية أبحث عن بيتي الذي هناك عن وطني المحاط بالأسلاك أبحث عن طفولتي وعن رفاق حارتي عن كتبي عن صوري عن كل ركن دافئٍ وكل مزهرية إلى فلسطين خذوني معكم" وكُنت في ذلك الوقت أقول وبإحساس الطفولة "يخرب بيت هالإسرائيلين شو مُجرمين " وكانت أُمّي الله يرحمها تقول عنهم ملاعين وقتلة ومجرمين وما بخافوا الله ، وكان أبي الله يشفيه من السرطان ، يصفهم بأنهم أعداء الإنسانية وأعداء الله ، وجدّي الله يرحمه كان يصف أعمالهم بالخنزيرية ، وجدّتي الله يرحمها تصفهم بالشياطين ، وأعمامي الله يرحمهم يصفونهم بالخسيسين ، وبقية أقربائي الذين جميعهم ارتحموا أثناء غُربتي القسرية التي قارب زمنها الثلاثين عاماً وأنا بلا هوية ولا بيت ولا وطن ، كانو يصفونهم بالمتوحشين، وكذلك أهالي أقراني من الملايين المنفيين قسراً والمُغيبين في عتمة المُعتقلات في الزنازين التي لاترى النور تحت الأراضين ، منذ ذلك التاريخ في أقبية الاستخبارات العسكرية ، كانوا يقولون ذلك ، فماذا تظن حفنة النظام المارقة التي تجاوزت أعمالهم ألف مرّة مافعله الإسرائيليين بالفلسطينيين أن يقول عنها النّاس).
لاشكّ إن قول هؤلاء جميعاً سيتجاوز ماقالوه عن اليهود الغاصبين ، ولكن هل تصل بهم الأمور بعد مرمرتهم وما أصابهم من الأوجاع والآلام بأن يصفوا حفنة النظام المارق بأبشع ماقالوه في الغاصب الإسرائيلي ؟ الجواب وبكل بساطة نعم ، ولكن أهلنا في الداخل يخافون من البوح بذلك ، ونحن بلا غضاضة نؤيدهم ونقول : بأنه لم يشهد التاريخ مثيلاً لهذه العصابة الحاكمة في دمشق ، وهم ليسوا إلا عبارة عن قتلة ولصوص مُجرمون ، فالطاغية حافظ في رقبته عشرات الآلاف القتلى من أبناء شعبنا الحبيب ، وملايين من المآسي والآهات المُتعمدّة التي ألحقها بهم طوال سنين تسلطه على سورية، بينما ابنه بشار الذي سيدخل عامه الثامن من زمن اغتصابه للسلطة وتسلطه على رقاب الناس، لوقارنّا فترته هذه بسنين أبيه الأولى فإنه قد سبق أباه كثيراً بالاستبداد والتنكيل بالشعب عشرات المرّات ، فكيف إذا طالت مدّته زمن أبيه لاسمح الله " وكش برّه وبعيد " فماذا ستكون النتيجة ، لاشكّ إنه شيءٌ مُرعب ومُخيف ، ولا شك سينسى العالم موسوليني وهتلر وماوتسي تونغ والفراعنة والأبالسة وسيزكرون فقط بشار ، الذي سيدخل موسوعة جيمس للأرقام الخيالية.
واليوم قد دخلنا السنة الجديدة من القرن الواحد والعشرين ، والذي يفكر فيه الغرب للصعود إلى كواكب عُطارد أو بلوتو بعد أن تجاوزوا القمر والزهرة وأعتقد المُشتري وبعض الكواكب الأُخرى ونحن السوريين المُنتشرون في كل أصقاع الأرض بالأعداد المليونرية نُفكر في طريقة العودة السالمة إلى بلادنا دون أخطار ، ليس لبُعد المسافة بل لوعورة الطريق من اللصوص والقتلة والسفّاحين الذين لايخافون الله ويتحكمون في رقاب شعبنا وخيرات وطننا المنهوب منهم ، ونحن نخطط في الخارج أيضاً كيف نؤمن لقمة العيش في ظلّ الظروف الصعبة والقاسية والسيئة التي يعيشها في الغالب المُغترب ، وبذلك نكون نحن متضامنين مع مايُعانيه المواطن السوري في الداخل من ضيق ذا العيش والقلّة والفاقة التي تجاوز مُعدلها 70% تحت مُعدّل خط الفقر من أبناء شعبنا ، بعدما نهبت الحفنة الغاصبة مُقدرات البلد وثرواته ، وتركت الشعب على ماأكل السبع ورماه الطير، حتّى الأجنّة وهي في بطون أُمهاتها في سورية تشتكي إلى الله من قلّة المورد الذي يصلها .
وتأكيداً لما ذكرت من استحالة عودة المُغتربين والمنفيين الآمنة، سأذكر بعض القصص التي حصلت على صعيد من نزل من اليمن ممن غامر وظنّ الظنّ الحسن في هذا النظام ولو لمرّة واحدة ، فنالهم من السوء مايُعادل بما يُسمّى غلطة العمر ، التي دفع البعض حياتهم ثمناً لها أ أو زُج بهم وراء القضبان بالسنين الطوال ، أو نالهم من التعذيب الجسدي ماتشيب من هوله الولدان.
فالبعض من الطلاب والعمّال الذين ليس لهم في العير ولا في النفير، ولا في مجالات السياسة والتنظيمات ، نالهم السوء لمُجرد تقارير رُفعت بهم من السفارة التي تُعتبر وكر ومركز الاستخبارات العسكرية الواقعة تحت إمرة آصف شوكت ، الذي يرأس مكتبه في دمشق ابن الحمدان قريب القنصل الحمداني في صنعاء،الذي يرفع التقارير وتتم الإعتقالات بموجب ذلك في سورية من على الحدود ، فيُعرّض العائدون للاستجواب والإعتقال وممارسة أسوأ أنواع التعذيب ، في فروع الإستخبارات واقسام الأمن المختلفة إلى أن يصل هذا العائد إلى فرع فلسطين الذي يلقى فيه كل مالايتخيله الإنسان من أصناف الوحشية والقهر والإذلال، والتي أقساها وأشد إيلاماً ووحشية"فرع فلسطين" ، من التعليق في السقف إلى الضرب بالكابلات الكهربائية الغليظة إلى سكب الماء الحار والبارد عليهم ، إلى وضعهم في الدواليب ، والدحرجة بالأرجل رفساً وركلاً إلى السب العلني في العرض وسب الإله سبحانه بأفظع الألفاظ وسب الدين ، للضغط على هذا العائد ليعترف أنه إخوان مسلمين ليصدر بحقه بموجب قانون العار وتقنين الجريمة 49لعام 1980 حكم الإعدام .
وآخرون عادوا من صنعاء ومنهم عسكري سابق فرّ أثناء الحشد العسكري السوري ضد العراق الشديد في نهاية التسعينات، ورفض توجيه سلاحه إلى أخيه العراقي الشقيق ، واسمه ماجد بكري سليمان ، الذي طمع بالعفو الذي أصدره بشار على أمثاله من العسكريين الفارّين ، وعاد إلى سورية بعدما أعطته السفارة السورية هنا الأمان لنزوله ، وبعدما ذاب شوقاً وحنيناً للوطن ، ليُستقبل من بوّابة المطار إلى فروع التعذيب المتنوعة وليُحكم علية بعشر سنين ، تحت بند ذاك العفو وتلك الرحمة التي يحملها قلب بشار ،والتي لولاها لكان صاحبنا وراء الغيم ، وهو أب لخمسة أولاد من زوجتين سوريتين ، أحدهما في حلب والثانية في صنعاء.
وآخر اسمه أبو زهرة من سكان اليمن ، نزل بعدما أُعطي الأمان منذ أربع سنوات ، وهو محسوب على الصوفيين ، وسلم من الاعتقال المُباشر ، وبعد ثلاثة أشهر تمّ استدعائه بأثر رجعي ، ولا أحد يعرف عن قراره إلى الآن.
وأخر اسمه أبو أحمد سمّاق ، وأظن اسمه محمود سمّاق ، نزل من أربع سنوات ، مُستغلاً عفوا قد صدر ، وظنّ أنه يشمله ،وبعد أن أخذ التطمينات المناسبة من السفارة والأجهزة الأمنية ، ثم اختفى عن الرادارات فور وصوله إلى المطار ، وهو إلى الطريقة الصوفية ينتسب ، ولا أخبار عنه
وآخر اسمه محمد حسن نصّار الذي أصابه الضجر من طول مكوثه في ديار الغربة ، والذي أُصيب بالاكتئاب النفسي ثُم فقدان الذاكرة ، وظن المُحيطين به أن ذلك يُعفيه عن المُساءلة ، وتمّ إنزاله بالضمانات الأمنية وتطمينات السفارة منذ ثلاث سنوات ، واعتقل فور وصوله وبعد أسابيع سُلمت جثته وعليها آثار التعذيب الوحشي ، وقيل أنّه مات صبراً بعدما مُنع عنه الدواء والعلاج.
وآخرون لاأريد ذكر أسمائهم لدواعي أمنية ، وعدم رغبة أصحابها بالحديث عنهم كي لايتعرضوا للمساءلة أو الاعتقال أو المُلاحقة ، وهذا على صعيد اليمن ، وساتحدث عما يجري في الدول الأُخرى من ذلك النظام ، ومنهم أولاد الحريري الذين كانوا مُقيمون في السعودية 13 و15 و17 سنة ، والذين تعرضوا للتعذيب على مدار سنين، وكسر العمود الفقري لأحدهم من جرّاء ذلك إثر عودتهم إلى سورية ، على يد هذا النظام الإرهابي.
وهذا غيض من فيض عن بعض معاناة العائدين وما يُلاقونهم عند بوابات الوطن ، هذا عدا عن الألوف من السوريين وأبناءهم الذين يزورون الوطن ويُعرّضون للاستجواب والتحقيق والمُسائلة في أدق التفاصيل ، وحتى ابنتي التي لم تتجاوز حينها السبع سنين عام 2003 كانت مطلوبة للتحقيق معها في أقسام الأمن وفروع المُخابرات ، والتي لم تخرج من مطار دمشق إلا بعد وصول ورقة من الاستخبارات العسكرية بأن لاشيء عليها ، فتلك هي مهزلة الوطن الذي وقع تحت سيطرة العصابات وقطّاع الطرق ، والذي صار المواطن فيه مابين مطرقة المخابرات الإرهابيين في الداخل وسندانة السفارارات السورية الأمنية المُصغرة عن فروع الأمن العسكري في الخارج.